الأحد , ديسمبر 22 2024
Wageh gerges
د. وجيه جرجس

كنيسة السيدة العذراء المندثرة أتريب “بنها”

تمثل كنيسة السيدة العذراء المندثرة بأتريب قيمة روحية وتاريخية وأثرية كبيرة في الضمير والوجدان القبطي والوطني والعالمي ؛ فهي من الناحية التاريخية تعتبر أول كنيسة أنشئت علي أسم السيدة العذراء في الوجه البحري.

وهي الكنيسة التي تذكر كتب التاريخ أنها صلت فيها والدة الشهيد العظيم مارمينا العجايبي لكي يعطيها الله نسلا كما ورد ذكرها في سيرة الشهيد العظيم ابانوب النهيسي حيث كانت ضمن أحدي محطات التعذيب التي عذب فيها القديس الشهيد.

“تقع هذه المدينة على فرع دمياط ،على بعد حوالي ٣كم شمال شرق مدينة بنها عاصمة محافظة القليوبـية ، وإن أصبحت الآن بعد الزحف العمراني مـن مجاوراتهـا ربمـا جزءا من المدينة نفسها من الناحية الشمالية الشرقية”(١)

وكان في أتريب دير للعذراء البتول يعرف بدير “ماري مريم مقاما على شط النيل بالقرب من بنها وكان يقام لها عيد سنوي يوم الحادي عشر من بؤونه كما كان بنها كرسي أسقفية وداراً لإقامة الحكام في عاصمة الإقليم أتريب والتي كان يتبعها كثير من القرى التي بلغ مائة قرية وثمانية».

(٢)كنيسة السيدة العذراء في أتريب هي ثاني كنيسة أنشئت وكرزت في مصر، وكان يـذهب إليها في كل عام بطريرك الاسكندرية ومعه جماعة كبيرة من مسيحى مصر للتبرك بهـا والصلاة ، وهي كنيسة كبيرة واسعة جدا حولها سور دائر بباب كبير ، “وبها ٢١ فدان تفصيلها : البيعة ( الكنيـسة ) ٧فـدان ، قلايـة السقف ٧ فدادين ، كروم و خضر وأنشاب ٧فدادين . ، وهـي من الكنائس المندثرة،والآن‏ ‏تهدمت‏ ‏ولم‏ ‏يبق‏ ‏هناك‏ ‏بالدير‏ ‏سوي‏ ‏ثلاثة‏ ‏رهبان‏ ‏ويوجد‏ ‏زحام‏ ‏شديد‏ ‏في‏ ‏أيام‏ ‏عيد‏ ‏العذراء‏ ‏والدير‏ ‏مشهور‏ ‏باسم‏ ‏دير‏ ‏أتريب‏”

(٣). أما عن وصف مدينة أتريب في كتابات المؤرخين فيذكرها الشابستي وأنه كان بهـا ديـر للعذراء يعرف “بدير مريم على شط النيل بقرب بنها وعيده في حادي عشر بؤونه”

(٤). و قد ذكر الشابستي أن” حمامة بيضاء تأتي في ذلك العيد ؛فتدخل المذابح ؛ولا يدرون من أين جاءت ! ولا يرونها إلي يوم مثله . وقد تلاشي أمر هذا الدير حتي لم يبق به إلا ثلاثة من الرهبان لكهنم يجتمعون في عيده ؛وهو علي شاطيء قريب من بنها العسل

(٥) وفى هذا الصدديقول علي باشا مبارك : والآن لم يبق من أطلال أتريب البحرية إلا القليل، ونقلت الأهالي ما يصلح لتسبيخ الأرض من تلولها ، ومساحة محلها قريبة من ثلاثمائة فدان ،وفي نهايتها البحرية من جهة النيل بني المرحوم عباس باشا في هذا القرن الثالث عشر قـصرا وزرع الأرض التي بينه وبين بـحر مـويس أشجارا ، ثم آلت من بعده بالشراء الشرعي إلى ورثة المرحوم سعيد باشا ومدرسة بنها

(٦) ولقد تعرضت كنيسة السيدة العذراء فى أتريب تدمير وتخريب فى عصر الملك الكامل من العائلة الأيوبية حيث أمر المغربة بهدم الكنائس من القاهرة حتى دمياط وحمل أحجارها على الجمال لترميم وتقوية حصن مدينة دمياط لمقاومة هجوم غزوالفرنجة لكن سقط حصن دمياط فى يد الفرنجة وخربها المماليك

