بقلم / ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 28 برمهات من الشهر القبطي الموافق 6 ابريل من الشهر الميلادي بتذكار نياحة البابا بطرس السابع المعروف بالجاولي (1809- 1852 ) البطريرك رقم 109 من سلسلة باباوات الكنيسة القبطية .
ولقد ولد هذا البطريرك في قرية الجاولي بمحافظة منفلوط وسمي بأسم “منقريوس” ؛ وفي سن الشباب أشتاقت نفسه الي حياة الرهبنة ؛فذهب الي دير القديس العظيم الانبا انطونيوس بالبحر الاحمر وترهب فيه ؛ وهناك تعمق كثيرا في العلوم الكنسية الأمر الذي دعا رئيس الدير الي رسامته قسا تحت أسم القس “مرقوريوس ” ؛ فلما سمع عنه البابا مرقس الثامن البطريرك رقم 108 ؛استدعاه للخدمة معه في الكنيسة المرقسية ورسمه مطرانا عاما علي الكنيسة القبطية تحت أسم “الأنبا ثاؤفيلس” ؛فلما تنيح البابا مرقس الثامن ؛أجمع الأكليروس والشعب كله علي رسامته بطريركا خلفا للمتنيح البابا مرقس الثامن ؛ وذلك بعد 3 أيام فقط من نياحة سلفه ؛وبالفعل تمت رسامته بطريركا في 24 ديسمبر 1809 الموافق 16 كيهك 1526 للشهداء ؛؛ولقد اشتهر بالعلم الغزير فوضع عدة كتب في الدفاع عن العقيدة الارثوذكسية ذكر المرحوم توفيق اسكاروس انه وجد له في مكتبة البطريركية عدة كتب بخط يده نذكر منها “مقالات في المجادلات ” و”في الاعتقادات ردا علي المعاندين ” وله أيضا مواعظ ورسائل قصد بها هداية من انسلخوا عن كنيستهم ؛كما أهتم بتزويد المكتبة البطريركية بالكتب النفيسة ( لنا عودة تفصيليلية لهذه النقطة في نهاية المقالة ) .
ولقد أشتهر عهده بالهدوء والسلام كما شهد العديد من المواقف الوطنية والكنيسة نذكر منها :
1- تجديد كرسي النوبة بعد أن أسقط العثمانيون الحكومة الوطنية واستبدلوها بجيش من الولاة العثمانيون ؛فاعاد محمد علي كرس النوبة والسودان الي الكنيسة القبطية بعد انفصال دام 500 عاما .
2-وحدث أيضا في عصر البابا بطرس السابع ( 1809- 1852 ) ) البطريرك رقم 109 ؛والملقب بالجاولي ؛ جفاف عظيم في مصر ؛وكان ذلك عام 1550 للشهداء الموافق 1834 م ؛ فطلب الوالي محمد علي من البابا بطرس الصلاة من أجل هذا الأمر ؛فتوجه البابا مع مجموعة من الأساقفة ؛وخرج إلي شاطيء النهر ؛وأقام القداس ؛وبعد نهاية القداس قام بغسل أواني الخدمة ؛وطرح المياه مع قربانة من الحمل المبارك في النهر ؛ففاض النيل في الحال ؛ وبعد ذلك زادت مكانة البابا كثيرا عند الوالي وأزداد اعتبارا لديه .
3- وفي عصره أيضا حدث أن زار مصر مندوب عن قيصر روسيا ليعرض عليه وضع الكنيسة القبطية تحت حمايته ؛فسأله البابا : ” هذا القيصر يموت أو لا يموت ؟” ؛فرد عليه مندوب القيصر “بالطبع يموت فكل إنسان لا بد أن يموت” ؛. فرد عليه البابا بطرس “أذهب وقل لملكم أننا في حماية ملك لا يموت” .
وعندما زار مندوب القيصر الوالي محمد علي باشا (1805- 1848 ) سأله عن أكثر شيء أعجبه في مصر ؛ فرد عليه :” لم تدهشني عظمة الأهرامات ولا روعة المسلات قدر ما أدهشتني عظمة بطريرك الاقباط ” ؛ ثم روي عليه ما حدث بينه وبين البابا فأعجب الوالي جدا بموقف البابا وزاره في مقره البابوي وحياه عليه كثيرا .
