كمال زاخر السبت 29 إبريل 2023
كان شاول (بولس) يحرس ثياب القاتلين وهم يرجمون استفانوس، بل وراضياً عن فعلهم هذا، ولكن لماذا استفانوس، ولماذا تحول موقف الفريسيون وكانوا قد انسحبوا من محاكمة المسيح، لتحولها من محاكمة عقيدية إلى محاكمة سياسية وحماية لمصالح رؤساء الكهنة ؟، يقدم لنا الكاتب اسباب التحول “بعد أن أشعل استفانوس شرارة الهجوم على الناموس والعوائد والسبت والهيكل وموسى نفسه، وضع الفريسيين ـ وشاول بولس بالذات ـ
فى موضع الحركة والهجوم المضاد، إذ وفر له من الأسباب العقائدية ما هو كفيل للمقاومة، حسب ما تنبأ به يعقوب أبو الآباء عن طبيعة ومسلك بنيامين رأس السبط وهو جد بولس الأول، ( بنيامين ذئب يفترس، فى الصباح يأكل غنيمة، وعند المساء يُقَسِّم نهباً ـ تك 27:49).
” ويستطرد الكاتب “فقد تحرك الذئب بعد أن سُفِكَ دم أول حمل من خراف القطيع:
(وأما شاول فكان لم يزل ينفث تهدُّداً وقتلاً على تلاميذ الرب ـ أع 1:9).
كان عنف شاول وتحالف الأضداد؛ الفريسيين والكهنة والدولة الرومانية، عاتياً فى تعقب واستهداف الكنيسة الوليدة “وحدث فى ذلك اليوم (يوم استشهاد إستفانوس) إضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى اورشليم، فتشتت الجميع فى كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل ـ أع 1:8)
لكنه كان حافزاً لخروج الكلمة والبشارة حرَّة إلى كل أقطار الأرض “فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة، فانحدر فيلبس (زميل استفانوس) إلى مدينة من السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح ـ أع 8 :4و5).
ويتتبع الكاتب اعترافات ق. بولس فى ثنايا رسائله وفى احاديثه التى سجلها له سفر الأعمال، بما اقترفه فى حق الكنيسة قبل أن يباغته لقاء الرب يسوع فى لقاء طريق دمشق.ويكشف لنا الكاتب سر عداء شاول (بولس) للمسيح واضطهاده للكنيسة “بجنون وبلا رحمة أو بحسب تعرف بولس نفسه: حتى الموت”، نقرأ معاً “قال بولس عن هذه الفترة : نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة (1كو 23:1).
فهو يرى أن اليهود إنما فقدوا فرصة الإيمان بالمسيح بسبب هذه العثرة ألعلهم عثروا لكى يسقطوا (رو 11:11).
وهنا يفرق بولس الرسول بين العثرة والسقوط، بمعنى أن اليهود عثروا فى المسيح ولكن لم يسقطوا من رحمته نهائياً مثلما صنع المسيح فيه هو، أى فى بولس”.ويستطرد الكاتب “كذلك يرى ـ بولس ـ أن المسيح صار لليهود حجر صدمة وصخرة عثرة (ولكن) كل من يؤمن به لا يخزى ـ رو33:9، وقد أوضح نوع هذه العثرة التى شخصها الناموس، ولكنهم أخطأوا فهمها: المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار (لعنة) لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة ـ غل 13:3.
هنا يكشف لنا بولس الرسول كيف صار صليب المسيح هو محور العثرة عنده، إذ ترجمه على حياة المسيح وموته أنه مجرد إنسان أفرزه الناموس وصلبه وحكم عليه باللعنة.
ولا يهم بعد ذلك إن كان الذين حكموا عليه كانوا خادعين أو مخدوعين، فطالما رضى الله أن يتم فيه حكم الناموس باللعنة فقد صار مفروزاً وملعوناً، فإن كان هؤلاء المسيحيون ـ اصحاب “الطريق” ـ ينادون به رباً ومسيحاً فهم يجدفون على الله وعلى الناموس ويحلَّ دمهم، وتصح فيهم كل عقوبة رادعة لإخراسهم أو لردهم للصواب.”.
ثم يوضح الكاتب “أما صورة المسيا التى يؤمن بها بولس ويترقبها كعلامة فهى ما جاء عنه “ويحل عليه روح الرب” (إش2:11) وليس اللعنة، لذلك صارت كل حجج أهل الطريق ودفاعهم مرفوضة.
كان مقتل استفانوس دافعاً لأن يفر المؤمنين خارج أورشليم، وتشتتوا فى البلاد المحيطة، لبنان وسوريا وقبرص، فكان قرار بولس ان يتعقبهم، ويلقى القبض عليهم وسوقهم موثقين إلى أورشليم، مدعوماً بخطابات توصية من رئيس الكهنة، وهم فروا من عنفه وفرط حنقه عليهم (أعمال11:26)، وعاد ليطاردهم حيث ذهبوا ويقدمهم للمحاكمة فى اورشليم، فى رحلات مكوكية.
فى واحدة من هذه الرحلات كان اللقاء الأخطر فى حياة بولس وفى مسار الكنيسة.يرصد الكاتب هذه الرحلة الأخيرة فى مسيرة اضطهاد بولس للكنيسة الوليدة، “هكذا كانت رحلة بولس إلى دمشق!
ولم يكن فى تاريخ الكنيسة ما يضارع هذه الرحلة فى أثرها الممتد عبر الدهور كلها، خرج بولس من أورشليم مبمماً شطر دمشق، محملاً بخطابات توصية لذوى الحيثية، سواء فى مجامع دمشق الكثيرة أو لدى أصحاب النفوذ فى إدارة شئون البلاد على قدر ما ملكت أيدى حنّان وقيافا وزمرتهم من نفوذ، لكى يُمنح شاول سلطات فائقة يستطيع بها أن يصنع بالمسيحيين كل ما اشتهت نفسه، والقصد أن يطفئ النيران المشتعلة فى قلوب أتباع يسوع.
ويتوقف الكاتب متأملاً هذا المشهد “لم يَدْرِ بولس أن هذه النيران ستلتهمه، والذئب الذى اصطدم بالراعى الصالح سيحوِّله إلى غنمة.
أما رؤساء الكهنة الذين ظنهم بولس سنداً وعضداً، فدارت الأيام ووقع تحت جلداتهم التسعة والثلاثين إلى ثلاث مرات، حتى تهرأ ظهره وحمل سمات الرب!!.
“يتوقف الكاتب ملياً عند حادث دمشق، والتى وثقها سفر الأعمال ثلاث مرات، مرة بقلم كاتب السفر ورفيق القديس بولس، القديس لوقا ومرتين على فم بولس الرسول نفسه، ويسعى الكاتب ليسبر غور اهتمام الوحى الإلهى بهذه الواقعة.تستحق هذه الحادثة أن يفرد لها الكاتب فصلاً وأن نعرضها فى المقال القادم.