(٧) وفى هذا الصدد تشير العديد من المصادر التاريخية إلى تـشدد بعـض الخلفـاء العباسيين مع المسيحيين كما حدث في عهد المتوكل على الله ( ٢٤٧-٢٣٣هـ/ -٨٤٨ ٨٦١م ) الـذي أمر جميع المسيحين ان بلبسوا الطيالسة العسلية وشد الزنانير وركوب السروج ، وأمر نساؤهم بلبس أزار عـسلي عنـد خـروجهم تمييزا لهم عن المسلمين ، وأمر بهدم الـبيع ( الكنائس ) وأخذ العشر من منـازلهم.

(٨). على الجانب الآخر اهتمت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالبحث والتنقيب بكنيسة‏ ‏العذراء‏ ‏مريم‏ ‏بأتريب‏-‏بنها (‏محافظة‏ ‏القليوبية‏) حيث أرسل البابا كيرلس السادس خطاباً إلى مصلحة الآثار انذاك وبعد خمسة أيام تم عقد هذه اللجنة أول جلسة لها يوم 11/ 7/ 1968م وجاء الرد بالموافقة على التنقيب يوم 28 / 8 /1968م ,

وطبقاً لهذه الموافقة أتصلت اللجنة ببعض الأعضاء بالبعثة البولندية وبدأت هذه البعثة بالتنقيب فى المكان الذى أقترحه الاستاذ باهور لبيب رئيس اللجنة .

وذهب الباحث الأثري الأستاذ ميخالوفسكى رئيس البعثة بصحبة ثلاثة من الأعضاء إلى المقر الباباوى يوم 20/ 1/ 1969م وقابلوا البابا كيرلس السادس وأعضاء اللجنة الباباوية وتم الإتفاق على أن يتعاون الفريقان فى التنقيب -بناء علي اتفاقية تعاون ثقافية بين مصر وبولندا برئاسة البروفيسر ميكالوفسكي وعضوية ستة من المعاونين بينهم الدكتورة بربارة روزيك عالمة الآثار البولندية- معاً وأرسلوا صورة من هذا ألتفاق إلى مصلحة الآثار .

بدأ تنفيذ هذا الإتفاق برياسة د/ بربارة من البعثة البولندية بحضور الأستاذ جربى قلدس الأمين المساعد بالمتحف القبطى وأرسلوا خطاباً آخر بهذا القرار.

وتم العثور على بعض الآوانى الخزفية و بقايا تيجان أعمدة رخامية وعليها طبقة من الذهب ؛وعلي أجزاء من الكرانيش المذهبة ؛وأجزاء من الرخام والأواني الفخارية ؛وبعض العملات المعدنية التي ترجع لعصر الملك قسطنطين وتم الكشف على عدة أكتاف لأعمدة الكنيسة وأساسها.

ثم توقف العمل دون معرفة الأسباب واحيط المكان بسور عال , وتعرضت اتريب للإهمال الشديد بعد ان كانت‏ ‏واحدة‏ ‏من‏ ‏العواصم‏ ‏المصرية‏ ‏القديمة‏ ‏التي‏ ‏كتب‏ ‏عنها‏ ‏مؤرخو‏ ‏العالم‏ ‏أمثال‏ ‏هيرودت‏ ‏وسترابون‏ ‏وجوتييه‏ ‏وهيفرانت‏ ‏والعالم‏ ‏بلين‏ ‏وابن‏ ‏الكندي‏ ‏الذي‏ ‏قال‏:‏

يوجد‏ ‏بمصر‏ ‏أربعة‏ ‏بلاد‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏لها‏ ‏مثيل‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏ ‏وهي‏ ‏أتريب‏ ‏وسمنود‏ ‏والفيوم‏ ‏وأنصنا‏ ‏.

