ماجد سوس
كتبتها قبلا مراراً وتكراراً أن ضعف الأرثوذكسيين لا يبطل قوة الأرثوذكسية ونقاءها.
الأرثوذكسية الحقيقية لا تعرف الفريسية، ولا التشدد والتعصب ولا تعرف الشكليات ولا الجمود وليس بها فروض!! وتمسكها بالتقليد لم يمنعها منذ نشأتها بتطوير نفسها لما هو يعبر بأولادها من بحر العالم إلى شاطىء النجاة.
الكنيسة وضعت نصب أعينها هدفين.
أولهما، خلاص نفوس أولادها
وثانيها كيف تكرز بإيمانها في كل المسكونة وفي طريقها نحو هدفها لم تتمسك بالحرف ولم ترتد للتهود بل عاشت بقيادة الروح وبإستنارة آباءها هذا ما أود طرحه اليوم عن الكنيسة الواعية التي قامت بتطوير طقوسها واعيادها وقراءتها عبر التاريخ من البابا إنيانوس الأول حتى البابا تواضروس ال 118، حفظه الرب
وقد رأينا ما فعله هذا العام مع عيد البشارة المجيد .
تم تحديد عيد البشارة في القرن الرابع وتم تحديده أن يكون قبل ولادة الرب يسوع بتسعة أشهر وهي مدة الحمل، فحسب على أنه يوم 25 أو 26 مارس.
ولأن عيد القيامة متغير فأحيانا يأتي عيد البشارة في نهاية الصوم أو في أسبوع الآلام.
والعجيب كل العجب أن الكنيسة الغربية دأبت على تحريك عيد البشارة حتى لا يتعارض مع الأعياد الأخرى.
أما الكنائس الشرقية فاعتبرت أن البشارة بالخلاص لا يمكن عدم الاحتفال بها ولا يمكن تغيير ميعادها حتى لا يتم تغيير عيد الميلاد من ناحية ولأهميته من ناحية أخرى، حتى إن بعض هذه الكنائس الشرقية وضعت طقس أسمته طقس المزيج، تمزج فيه بين الفرح بالبشارة واللحن الخاص باليوم الذي أتى فيه عيد البشارة ككنيسة شرقية محافظة علينا أن نشيد بما فعله قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني ولجنة الطقوس هذا العام فبالإحتفال بعيد البشارة في ميعاده فقد أعاد الكنيسة لطريق الآباء الصحيح لتسير في موكب الكنائس الشرقية الشقيقة وليبقى الاحتفال في ميعاده قبل تسع شهور من الولادة، بهذا التصرف يكون قد حفظ للكنيسة تقليدها وليس كما ادعي غير الدارسين بغير ذلك.
نعود لكنيستنا في وعيها وتطورها عبر التاريخ.
أولاً: من ناحية اللغة، لم تتمسك بلغة معينة، كما يتصور البعض، فقد قامت بإدخال اللغة اليونانية في صلواتها من العصور الأولى حين كانت مصر تحت الحكم اليوناني، فكان الكاهن يصلي بالقبطي ويرد الشماس بنفس كلمات الطلبة، ولكن باللغة اليوناني وهو ما يفسر لنا لماذا يصلي الكاهن من اجل سلام العالم او من أجل البطريرك فيكرر الشماس نفس الكلام.
ولأن اليونانيين خرجوا من مصر يمكن للشماس أن يرد باللغة التي يفهما الشعب الحاضر.
ثم قامت بإدخال اللغة العربية في صلواتها ولم تتمسك بالقبطية واليونانية وحين ذهبت إلى خارج البلاد أدخلت لغات أهل البلد في كل ليتروجياتها .
ثانيا، الألحان والنغمات، نجد أنه حين أسس البابا أثناسيوس الرسولي الكنيسة في أثيوبيا في القرن الرابع أرسل لهم أول أسقف وكان اسمه الأنبا سلامة وطلب منه عدم فرض لغة أو لحن موسيقي، بل تركهم يستخدمون أنغام من تراثهم.
