اليوم 20 مارس 2023 رحلت عن دنيا عائلة عبد المجيد شقيقتي الكبرى نبيلة؛ ولم يختطفها الموت، لكنه أخذها على مهل، وأوجعها بعدة أمراض مع الشيخوخة، فكان كلما ظننا أن الموت كتب على الشاشة الفضية لحياتها كلمة النهاية، صاح فينا بأنه لم ينته بعد من مهمته؛ فيأتيها بوجع جديد.
أول وفاة في أبناء عبد المجيد في مشهد مؤلم ينتزع الدموع من القلب قبل العين، فيتمنى محبوها، أو من بقي حيّاً من محبيها، صعود روحها، لكن صاحب الأمر والنهي، جل شأنه، لم يأذن قبل اليوم فتمنيات البشر تتصادم مع رغبات القدر.
هي الأخت الكبرى لأربعة، وكانت رحمها الله تعيش للآخرين قبل نفسها.
كانت إسكندرانية حتى النخاع.
تتناول في شبابها إفطارها من حلقة السمك في الأنفوشي، وتعرفها كل سمكة وهي قادمة إليها من السيّالة فتعرف مصيرها، مشوية أو مقلية.
كانت مصممة أزياء، خاصة فساتين العرائس وفساتين الأطفال.
كان والدنا، رحمه الله، فخورا جدا بها، فإذا جاء أحد العيدين طلب منها فستانا أنيقا لطفلة في عائلة يعرفها، فإذا كانت أعياداً مسيحية، وأخص منها اليونانيين، تُسعده بتصميم فستان لطفلة خوجاية فتحسدها الأمهات في الكنيسة، فقد كانت معروفة أنها ابنة عبد المجيد الذي يعتبر أعياد المسيحيين عيداً له.
في صغري كنت أنا الذي يقوم بتوصيل الفساتين وتنفحني جنيها كاملا فكنت أقوم بهذا العمل عن طيب خاطر وسعادة غامرة.
الشهر الأخير من حياتها كان الموت يعاندها، فلا يتركها تستريح به، ولا يتركها تستريح من الدنيا التي تنفستها 83 عاما، فهي التي كانت في عشريناتها ترى العالم من خلال مجلات الأزياء، حتى أن مجلة (الجيل) نشرت صورة لعينيها في الخمسينيات، وهي لم تكن قد بلغت العشرين من عُمرها.
كانت رومانتيكية؛ ففهم زوجها الأول أنها نقطة ضعفها، وكانت كريمة فكانت تنفق على بيتهما؛ فظهرت نقطة ضعفها الثانية.
وكانت تريد زوجا شبيها بعبده الحامولي، فأكملت وسامتُه بؤسَها، ولما توفاه الله ظلتْ وفية لذكراه، ولم تنتزع اسمه من باب السكن حتى وهي على ذمة زوج ثان، توفاه الله أيضا.
لم تنجب من الزيجتين، فوضعت كل مشاعر الأمومة في ابن وابنة أختها، فأغرقتهما بكرمها، خاصة أنها طوال حياتها كانت تربح كثيرا من تصميم الأزياء.
كانت دموع نبيلة تنساب لأي مشهد رومانتيكي، وجعلت مطرب العائلة المفضل فريد الأطرش، فهو صاحب أنهار الدموع التي لا تتوقف.
كان أصدقائي يعتبرونها الأخت الكبرى لكل منهم، ومثلها الأعلى في الدنيا كان والدنا، رحمهما الله.
قاومت الزمن في شبابها، فانتقم منها الزمن في شيخوختها، حتى أخذ منها كل شيء وأبقى لها الروح تصعد إلى بارئها صعود السلحفاة؛ فاستغرقت وفاتها شهرا أو يزيد، وكل يوم كان كأنه الأخير.
شقيقتي نبيلة حالة حب مع الدنيا كلها، لكن الدنيا لم تبادلها المحبة في كل الأوقات، فقابيل لم ينتحر ندما على أخيه هابيل وظل يتربص بمن تحب فيدفعه بعيداً.
اندفعت روحها اليوم صاعدة إلى بارئها بعدما أنهكت الجسد العليل ردحا من الوقت.
اليُتم ليس فقط فقدان الأب والأم، لكنه أيضا فقدان صديق الطفولة، وفقدان الأخت الكبرى.
حوارات من بقي من الاخوة عن من رحل منهم مشهد حزين، تلهث الذكريات خلفه فلا تلحق به.
رحم الله شقيقتي نبيلة عبد المجيد، وأسكنها فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسُن أولئك رفيقا.
أنا واحد من ملايين المهاجرين والمغتربين الذين لا يستطيعون مصاحبة حفار القبور في وطنه الأم بُعيد طبع قُبلة على جبين من نحب قبل نزول الجسد و..صعود الروح.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عزيزى طائر الشمال..أنا من المواظبين على قراءة ما تكنبه أينما كانت ..ومن أعماق قلبى أقدم لكم خالص تعزياتى …أشعر بمرارتك فى فقدان شقيقتكم الغاليه …نعم انسانه بهذه المواصفات تستحق الرثاء والزعل عليها لكن ما باليد حيله ..كلنا لها وهكذا حال الدنيا . خالص تعزياتى . أحييكم على قلمك الرشيق والشيق .