4- تم في عهده رفع الصليب المقدس جهارا في جنازات الأقباط بعد حادثة استشهاد سيدهم بشاي في دمياط .
5- في عهد أيضا تمت صناعة الميرون وطبخه للمرة 24 في الكنيسة المرقسية بكلوت بك ؛ وكان ذلك عام 1820م .
6- ونختتم المواقف الوطنية بهذه القصة التي حدثت في عهد إبراهيم باشا الكبير (1789- 1848 ) وكان وقتها حاكما للقدس ؛ حيث أنكر حقيقة النور المقدس الذي يظهر في كل سنة من القبر يوم سبت النور ؛ فأرسل في طلب بطريرك الأقباط البابا بطرس السابع ؛ فذهب إلي القدس وهو لا يعلم سبب استدعائه ؛فلما حضر سأله الباشا أتعلم يابابا لماذا أستقدمتك؟ فأجاب البابا لا ؛ فقال له الباشا لكي يفيض النور علي يدك .؛ فرد البابا عليه وقال : أن النور سيفيض علي يدك أنت يا أفندينا .
وأمر أن يحتشد العسكر علي باب القبر ؛ثم دخل بطريرك الروم الارثوذكس مع البابا بطرس إلي داخل القبر المقدس ؛ وباشرا الصلاة ؛ وعندئذ خرج النور من القبر ووصل إلي خارج الكنيسة حتي شق النور أحد الأعمدة عند الباب الغربي للكنيسة ؛فأرتعب إبراهيم باشا وأخذ يردد باللغة التركية ( أمان بابا ) أي (أمنت يابابا) ومازال العمود المشقوق بالنور موجودا حتي يومنا هذا عند الباب الغربي خارج كنيسة القيامة ؛ وبه الشق وآثار النور المشتعل بالنار محفورة ومغطاة بلون أسود هو لون الحريق بالنار.
نياحته
ولقد تنيح بسلام في 6 ابريل 1852 ودفن في مقبرة البطاركة في الكنيسة المرقسية الكبري بكلوت بك .
ويذكر عنه المرحوم توفيق اسكاروس ( 1871- 1942 ) في كتابه العمدة “نوابغ الاقباط ومشاهيرهم في القرن التاسع عشر ؛ الجزء الأول ” أنه كان من أبرز صفاته انه كان محبا للقراءة والاطلاع بدرجة تفوق المبالغة ليس فقط في الكتب الدينية بل والتاريخية والأدبية أيضا ؛ وكان له جهد كبير في النسخ ؛ ويذكر أيضا أنه توجد بعض المخطوطات التي كتبها ؛ وقد ذكر منها :
1-سيرة الأب الفاضل القديس الانبا باخومويس أب الشركة طبعها اميلينو المشهور بأبحاثه في اتاريخ والآداب القبطية في كتاب ضخم كبير ؛ وجاء في ختام هذه السيرة ” وكان المهتم بتجديد هذه السيرة الجميلة الاب الجليل الكريم في جيله أبينا المحبوب الرؤوف الرحيم رئيس الأساقفة بالديار المصرية انبا بطرس السابع بعد المائة في عدد الآباء البطاركة بكرسي الاسكندرية وقداحضر نسختها من دير القديس العظيم انطونيوس المعروف بدير العربة قديما وكتبت بالقاهرة المحروسة لتكون برسم القلاية المذكورة أعلاه ذكرا حسنا .
2-عندما قام توفيق اسكاروس بفرز وتبويب الكتب بالدار البطريكية ؛ يذكر انه اطلع علي كتاب له بعنوان “مقالات في المجادلات ” و آخر في الاعتقادات ردا علي المعاندين . كما عثر له علي مواعظ ورسائل باللغة العربية تقع في 122 ورقة خط يد ؛ تشمل سبعة مقالات بيانهم كالتالي :
1-المقالة الأولي في الرد علي من يقول أن الله اعدم من طائفة القبط المقدم أمام متولي الوقف بقضائه لهم .
