الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
السعودية
جمال عبد الناصر والملك سعود

لماذا قرر مجلس عائلة “آل سعود” خلع الملك “

حمادة إمام

بعد فشل محاولة اغتيال عبد الناصر يوم إعلان الوحدة عام 58″مساء يوم الجمعة 7 مارس 1958ساد وجوم ثقيل مجلس الملك السعودي، في قصر الناصرية. وبدا أمراء آل سعود وكأنّ على رؤوسهم الطير.

وحاول الملك أن يلطّف شيئاً من كآبة الموقف، وجهامة وجوه زوّاره، فأخذ يسألهم الواحد تلو الآخر: «وش حالك يا فلان؟»، فيرد: «بخير، يا طويل العمر».

حتى إذا وصل الملك سعود إلى عمه عبد الله، أجابه عميد الأسرة السعودية، وقد انفجر غيظه: «أحوالنا خرا!».

ارتبك الجميع، وهم يسمعون تلك الكلمة توجّه إلى صاحب الجلالة، وامتقع وجه الملك سعود.

وحاول الشيخ يوسف ياسين، وجمال الحسيني، وهما مستشارا الملك يومئذ، أن يتدخلا ليهدّئا من روع الرجل الجليل في العائلة المالكة السعودية.

فنَهرَهما عبد الله، وهو يرتعش من الانفعال. ثم قام من مكانه، واتجه نحو ابن أخيه، وقال له : «انتا وين رايح بآل سعود؟!».

ولم يدع الأمير للملك الذاهل فرصة للإجابة، فأكمل مزمجراً: «للحضيض! للأرض الحضيض! لجهنم والله!».

قال الأمير كلماته، ثم نفض بيده طرف عباءته، وانصرف من المكان عابساً، وسط ذهول الحاضرين.

وعبّرت الكلمات الغليظة التي تفوّه بها الأمير عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود تعبيراً قاسياً عن أخطر أزمة عائلية شقّت صفوف الأسرة الحاكمة في تاريخها الحديث.

وكانت تلك الأزمة قد تفجرت بعد افتضاح المؤامرة التى دبّرها الملك سعود لإطاحة الجمهورية العربية المتحدة، وانكشاف خططه لاغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عبر تفجير طائرته في الجو.

ولعل غضبة أمراء الأسرة الحاكمة لم تكن بسبب خطيئة الملك، واشتراكه المباشر في ارتكاب جريمة، بل كان حنقهم بسبب إدارته البائسة للعملية، وتخطيطه الأخرق لها.

فلقد سُحِبت أمواله حتى آخر فلس، ثم كشفت رشوته وشيكاته، أمام العالم أجمع، وقُبض على أزلامه وأعوانه ووسطائه.

فأضحى سعود أضحوكة، وأمست سمعة آل سعود في الوحل، بعدما خاب تدبيرهم، وانكشف إجرامهم

وفي الرياض، كان وقع الاتهامات مزلزل.

كانت المملكة، في عهد سعود، تشهد أحلك أيامها: خزينة مفلسة بسبب المصاريف المفرطة، وسياسة متخبطة لم تبقِ لها على صديق، وأسرة حاكمة مفككة بسبب استئثار الملك بسلطة مطلقة، وتحيّزه لأبنائه على حساب إخوانه، وسمعة مشبوهة تلوكها الألسن وتمضغها الأفواه.

وكان أمراء آل سعود يكادون يتميّزون من الغيظ.

وسأل الأمير طلال عن أخيه الملك، فقيل له إنه موجود في قصره بالمدينة المنورة.

وكلّم طلال أخاه، عبر الهاتف، وسأله إن كان قد سمع اتهامات عبد الناصر له، وما تعليقه على ذلك؟! فأجابه سعود بأن لا ينزعج، وأن يأتي إليه.

واستقل طلال طائرة، وجاء إلى قصر أخيه في المدينة.

ويروي طلال كيف دخل على الملك في مجلسه، فوجد عنده أعيان المدينة، وبينهم نائب أميرها عبد الله السديري.

وسأل سعود جلسائه قائلاً: «ترى أهل المدينة صدّقوا اللي قالوه عنّا الحاسدين؟!».

وصمت الجميع، وكان صمتهم أبلغ من كلامهم.

وأحسّ طلال بالوجيعة من هذا الحال الذي وصل إليه آل سعود، فخاطب أخاه الأكبر، قائلاً له: «بالله يا طويل العمر بيّض وجوهنا.

لو تركنا اللي ينقال من غير ردّ، سوّدت الفضيحة وجوهنا.

واحنا خمسة آلاف من آل سعود، وين نروح بوجوهنا؟!».

