جمال عبد الرحيم
بمناسبة مرور 82 سنة على إنشاء نقابة الصحفيين في 31 مارس عام 1941
انشر سلسلة حلقات عن المحطات التاريخية لنقابتنا العريقة وعمالقة العمل النقابي منذ الإنشاء وحتى الآن
حافظ محمود
يحتاج الي مجلدات للحديث عن تاريخة الوطني والنقابي والصحفي والأدبي..شغل منصب نقيب الصحفيين عدة دورات ومنصب وكيل وسكرتير عام النقابة عدة مرات أخري بل انتخب 26 مرة عضوا بمجلس النقابة
كما كان وراء طرد القوات البريطانية من أرض نقابة الصحفيين التي شيد عليها مبني النقابة الحالي
ولد حافظ محمود في 12 يونيو 1907 بمدينة القاهرة.. التحق بمدرسة أم عباس الابتدائية بعد اجتياز الاختبارات بنجاح ، وقررت اداره المدرسة الحاقه بالصف الثاني دون المرور بالصف الأول
التحق بكلية الاداب وحصل علي الليسانس بتفوق منذ شبابه ، وحافظ محمود عضوا في جماعات الجهاد ضد المحتل البريطاني ، وشارك كثيراً في حمل السلاح ضد الغزاة بل أنه استغل حفل زواجه من أجل تهريب قطعه سلاح
لم يستطع زملائه في الجهاد إخراجها من الحي بسبب تشدد المراقبة في ذاك الوقت آبان الحرب العالمية الثانية.
وذات مرة طاردته رصاصات الإنجليز ، وأصيب برصاصة في ساقه إلا أنه استمر في العدو وافلت منهم.
مبني النقابة في عام 1948
وبينما العمل جارياً في تشييد مبني نقابه الصحفيين عسكرت الجيوش البريطانية في أرض المقر مما أوقف عملية البناء والتشييد مما سبب إحباطاً للصحفيين ، وهنا قام حافظ محمود بارسال خطاب عاجل إلى ملك بريطانيا ورئيس وزرائها يطالبهم بإخلاء القوات البريطانية من أرض نقابة الصحفيين.
توقع العديد من الصحفيين وعلى راسهم فكري اباظة أن تكون نهاية حافظ محمود في تلك الخطوه
إلا ان المفاجأة التي زلزلت الوسط الصحفي وقتها هي استجابه القيادة البريطانية لطلب حافظ محمود وبالفعل خرجت القوات البريطانية من مقر النقابه بجره قلم من حافظ محمود ، واستمر البناء إلى أن افتتح المقر في الموعد المحدد.
موقف مؤثر لحافظ محمود
من بين المواقف المؤثرة التي لم ينساها الجيل القديم لحافظ محمود أنه كان يقضي نصف الوقت المخصص له كرئيس تحرير جريدة السياسة اليومية ، ثم يذهب إلى أرض النقابة لكي يقوم بنفسه بحمل الطوب والرمل مع البناة من اجل بناء مقر النقابة فكان حين يقول يوما لقد بنيت تلك النقابة علي يدي فكان يقصد القول لفظا وفعلا.
24 سنة رئيس تحرير
من عجائب الأقدار أن حافظ محمود لم يكن أصغر رئيس تحرير فقط بل كان أطول من تولي هذا المنصب أيضا إذ تولي رئاسه تحرير ست صحف في فترات متباعده بلغت مجمعه لمده 24 عاما منها قرابه العشرون عاما متواصله:
رئيس تحرير جريده الصرخه (1933 – 1934)، رئيس تحرير جريده السياسة الاسبوعية (1938 – 1952).