2-المقالة الثانية في الرد علي من يقول أننا مهملون في السعي عن سياسة أولاد بيعتنا ولسنا منتبهين مثل غيرنا .
3-المقالة الثالثة في الرد علي من يقولون أن في المسيح طبيعتين من بعد الاتحاد وخصص أحدهما للكرامة والآخر للهوان .
4-المقالة الرابعة في الرد علي من يقول أن غيرهم من الطوائف ملازمون الاعتراف وتناول القربان وطائفة القبط نادر لهم هذا الفعل .
5-المقالة الخامسة في الرد علي من يقول ان القبط عدموا المساعدة من باريهم وصارت خطاياهم مشهورة .
6- المقالة السادسة في من يميل لغير اعتقادته لاجل المجد الباطل رغبة منه للففخة الجسدانية وميلا لمحبة الفضة .
7-المقالة السابعة نوح من الأب البطريرك علي تعدي الغير بالأقوال الكاذبة . كما وجد كتاب آخر تحت رقم ( 106 ) “مواعظ وتعاليم ” عربي خط يد انبا بطرس أحد الرهبان الانطوني عربي خط يد فاعله نقله من الخط الجرشوني الي العربي الانبا بطرس البطريرك 109 والناسخ حنا سليمان وكان الفراغ منه في 2 النسيء 1580 قبطية .
( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 83- 85 ) .
كما ذكر أن من بين جهوده جمع أفضل الكتب من الأديرة واوجدها لديه ليبدأ بالمطالعة بهذا الكتاب ؛ ويؤكد أن المكتبة الدار البطريركية أساسها هو اجتهاده الشخصي في جمع الكتب ؛ وذلك كما يظهر من الاطلاع علي قائمة الكتب الكتب المحفوظة بالدار البطريكية ( يمكنكم مراجعة كل ما يتعلق بالبابا بطرس الجاولي في المرجع السابق ذكره ؛ الصفحات من 58- 131 ) .
كما تذكر المؤرخة الكبيرة إيريس حبيب المصري ( 1910- 1994 ) أن جزء من المخطوطات التي جمعها هذا الأب الدؤوب علي البحث وأودعها المكتبة البابوية جزء من مخطوطة هي معجم الألفاظ الطبية ؛ وإلي جانبها مخطوطة ترجع أصلا إلي القرن الخامس عشر ورتبها وأضاف غليه ست ورقات : ثلاثا في أولها وثلاثا في آخرها –الشماس اثناسيوس خادم كرسي أبو تيج وتتضمن القراءات المختارة من العهدين القديم والجديد من 12 – 30 بؤونة ثم لشهور أبيب ومسري والنسيء .
( قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء الرابع ؛ الصفحات من 273- 274 ) .ويجمل الراهب أثناسيوس المقاري كتابات البابا بطرس السابع فيما يلي :
1-مجموعة المقالات السبع :- وتشمل 7 مقالات دفاعية ؛ للرد علي الاتهامات الموجهة إلي الأقباط ؛ فيما يخص الضلال وإهمال الحياة الدينية .
2-مجموعة العظات السبع لمقاومة ضعف الأخلاق والسرقة وشرب الخمر والمشاجرات والفساد والرشوة ؛ ثم الحض علي التوبة .
3-مجموعة الرسائل السبعة ؛ وهي رسائل إيجابية ؛ تحث علي الفضيلة .
4-يذكر القس منسي يوحنا ( 1899- 1930 ) كتابا آخر بعنوان ” الاعتقادات ” ؛ ويهدف إلي مقاومة الإرساليات .
5-رسالة رعوية بمناسبة تنصيبه للانبا أبرآم الذي رسمه أسقفا علي منفلوط ؛ قام بنشره “توفيق إسكاروس ” .
