الأحد , ديسمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
ماجد سوس

بين الغاية والوسيلة

ماجد سوس

قلتها من قبل وسأقولها مرات ومرات، أن ضعف الأرثوذكسيين لا يبطل قوة الأرثوذكسية ونقاءها. بل يتعجب البعض حين أقول الأرثوذكسية الحقيقية لا تعرف الفريسية، ولا التشدد والتعصب ولا تعرف الشكليات ولا الجمود وليس بها فروض!! وتمسكها بالتقليد لم يمنعها من تطور نفسها منذ نشأتها لإنها وضعت نصب عينيها هدفين أولها أولادها في الداخل وثانيها كيف تكرس بإيمانها.

قبل أن نتحدث عن تطور الطقوس والأعياد. دعونا نتكلم عما حدث هذا العام مع عيد البشارة. لقد تم تحديد عيد البشارة في القرن الرابع وتم تحديده أن يكون قبل ولادة الرب يسوع بتسعة أشهر وهي مدة الحمل، فحسب على أنه يوم 25 أو 26 مارس.

ولأن عيد القيامة متغير فأحيانا يأتي عيد البشارة في نهاية الصوم أو في أسبوع الآلام. والعجيب كل العجب أن الكنيسة الغربية دأبت على تحريك عيد البشارة حتى لا يتعارض مع الأعياد الأخرى.

أما الكنائس الشرقية فاعتبرت أن البشارة بالخلاص لا يمكن عدم الاحتفال بها ولا يمكن تغيير ميعادها حتى لا يتم تغيير عيد الميلاد حتى إن بعض هذه الكنائس وضعت طقس أسمته طقس المزيج، تمزج فيه بين الفرح بالبشارة والمناسبة التي جاء فيها العيد.

وهنا أريد أن أشيد بما فعله قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني هذا العام مع عيد البشارة فقد أعاد الكنيسة لتسير في موكب الكنائس الشرقية الشقيقة وحرص أن يبقى الاحتفال في ميعاده قبل تسع شهور من الولادة، بهذا التصرف يكون قد حفظ للكنيسة تقليدها وليس كما ادعي غير الدارسين بغير ذلك.

نعود لكنيستنا في وعيها وتطورها. من ناحية اللغة، لم تتمسك بلغة معينة، كما يتصور البعض، فقد قامت بإدخال اللغة اليونانية في صلواتها من العصور الأولى حين كانت مصر تحت الحكم اليوناني، فكان أبونا يصلي بالقبطي ويرد الشماس بنفس كلمات الطلبة، ولكن باللغة اليوناني وهو ما يفسر لماذا يصلي الكاهن من اجل سلام العالم او من أجل البطريرك فيكرر الشماس نفي الكلام.

ولأن اليونانيين خرجوا من مصر فلم نعد نتمسك بها وعلى الشماس أن يرد باللغة التي يفها الشعب الحاضر. ثم قامت بإدخال اللغة العربية في صلواتها ولم تتمسك بالقبطية واليونانية وحين ذهبت إلى خارج البلاد أدخلت لغات أهل البلد.

الألحان والأنغام، حين أسس البابا أثناسيوس الرسولي الكنيسة في أثيوبيا في القرن الرابع أرسل لهم أول أسقف وكان اسمه الأنبا سلامة وطلب منه عدم فرض لغة أو لحن موسيقي، بل تركهم يستخدمون أنغام من تراثهم. وفي القرن العشرين وفي عهد البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث تم ترجمة القداس للكثير من اللغات حتى أن القداس في بعض دول أفريقيا يكون فيها ألحان وتصفيق يتفق وعادات مجتمعاتهم.

كما أن الكنيسة القبطية المصرية منفتحة على كل كنائس العالم وتتعجب أنها أخذت أشياء جميلة من طقوس كنائس أخرى حتى ولو كانت كنائس خلقيدونية طالما أن الأمر لا يمس العقيدة فقد أخذت بعض القطع من الكنيسة اليونانية في القرن التاسع عشر.

ومن شقيقتها كنيسة أنطاكية أخذت الكثير فنظام خورس الشمامسة أخذناه من القديس أغناطيوس النوراني السرياني بعد القرن 13 وأخذنا صلوات سرية كصلاة الحجاب في القداس الباسيلي وصلاة الصلح في القداس الكيرلسي وغيرها.

أما الكلمات السريانية فأخذت كنيستنا الكثير منهم، فكلمة “مار” التي نضعها قبل اسم القديس هي كلمة سريانية تعني”السيد”، وكامة “مارت” في كلمة مارت مريم تعني “السيدة” وكلمة “نيح” بمعنى “أراح”، وكلمة “ميمر” تعني “قصيدة” وكلمة “أشبين” وتعني “وصي أو حارس”.

أعياد الكنيسة وطقوسها تطورت كثيراً.

على سبيل المثال، كان طقس تقديم الحمل مثلا يحدث داخل الهيكل والستر مغلق ويقتصر على الكهنة وشمامسة المذبح. وبالنسبة للألحان فمثلا لحن “أجيوس أوثيئوس” أضيف بعد مجمع افسس المسكوني.

بل أن التي تسببت في تطوير اسبوع الآلام امرأة تدعى “إيجيريا” حيث كانت في زيارة إلى القدس وسجلت ما يقال في كنيسة أورشليم، وحينما عادت وصفت لنا الصلوات التي تقال هناك في اسبوع الالام ومن هنا كانت البداية لتكون قراءات الانجيل في اسبوع البصخة توافق احداث ذلك اليوم وفق الاناجيل الأربعة.

في عهد البابا غبريال الثاني البطريرك الـ 70 قام رهبان دير الانبا مقار بتنظيم صلوات اسبوع البصخة في 10 صلوات (5 نهارية و5 ليلية ). البابا كيرلس عمود الدين هو من وضع طلبة الصباح في البصخة.

وبعدها بعدة قرون وضعت طلبة المساء وكان هذا فى القرن الـ 18.

الطقس يا آبائي وإخوتي وسيلة وضعها الروح لقيادة الكنيسة نحو هدفها الأسمى.

وسيلة نحيا بها مع الله في الأرض حتى نلتقي به ونتمتع بعشرته وهذه الوسيلة قابلة للتغيير والتطوير وهو ما أراد الرب يسوع أن يفهمه لليهود، ولكنهم كان لهم أعين لا يبصرون و آذان ولا يسمعون لذا حارب تمسكهم بالحرف والشكليات وكان يتعمد أن يعمل في السبوت لينبههم أن السبت خلق للإنسان وليس العكس.

الهجوم غير المبرر على قداسة البابا ولجنة الطقوس في المجمع المقدس لأنهم أعادوا للتقليد الشرقي مكانته، أمر لا يليق ويخرج صاحبه من دائرة الروح وقيادته خاصة إن صاحب هذا الهجوم كلمات جارحة تدخلهم في دائرة الخطية التي تطفئ روح الله.

أصلي أن يحفظ الله الكنيسة المقدسة وباباها رئيس كهنتها و الإكليروس وكل الشعب، كعروس مهيأة بطقوسها الحية لعريسها.

وبين العريس والعروس قصة حب لا بناموس الطقوس والفرائض، بل بناموس الحب.

أحبائي الذين ذاقوا الحب الإلهي هم ليسوا تحت ناموس بعد

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.