ويذكر‏ ‏لنا‏ ‏تاريخ‏ ‏المجامع‏ ‏المسكونية‏ ‏أن‏ ‏أسقف‏ ‏أتريب‏ ‏حضر‏ ‏مجمع‏ ‏أفسس‏ ‏وكان‏ ‏له‏ ‏توقيع‏ ‏وإمضاء‏ ‏علي‏ ‏قراراته‏ ‏مما‏ ‏يدل‏ ‏علي‏ ‏أن‏ ‏أساقفة‏ ‏أتريب‏ ‏كان‏ ‏لهم‏ ‏حضور‏ ‏في‏ ‏المجامع‏ ‏المسكونية‏ ‏وقال‏ ‏عنها‏ ‏القاموس‏ ‏الجغرافي‏ ‏إنها‏ ‏كانت‏ ‏قاعدة‏ ‏إيبارشية‏ ‏حتي‏ ‏القرن‏ ‏الثامن‏ ‏الميلادي‏. ‏

الذكرها‏ ‏السنكسار‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏في‏ ‏سرد‏ ‏حياة‏ ‏القديس‏ ‏ديديموس‏ ‏الترشابي‏ ‏الذي‏ ‏أتي‏ ‏إلي‏ ‏مدينة‏ ‏أتريب‏ ‏واعترف‏ ‏بالسيد‏ ‏المسيح‏ (‏تحت‏ ‏يوم‏ 8 ‏توت‏) ‏وفي‏ ‏ذكر‏ ‏سيرة‏ ‏القديس‏ ‏يوليوس‏ ‏الأقفهصي‏ ‏كاتب‏ ‏سير‏ ‏الشهداء‏ (‏تحت‏ ‏يوم‏ 22 ‏توت‏) ‏أن‏ ‏القديس‏ ‏اصطحب‏ ‏معه‏ ‏أرقانيوس‏ ‏وإلي‏ ‏سمنود‏ ‏وإلي‏ ‏أتريب‏ ‏الذي‏ ‏عذب‏ ‏القديس‏ ‏يوليوس‏ ‏عذابا‏ ‏شديدا‏ ‏وفي‏ ‏سنكسار‏ 13 ‏أمشير‏ ‏مكتوب‏ ‏عن‏ ‏شهادة‏ ‏القديسين‏ ‏سرجيوس‏ ‏الأتريبي‏ ‏وأبيه‏ ‏وأمه‏ ‏وأخته‏ ‏وكثيرين‏ ‏معهم‏،الكنيسة لها أربعة أبواب وأربعة أعمدة ؛بين كل عمود وعمود أربعون ذراعا ؛وهذا يعطينا طولا لأكثر من 80 متر للكنيسة كلها ؛وكانت بجملتها مبنية من الأحجار ؛وكانت تحتوي علي ما لا يقل عن 160 عمودا ؛وكان الهيكل والمذبح

منقوشين ومزينين بالذهب والفضة ؛وكانت أيقونة العذراء مطعمة بالأحجار الكريمة ومكسوة بثوب من الحرير.

كما قام أبو المكارم بوصف الكنيسة وصفا تفصيليا في موسوعته “تاريخ الكنائس والأديرة حيث قال عنها ” كنيسة رحبة كبيرة ؛حولها سور دائر بباب درب كبير ؛وهي ثاني كنيسة أو بيعة انشئت وكرزت ب أرض مصر ؛إليها كان يتوجه بطريرك الإسكندرية ومعه جماعة كبيرة من النصاري للتبرك ؛وتقديم القربان فيها في الحادي والعشرين من يؤونة ؛ومساحتها واحد وعشرين فدانا ؛البيعة سبعة فدادين ؛وقلاية الأسقف سبعة فدادين ؛والحدائق سبعة فدانين.

(٩) وفي كتاب “ميامر وعجائب السيدة العذراء ” ورد ذكر سرد المعجزة التي حدثت في أثناء حكم الخليفه العباسي المأمون عندما أراد هدم هذه الكنيسة ؛وكلف والي مصر للقيام بهذه المهمة وعندما وصل أمام كنيسة أتريب ؛ تصدي له كاهن الكنيسة “وتوسل إليه أن لا يمس هذه الكنيسة بسؤ نظرا لقيمتها ااتاريخية والفنية ؛ ولكنه قال له هذه أوامر مولانا الخليفة أنه لا يستطيع أن يعصي له أمرا ؛فرد عليه الكاهن وطلب منه أن يمهله ثلاثة أيام فقط ؛وسوف أعطيك عن كل يوم 100 دينار ؛أي 300 دينار في الثلاثة أيام ؛ فوافق الأمير علي العرض ؛ ودخل الكاهن داخل الكنيسة ؛ وأخذ يصلي بدموع أمام أيقونة السيدة العذراء متشفعا بها أن تنقذ الكنيسة ؛ وفي اليوم الثالث ظهرت لها السيدة العذراء من أيقونتها وبشرته بوقف الهدم ؛ وعندما توجه الكاهن إلي الوالي الذي قال له

“قبل أن تدخل بقليل جاء طائر أبيض والخيمة مقفولة ؛لا أعلم كيف دخل ورمي في حجري خطاب وإذا به ممهور بإمضاء الخليفة بوقف هدم الكنيسة فورا في أتريب وأن يعود فورا إلي بغداد .