6-اعتراف الابمان صاغه البطريرك الأنبا بطرس درج في كتاب الأمانة ( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- الراهب أثناسيوس المقاري :
تاريخ كتابات آباء كنيسة اسكندرية – الكتابات العربية ؛ الصفحات من 920- 923 . ويذكر الدكتور القس باسيلوس صبحي جهوده في تأسيس المدرسة الإكليركية ؛ خلال عام 1840 ؛ حيث قدمت البرامج التعليمية للبابا بطرس ؛ ولكن لم يشرع البناء في المؤسسة إلا اعتبارا من فبراير 1840 ؛ حيث قدمت البرامج التعليمية للبابا بطرس ؛ ولكن لم يشرع البناء في المدرسة إلا بعد ثلاث سنوات من الحوارات مع الرتب الكنسية القبطية والتعدبلات المتكررة ؛ ولقد اجريت تعديلات كثيرة علي الخطة ؛ وبنهاية عام 1843 قام البابا بطرس السابع برسامة ثلاثة من الطلبة شمامسة وضمهم ضمن مصاف الشمامسة الذين يشتركون في القداسات بالكاتدرائية مع قداسته ؛ وكانوا يدرسون ( قواعد اللغة القبطية –قواعد الترجمة من الإنجليزية إلي العربية – الهندسة – الجغرافيا – الفسيويولوجيا – الفلك – تفاسير الكتاب المقدس بناء علي قواعد نحوية وتاريخية وذلك لكي يحصل الطالب علي رؤية واضحة كيف يستطيع شرح الكتاب المقدس دون الوقوع في أخطاء . ( القس باسيلوس صبحي :- الكلية الإكليركية في 125 عاما ؛ الصفحات من 103- 105 ) .
وتذكر إيريس حبيب المصري ؛ أن للبابا بطرس السابع جهودا كبيرة في الحفاظ علي ممتلكات الكنيسة ؛ ومن الأدلة علي ذلك صورة حجة خاصة بدمياط تاريخها 1849 م مختومة بختم القاضي محمد حسن قاضي ثغر دمياط وهي : ” حضر للمجلس القس حنا ولد يوسف ابراهيم الناظر علي وقف فقراء كنيسة القبط بالثغر من قبل بطريرك الأقباط المدعو بطرس ” ( إيريس حبيب المصري :- نفس المرجع السابق ؛ صفحة 287 ) .
ويذكر التاريخ أن العالم الفرنسي الشهير “أوجست مارييت ” ( 1821- 1881 ) جاء إلي مصر ؛ وطلب مقابلة البابا بطرس ؛ وعرض عليه شراء بعض المخطوطات القبطية ؛ وكان ذلك خلال عام 1850 ؛ ولكن البابا رفض العرض ؛ كما زار مصر خلال نفس الفترة ؛ العالم البريطاني البريطاني هنري تاتام Henry Tattam ( 1788- 1868 ) قد تقابل معه خلال الفترة التي قام بها بزيارة مصر من ( 1838- 1839 ) وحصل علي مجموعة من البرديات القبطية والسريانية ؛ قام بوضع جزء منها في مكتبة المتحف البريطاني ؛ وجزء آخر في مكتبة جون ريلاندز John Rylands Library .
وحول قصة اكتشاف رفاته وتجديد مقبرته ؛ يذكر موقع تاريخ أقباط مصر أنه خلال عام 2000 ؛ وخلال عملية تجديد مقبرة البطاركة ؛ عثر علي رفاته المقدسة مع رفات البابا مرقس الثامن ( 1769- 1809 ) والقديس الانبا صرابامون أبو طرحة ( ؟- 1853 م ) ورفات قديس أو مطران آخر لم يتمكنوا من التعرف عليه ؛ ولقد كانت هذه الرفات في غرفة كبيرة شرق الهيكل القبلي للكنيسة المرقسية الكبري … وتم رفع الرقات المقدسة وعمل مزار يليق بهم يليق بمكانتهم الرفيعة .
ولقد قام المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث ( 1923- 2012 ) بافتتاح المزار الجديد وتدشينه في يوم 15 سبتمبر 2000 .
وفي عشية يوم 6 ابريل 2001 ؛ قام نيافة الحبر الجليل الأنبا رافائيل أسقف عام كنائس وسط البلد بعمل تمجيد للقديسين ؛ وصار هذا اليوم تذكارا سنويا وهو نفس اليوم الذي يقع فيه تذكار القديسين البابا بطرس السابع والانبا صرابامون أبو طرحة .