وهو ما سمح به البابا شنودة الثالث حين سام أسقفا للكرازة بأفريقيا بدأ في رسامة كهنة من أهل البلد وقد يصفق الشعب او يتمايلون في القداس حسب تقليدهم في التعبير عن صلاتهم لله.
ثالثًا ، الإنفتاح على كنائس العالم، وهنا تجد كنيستنا القبطية وقد أخذت أشياء جميلة من طقوس كنائس أخرى حتى ولو كانت كنائس خلقيدونية طالما أن الأمر لا يمس العقيدة فقد أخذت بعض القطع من الكنيسة اليونانية في القرن التاسع عشر.
أما من شقيقتها كنيسة أنطاكية فقد أخذت الكثير فنظام خورس الشمامسة أخذناه من القديس أغناطيوس النوراني السرياني بعد القرن 13 وأخذنا منهم صلوات سرية كصلاة الحجاب في القداس الباسيلي وصلاة الصلح في القداس الكيرلسي بل وأخذنا القلنسوة التي يلبسها غالبية الآباء الرهبان.
أما الكلمات السريانية فأخذت كنيستنا الكثير منها، فكلمة “مار” التي نضعها قبل اسم القديس هي كلمة سريانية تعني”السيد”، وكلمة “مارت” في كلمة مارتمريم تعني “السيدة” وكلمة “نيح” بمعنى “أراح”، وكلمة “ميمر” تعني “قصيدة” وكلمة “أشبين” وتعني “وصي أو حارس”.
رابعاً، الأعياد الكنسية والطقوس، فقد كان طقس تقديم الحمل مثلا يحدث داخل الهيكل والستر مغلق ويقتصر على الكهنة وشمامسة المذبح حتى لا يشترك فيه الموعوظين وبالنسبة للألحان فمثلا لحن “أجيوس أوثيئوس” أضيف بعد مجمع افسس المسكوني. بل أن التي تسببت في تطوير اسبوع الآلام امرأة تدعى “إيجيريا” حيث كانت في زيارة إلى القدس وسجلت ما يقال في كنيسة أورشليم، وحينما عادت وصفت لنا الصلوات التي تقال هناك في اسبوع الالام ومن هنا كانت البداية لتكون قراءات الانجيل في اسبوع البصخة توافق احداث ذلك اليوم وفق الاناجيل الأربعة.
في عهد البابا غبريال الثاني البطريرك الـ 70 قام رهبان دير الانبا مقار بتنظيم صلوات اسبوع البصخة في 10 صلوات (5 نهارية و5 ليلية ).
البابا كيرلس عمود الدين هو من وضع طلبة الصباح في البصخة. وبعدها بعدة قرون وضعت طلبة المساء وكان هذا فى القرن الـ 18.
الطقس يا آبائي وإخوتي وسيلة وضعها الروح لقيادة الكنيسة نحو هدفها الأسمى.
وسيلة نحيا بها مع الله في الأرض حتى نلتقي به ونتمتع بعشرته وهذه الوسيلة قابلة للتغيير والتطوير وهو ما أراد الرب يسوع أن يفهمه لليهود، ولكنهم كان لهم أعين ولا يبصرون وآذان ولا يسمعون لذا حار ب تمسكهم بالحرف وبالشكليات وكان يتعمد أن يعمل في السبوت لينبههم أن السبت خلق للإنسان وليس العكس.
الهجوم غير المبرر على قداسة البابا ولجنة الطقوس في المجمع المقدس لأنهم أعادوا للتقليد الشرقي مكانته، أمر لا يليق ويخرج صاحبه من دائرة الروح وقيادته خاصة إن بكل اسف كان الهجوم مصاحباً كلمات جارحة تدخل في دائرة الخطية التي تحزن قلب المسيح وتطفئ روح الله.
أصلي أن يحفظ الله الكنيسة المقدسة وباباها رئيس كهنتها والإكليروس وكل الشعب، كعروس مهيئة بطقوسها الحية لعريسها.
وبين العريس والعروس قصة حب لا بناموس الأعمال، بل بناموس الحب.
أحبائي الذين ذاقوا الحب الإلهي هم ليسوا تحت ناموس بعد.