الإثنين , ديسمبر 23 2024
مختار محمود

مختار محمود يكتب: الحرام الطيب والحلال البغيض!

لا أدري إن كان “عباس كامل” كاتب سيناريو وحوار فيلم “إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين” الذي أنتجته السينما المصرية في العام 1958 طالع سيرة شاعر الهجاء العربي الأشهر “الفرزدق” قبل كتابة الفيلم أم لا، حيث تورط الأخير في موقف مشابه تمامًا وقع فيه أحد أبطال الفيلم الممثل الراحل عبد الفتاح القصري.

في الفيلم المذكور، تعلَّق قلب “القصرى” براقصة صغيرة مثيرة، وأراد مُصاحبتها، وعندما علمت زوجته في الفيلم “زينات صدقى“، تسللتْ إلى غرفة الراقصة في الكباريه، بالاتفاق معها طبعًا، وتقمصتْ شخصيتها، وتحدثتْ مع العاشق الولهان من وراء “البارافان”، ودار بينهما حوار ساخر ضاحك.

ومن بين العبارات التي رددها “القصرى” بطريقته التلقائية المتفردة عندما سألته عن زوجته:

“بصراحة قبلك ما حبيتش، إنتى البريمو، إنما الجواز كاس، مكتوب على كل الناس، وأنا بختى كان إسود مهبب بعيد عنك”.

وعندما مَدَّتْ الزوجة المتنكرة أصابعها في دلال مُتصنَّع، تلقفها الزوج المخدوع مشدوهًا مُرددًا بصوته الاستثنائي:

“يا لهوتى على الصوابع اللى زى صوابع الموز”! وعندما مدَّت ذراعها العارية تلقفها بيديه قائلًا:” يا خرابي على الدراعات اللى زى اللُّمَض النايلو، متتعبيش نفسك، الكهربا عملت كونتكت”،

وفي هذه اللحظة.. خرجت له بكامل هيئتها، ليبدو مصدومًا منزعجًا وظل يردد: “حى..الإسعاف جاى”.

ورغم ذكائه ومكره إلا إن “الفرزدق” الذي عاش بين عامي 641 م- 728م تورط في موقف مشابه ، عندما واعد امرأة، فتمنَّعتْ في البداية، فلما هدَّدها بأنه سوف يهجوها بلسانه البتار، ليتحاكى بسيرتها الركبان، ويجعل فضيحتها بجلاجل، أظهرت له الموافقة، وقالت له: “أنا أتيك في مكان كذا وكذا.. ولكني امرأة أستحي، فلا تُشعِلنَّ سِراجًا ولا تُحدِّثني”،

فوعدها بأن يفعل. ولما أقبل الليل وذهب “الفرزدق” إلى المكان الموعود، ذهبتْ المرأة إلى زوجته “النوَّار”، وأخبرتها بالقصة، وقالت لها: “اذهبي أنتِ إليه”، فذهبت زوجته من فورها إليه، ثم دخلت عليه في الدار المُظلمة، ولما انتهى منها، وقضى منها وطرًا.. قالت له: يا فلان أما عرفتني؟! أنا فلانة زوجتك، فقال لها: أعوذ بالله.. ما أطيبكِ حرامًا، وأبغضكِ حلالًا! لا شكَّ في أنَّ الموقفين متطابقان تمامًا التطابق. ولا شك أن عبارة: “حىِّ.. الإسعاف جاى”، التي قالها “القصرى” تشبه في دلالتها، ما قاله “الفرزدق”: “ما أطيبك حرامًا، وأبغضك حلالًا”.

وكما أن “القصري” كان مبهورًا بأصابع وذراعى زوجته التي يعيش معها منذ سنوات طويلة؛ إذ كان ابنتهما مخطوبة، قبل أن تُروِّعه بوجهها، فإنَّ “الفرزدق” ضاجع زوجته في الظلام- حسب الاتفاق- باعتبارها امرأة أخرى، ولما علم أنها زوجته قال لها كلمته المشهورة التي صارت مثلًا: “ما أطيبك حرامًا، وأبغضك حلالاً”!

ولا شك أن الحرام لا يكون طيبًا، والحلال لا يكون بغيضًا إلا عند مَن سَفه نفسه، وغير الأسوياء الذين تدفعهم نفوسهم اللاهية الأمَّارة بالسوء دفعًا إلى اقتراف ما نهى الله عنه، والتجرؤ على أوامره والتمرد على نواهيه.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.