كمال زاخر
ثلاثاء البصخة (اسبوع العبور) 12 إبريل 2023 مازلنا مع تقديم الكاتب لكتابه واقترابه من رسائل القديس بولس لتلاميذه وكنائسه، وهو هنا لا يقوم بدور الباحث الأكاديمى أو المفسر التقليدى لها، فهذا الدور احاله لباب مستقل فى كتابه هذا
أما هنا فقد استغرقته الرسائل واختطفته إلى أجواء كتابتها، ليجد نفسه يجلس بالقرب من كاتبها يتابع انفعالاته بتنوعاتها، فيصفها بأنها “تحكى لنا وتصور العلائق الحميمة التى كانت تربط هذا المبشر بكنائسه، فهى حية تنبض بالحب والحياة، وبالغضب أيضاً والوعيد والتهديد ’من يضعف وأنا لا أضعف؟
من يعثر وأنا لا ألتهب’”.ويستطرد الكاتب “وإذ نقرأ نحن هذا أيضاً فى رسائله، ندخل خلسة من خلال تدليله لقديسيه ولمحبيه أو تعنيفه للذين صدهم العدو عنه بغروره، فنعيش رسائله، بل ونعيش كنائسه، بل ونعيش أنفاسه ونتحسس دقات قلبه وبديع مشاعره”؟.
ويوجز شغفه بها فى كلمات معدودات : “الآن وبعد ألفى سنة، عندما تُقرأ رسائله فى الكنيسة، يصمت السامعون لأن بولس يتكلم !!”.
ويسهب الكاتب فى تقريظ الرسائل وعمقها وخلوها من “التأملات الناعسة”، او “الفلسفات الفارغة”، وأثرها فى هداية ملايين التائبين، التى تعد “شهادة للروح القدس الذى أمسك بروح بولس وفكره وأملاها”.
ويؤكد الكاتب استحقاق هذه الرسائل أن توضع فى موقع أعلى “فوق كل رسالة وسفر كُتب فى القديم أو الحديث لأنها نحمل أعمال المبشر بكل أسرارها ومقوماتها؛ فسداة الرسالة نصائح ووصايا ولاهوت، ولحمتها عَرَق الخدمة ودموعها مع مسرات وأفراح، يتخللها ضرب العصى وجلد السياط
مع أهوال البحر ومخاطر، والزج فى غياهب السجون فى قيود ومقاطر، ثم تنقشع الغيوم عن نجاة وشكر، ثم مرة أخرى مزيد من الأسفار، وهكذا من مدينة إلى أخرى ومن رسالة إلى رسالة، إلى أن أكمل السعى تحت سيف نيرون”.
ثم يأخذنا الكاتب إلى مقارنة ترتقى لتكون مطابقة بين المعلم ـ المسيح ـ وتلميذه ـ بولس ـ فالتلميذ يفتفى آثار معلمه: “المسيح تألم بالجسد؛ وبولس الرسول كمل نقائص شدائد المسيح فى جسده.
المسيح مات مرة فأمات الموت؛ وبولس الرسول بميتات كثيرة أكمل حياته فى المسيح.
المسيح بالنهاية رُفع فى مجد، وبولس الرسول أخيراً وُضع له اكليل البر.”الرعية عند بولس “هم رسالته المكتوبة فى قلبه …معروفة ومقروءة من جميع الناس، ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا، ، مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحى، لا فى الواح حجرية بل فى الواح قلب لحمية” (2كو3 :1 ـ 3).”يعقد الكاتب مقارنة بديعة بين بولس الرسول وبين موسى النبى فى القديم: ”
* فقد خرج بولس بالأمم من عبودية الخطية وسُخرة الشيطان على مستوى خروج اسرائيل بيد موسى من عبودية فرعون.* وفيما تهذب موسى بكل حكمة المصريين؛ تربى بولس عند رجلى غمالائيل أعظم حماء اسرائيل.
* وكما ابتدأت قصة موسى بقتل المصرى؛ ابتدأت قصة بولس بقتل استفانوس.
* وكما تغرب موسى اربعين سنة فى صحراء سيناء قبل أن يبدأ خدمته؛ تغرب بولس ايضاً ثلاث سنوات وفى العربية أيضاً قبل أن مناداته بالإنجيل.* وكما أنه بموسى ابتدأ ناموس العهد القديم؛ كذلك يرى بولس فى نفسه كفاية لخدمة ناموس المسيح والعهد الجديد:’الذى جعلنا كفاة لأن نكون خُدَّام عهد جديد’ (2كو 6:3)، ’نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله’ (2كو20:5) .
“ويعلق الكاتب قائلاً “كانت عملية الخروج تملأ وجدان القديس بولس الرسول وروحه وكل تأملاته وحتى لغته، وعلى هذا الأساس وقّع كل دائرة لاهوته على هذه الخلفية الحية فى قلبه فكشف جوهر الرمز.
فلولا بولس ولاهوته وسفر العبرانيين المنسوب إليه فكراً وروحاً، لظل العهد القديم قصة تُحكى ورمزاً يحتاج إلى مفسر”.”لقد أخرج القديس بولس إلى النور أعظم أسرار الله التى كانت مخفية فى ضباب رؤى الأنبياء … ابتداء من خروف الفصح، وخروج شعب من العبودية، وعبوره بحر الموت على القدمين … وصخرة تتابعهم تسقيهم من بطنها وخيمة من جلود وذبائح وبخور، مرة واحدة يرفع الرسول بولس الستار لنرى فى هذه الرواية المحبوكة:
المسيح فصحنا مذبوحاً، وخروجنا العتيد من عبودية الشيطان وسُخرة الخطية، وانقضاء ليل الخطية وظلامها، والعماد لموت المسيح، والارتحال تحت قيادة الروح فى الكنيسة سفينة النجاة ….”.
ويؤكد الكاتب على أن بولس الرسول سلم كنيسة الأمم سر الإنجيل الذى استلمه باعلان مباشرة من المسح وقد عرضه على الرسل القديسين اعمدة الكنيسة فاستحسنوه وأعطوه يمين الشركة، وهكذا يؤكد الرسول بولس أنه خدم وبشر بالإنجيل الواحد، انجيل الرسل، والرسولية عنده هى اساس الكنيسة، المسيح فيها حجر الزاوية.
وينبهنا الكاتب أن الكنيسة حتى اليوم لم تستوعب بعد المرتفعات التى حلق فيها القديس بولس وصورها واستودعها رسائلة ليس لضعف فيا بل بسبب العمق الذى فيه، ومن يريد أن يتعلم على رسائل بولس عليه أن يتدرب كيف يتسلق جبال انجيل الله ومرتفعات مواعيده ولا يكتفى بالانبطاح على سهول الاسفار “كلمونا بالناعمات” (أش 10:30)، فالذين تسلقوا مرتفعات بولس الرسول امتلأوا بملء الله فاستؤمنوا على منابر القيادة وهزوا قلوباً وأناروا شعوباً وأيثظوا العالم من رقاد.
دعونا نقترب ـ فى صفحات قادمة ـ من حياة هذا المعلم القديس الذى استلم الإنجيل من المسيح وقدمه لنا مشفوعاً بمذكرة تفسيرية توقعه على يومنا وحياتنا لحظة بلحظة وتقودنا لنعرف رب المجد وقوة قيامته وشركة آلامه.