محمود العلايلى
في محاضرة بجامعة القاهرة بعنوان «الوسطية والخطاب الدينى بين الثابت والمتغير»، صرح الدكتور «شوقى علام»، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بأن دار الإفتاء لجأت للمتخصصين عند إصدار الفتوى الخاصة بالتعامل بالعملة المشفرة «بيتكوين»،
حيث استعانت بعدد من الخبراء وأهل الاختصاص وعلماء الاقتصاد في عدة اجتماعات للتوصل لحقيقة هذه المسألة ومدى تأثيرها على الاقتصاد، وانتهت الدار إلى أنه لا يجوز شرعًا تداول العملة لعدم اعتبارها وسيطًا مقبولًا من الجهات المختصة، ولما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش.
انتهى كلام د. علام.والحقيقة أن المسألة يتصاعد بسببها أكثر من تعليق، أولها ما صدّره فضيلة المفتى من الاستعانة بالعلماء والمتخصصين قبل إصدار فتوى دينية في شأن غير دينى، وهو ما يأخذنا إلى طبقة أخرى من التساؤل، ألم يكن من الأجدر أن تتنحى دار الإفتاء عن الخوض في ذلك الأمر بداعى عدم ارتباط ذلك بالأمور الدينية، أم أن ذلك الرد غير وارد بدلًا من دخول الهيئة في أي مجال وإحالته للصبغة الدينية طالما تداخلت فيه؟
أما التعليق الآخر الذي نطرحه فهو أن الهيئة في تصريح فضيلة المفتى لم توضح رأى العلماء والمتخصصين، بل طرحت النهايات بأحكام قيمية لا تتضمن أسبابًا موضوعية للفتوى، وهو ما يجعلنا نُصعّد من تساؤلاتنا حول موقف الدولة من هذه النوعية من الفتاوى، وإن كانت الأبحاث الاقتصادية والقانونية قد تجيز التعامل بتلك العملة وما شابهها من العملات يومًا ما، كما هو معمول به في كثير من دول العالم المتقدمة اقتصاديًا دون أن تكون هناك تلك التخوفات التي استندت عليها دار الإفتاء، وصدرت في أول التصريح عبارة «لا يجوز شرعًا».
إن المسألة لا يعنى بها موضوع البيتكوين ومدى جدواه الاقتصادية أو خطورة تداول تلك العملة، بقدر ما يهمنا تدخل دار الإفتاء في تلك الشؤون ذات الأبعاد الاقتصادية والمالية وانعكاسات ذلك السياسية وتأثيرها على مناخ الاستثمار وتوصيل رسائل معينة لمجتمع المال والاستثمار، والأهم هو إغلاق الباب أمام مؤسسات الدولة المالية والاقتصادية في حالة ما إذا حدث تغيير في السياسات أو استحداث أشكال مبتكرة من وسائل التداول والمدفوعات!.
إن عمل دار الإفتاء بالرد على مئات الألوف من الأسئلة الواردة لها، والتى تحمل طابعًا دينيًا في مجالات الأحوال الشخصية والمواريث وأحكام العبادات لا يعنى بالضرورة أن تكون الهيئة مجبرة على الإدلاء بما وصفته بالرأى الشرعى فيما تختص به وما لا تختص، حتى وإن استعانت بمن سمتهم الخبراء والمتخصصين،
البيتكوين البيتكوين البيتكوين
لأن ذلك يدفعنا في الواقع لأن نتعجب إن كان ذلك دورًا تلعبه دار الإفتاء في هذا الصدد، فما هو الدور الذي من الواجب أن تقوم به وزارة المالية أو البرلمان فيما يخص تقنين التعامل في مثل هذه العملات من عدمه، خاصة أن ذلك التصريح قد خرج من فضيلة المفتى في ندوة بجامعة القاهرة.
إن ترتيب الأوراق وتحديد الأدوار التي ينبغى لكل مؤسسة القيام بها واجب أصيل للدولة، لأن بعثرة الأوراق وخلط الأدوار يؤديان حتمًا إلى ما لا نرتجيه من نتائج، لأن ذلك يثير الارتباك بين الرأى الشرعى والرأى المالى أو الاقتصادى، والأهم أن دخول الدين في تلك المجالات قد يثير التشكك في الآراء الدينية نتيجة تعرض تلك الآراء للانتقادات الفنية التي قد تُثبت خطأها أو تضع تلك الفتاوى الشرعية في محك الصواب والخطأ
إذا أثبتت التجربة العملية خطأها، مما يدفعنا لأن نطلب من المؤسسة المعنية أن تخرج علينا برأى اقتصادى معتمد بالمرجعيات العلمية أو الأسباب السياسية، سواء كان ذلك إيجابًا مع التداول أو سلبًا مع منع ذلك.