وعندما توجه الوالي الي بغداد سأل الخليفة هل هذا الخطاب منك ؟ رد وقال نعم مني ؛ فقال له وماهي قصته ؛رد الخليفة وقال “أنا في الليل رأيت رؤية ؛رأيت السيدة العذراء ببهاء وجمال شديد ؛فقالت لي كيف تجاسرت علي هدم كنيستي في أتريب ؛لا بد أن تصدر أمرا عاجلا إلي الأمير في مصر أن يوقف هدم كنيستي وسائر الكنائس الأخري ؛

ولقد تكرر الأمر في الليلة الثانية ؛وقالت له السيدة العذراء “لو لم توقف هدم الكنائس ؛سوف يصيبك ضرر عظيم ؛ ؛فقال له وأفرض أني أصدرت الأمر؛ لا بد أن تكون الكنيسة نظرا لبعد المسافة بين القاهرة وبغداد ؛ فقالت له :

أنت تكتب الآن وعندي من يبلغ رسالتك ؛وبمجرد أن كتبت الأمر ووقعته حتي خطفه من يدي طائر أبيض ؛فقال له الأمير هذا الطائر الأبيض دخل إلي الخيمة والخيمة مقفولة في ساعة مبكرة وألقي علي هذا الخطاب”

(١٠) والجدير بالذكر أن هذه الكنيسة قد أختفت في ظروف لا يعلمها أحد ؛ غير أنه يوجد تقليد قبطي قديم ورد في بعض المخطوطات أن هذه الكنيسة مطمورة تحت الأرض وأنها سوف تظهر في نهاية الأيام

أتمنى من الدولة المصرية ومن وزارة الآثار إنشاء متحف يضم جميع الآثار المتناثرة في محافظة القليوبية التنسيق مع المحافظ لتوفير مكان جاهز ومتميز لعرض كافة الآثار، مقابل تعويض المحافظة لاهالى بقطعة أرض تابعة للوزارة.

د. وجيه جرجس عضو اتحاد كتاب مصر

هوامش: .( راجع سنكسار 15 هاتور ).

١) حـسن محمـد محيـي الـدين السعدي : حكـام الأقـاليم فـي مـصر الفرعونيـة،دار المعرفـة الجامعية٢٠٠٣،م،ص٧٣.

٢) علي باشا مبارك:الخطط التوفيقية لمصر القاهرة ومدنها وبلادها القديمة والشهيرة ، الجـزء ٨، ، ص ٩٧ .

٣). الشابستي ( أبو الحسن علي بن محمد , الديارات ، تحقيق كـوركيس عـواد . بغداد ، دار المعارف ، ١٩٥١م ، ص ١٣٨ وانظر ص٢٣٨ .

٤) تقي الدين المقريزي :الخطط ، الجزء١ ، ص ٢٨٤. ٥)

تقي الدين المقريزي :تاريخ الأقباط

تحقيق د/ عبد المجيد دياب ؛ دار الفضيلة ؛ ص١٧٤ . ٦) علي باشا مبارك الخطط التوفيقية ، الجزء٨ ، ص٩٧-١٠٠ . ٧)

الشابستي : تاريخ الديارات مرجع سبق ذكره ص .١٣٩ ٨)

المقريزي : الخطط ، الجزء ٢ ، ص ٤٩٢ ٩)

أبو المكارم سعد الله بن جرجس بن مسعود:تاريخ الكنائس والأديرة،القاهرة ج ١,اعداد وتعليق الراهب صموئيل السريانى أبو المكارم يروى تاريخ كنائس تل أتريب قرب بنها – محافظة القليوبية.

١٠) الراهب سمعان السريانى : ميامر السيدة العذراء، القاهرة مكتبه دير السريان العامر

مراجعه نيافه الانبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان العامر.صص ٩٥-١٠٥.

شاهد أيضاً

مصر تخطط لتوقيع اتفاقيتين مع البحرين والإمارات لتقليص زمن الإفراج الجمركي

قال نائب وزير المالية المصري للسياسات الضريبية والمشرف على مصلحة الجمارك، شريف الكيلاني، إن مصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.