وتمتم سعود قائلاً: «أبشر! أبشر! ما يخالف. ما يصير إلا الخير».

في الغد عاد سعود إلى الرياض، فلقي من عمه عبد الله ذلك التوبيخ الذي لم يسمعه منه قبل ذلك أبداً.

واكتأب سعود، فاعتكف في قصره، لا يخرج منه، ولا يُدخل عليه أحد.

ثم إنّ الملك السعودي اغتاظ، وحزّ في نفسه كيف انقلب حاله.

وأمر حرّاسه أن يأتوا له بمدير «البنك العربي» في الرياض مقيّداً في الحديد.

فجاؤوا بالسيد مصباح كنعان من مقر عمله، بعد أن كبّلوه وأهانوه أمام موظفيه وعملائه.

ووقف المصرفي المسكين، وهو يرتعش من الخوف أمام «طويل العمر».

شهد تلك الواقعة الغريبة محمد سرور الصبان وزير المالية السعودي.

وكان الملك يصيح حانقاً: «كيف تعطون شيكات للسرّاج، تتاخذ دليل ضدنا.

المفروض ما تعطوه الصكوك».

وردّ كنعان قائلاً أنه لم يفعل سوى ما أَمره به الديوان الملكي، ولديه توقيعان من وزير المالية الصبان، ومن رئيس مؤسسة النقد السعودي معتوق حسنين يأذنان فيه بتحويل المبلغ المذكور.

أهتزاز السوق المالية السعودية

ولم تعجب سعود هذه الإجابة، فأمر بحبس الرجل، وإغلاق فروع بنكه في المملكة كلها.

واهتزت السوق المالية السعودية من هذا التصرف الأهوج.

وأخذ كبار الأمراء يسحبون أموالهم من بعض المصارف، وتبعهم عامة الناس.

وأغلقت الفروع البنكية أبوابها أمام الزبائن، فتحولت مطالبات المواطنين بسحب أموالهم إلى ما يشبه التظاهرات.

فجأة هبطت قيمة العملة السعودية هبوطاً مدوياً، في ظرف أيام قليلة، من 3.75 ريال مقابل الدولار الواحد، إلى 6.5 ريال.

وأصبح المشهد السعودي كله كئيباً! في قصر الأمير طلال المعروف بـ«الفخرية» اجتمعت مجموعة من أمراء آل سعود كانوا تسعة أمراء: عبد الله، وعبد المحسن، ومشعل، ومتعب، وطلال، ومشاري، وبدر، وفواز، ونواف.

وقرّروا أن يطلبوا من أخيهم الأكبر فيصل بن عبد العزيز تولّي الحكم بدلاً من سعود.

ثم إنّ هذه المجموعة سريعاً ما قويت شوكتها، بعد مساندة العم عبد الله بن عبد الرحمن لها، ومعه السديريون الذين يتزعمهم فهد.

والشقيقان محمد وخالد.

لكنّ المعضلة تمثلت في إقناع ولي العهد نفسه بأن يمسك بمقاليد المملكة.

كان فيصل رجلاً مريضاً، وكان يعاني من أمراض كثيرة، ولقد عاد من أميركا قبل شهور قليلة، بعد أن عولج في أحد مستشفيات نيويورك من سرطان غير خبيث في معدته.

وتحوّل «الرجل ذي السحنة الكئيبة» إلى رجل نافر من الحكم.

فلما عرض عليه أن يكون ملكاً بدلاً من أخيه تمنّع.

بيد أنه بعد أن رأى إجماع إخوته عليه، قبل المهمة، مشترطاً أن يظلّ سعود ملكاً صورياً لكي لا يحدث عزله انشقاقاً في وحدة الأسرة المالكة، وأن توكل كل سلطات الحكم الفعلية له وحده.

ليلة 24 ماري 1958

في ليلة 24 / مارس 1958، وكانت إحدى ليالي رمضان، جاء آل سعود إلى أخيهم يحملون إليه نبأ نزع سلطاته، وإبقائه صورة بلا وظيفة.

غضب سعود، وقال لهم إنه ليس ملكة بريطانيا. وأجابه محمد ذو الشرّين: «أحسن لك تقبل باللي عرضناه عليك، بدل نخلعك من المُلك كله». ساد الصمت المجلس.

وجال سعود بعينيه في وجوه عمه وإخوته، فلم ير منهم إلا نفوراً منه.

أطرق برأسه، ثم قام من مقعده، وتمتم قائلاً إنه يوافق على نقل صلاحياته إلى فيصل.

وكان ذلك اعترافاً منه بنهايته.

الكاتب الصحفى حمادة إمام

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.