رئيس تحرير جريده السياسة اليومية (1944 – 1952)، رئيس مجلس ادارتها ، ورئيس تحرير جريده القاهرة المسائيه (1953 – 1959)، رئيس تحرير جريده الجمهورية (1962 – 1963)، رئيس مجلس ادارتها ، ورئيس تحرير جريده الصحافة الشهريه
تأسيس نقابة الصحفيين
لعب حافظ محمود دوراً أساسيا في تاسيس نقابة الصحفيين، في صباح 31 مارس 1941 ، وكانت مكافاة أن عُين عضوا في مجلس النقابة في المجلس المؤقت لها لحين انتخاب مجلس جديد حينما تأسست النقابة بدء صراع من نوع اخر داخل النقابة نفسها إذ أراد اصحاب الصحف السيطرة علي ميزانية ومجلس إدارة النقابة ، ومنصب النقيب أيضا وتجلى الأمر بوضوح في أول جلسه للمجلس المؤقت الذي تولى إداره النقابة لحين اجراء الانتخابات فقد تم اختيار كلا من حافظ محمود ، ومصطفى أمين كممثلين للصحفيين الشبان، وفي هذا الاجتماع قال جبرائيل تقلا صاحب ورئيس تحرير جريدة الأهرام التي عقد في مبناها القديم أول اجتماع لمجلس النقابة المؤقت:
“قانون المعاشات يطبق بعد عشر سنوات (!!)
فنهض حافظ محمود يدافع عن حقوق الصحفيين كعادته قائلا: “هذا ظلم، كيف يعيش الصحفيين طوال العشر سنوات القادمة؟ ” وهنا نهض فارس نمر صاحب ورئيس تحرير جريده المقطم ثم جذب حافظ محمود من الجرافتة قائلا: “عندنا قرشين للعيال بدك تخدهم؟” فابتسم حافظ محمود قائلا: “وهل اخذت شيئا منك يا باشا؟!”.
وهكذا انقسم الصحفيين في أول الامر إلى اصحاب صحف ومحررين.. الجناح الأول قاده الصحفيين الشوام (السوريين) الذين سيطروا على الصحافة المصرية منذ سبعينات القرن التاسع عشر إلى اربعينات القرن العشرين والجناح الاخر قاده حافظ محمود ولم يكن معه أي فرد وقف كما وقف هو ضد الصحفيين الشوام إلا انه وإحقاقاً للحق فإن العديد من أصحاب الصحف تضامنوا مع جناح حافظ محمود وحقوق المحررين ، فقام حافظ محمود بعقد اجتماع عاجل مع هذه الفئة من الصحفيين ، وقرر ترشيح محمود أبو الفتح صاحب ورئيس تحرير جريدة المصري الموالية للوفد في منصب نقيب الصحفيين كما تقرر ترشيح مرشحين من المحررين لكافه المناصب.
كانت المفاجأة أن جناح حافظ محمود كان يمثل الأغلبيه التي رفضت في أول جمعية عمومية أن يقوم جبرائيل تقلا حتى بتقديم اوراق ترشيحه لمنصب النقيب وبالفعل تراجع تقلا باشا أمام رغبه جحافل الصحفيين وأصبح محمود أبو الفتح بالتزكية أول نقيب للصحفيين ، اما حافظ محمود فقد تم انتخابه كأول وكيل عام للنقابة والمحررين.
ويجزم كافه أساتذه ومؤرخي الصحافة أن حافظ محمود بما فعله في الفترة من مارس – ديسمبر 1941 كان أول انقلاب في الصحافة المصرية.. انقلاباً خلصها من سيطره الصحفيين الأجانب (الشوام) وجعل مصائرها في يد الصحفيين المصريين ونظرا لأن الحدث كان جليلا فان العديد من الصحفيين حتى المغمور منهم حاول نسب قيادة الانقلاب الصحفي إلى نفسه إلا ان كتب التاريخ وأمانة المؤرخين تحفظ لحافظ محمود حقه.كان المجلس ينتخب مره كل عام في ديسمبر ثم تطور الامر في نهايه الستينات ومطلع السبعينات الي كل عامين، وقد انتخب حافظ محمود عضوا في مجلس النقابه 26 دوره متتالية وهو رقم قياسي باعتراف اتحاد الصحفين العالمي
ولم يكن حافظ محمود مجرد عضوا بل تولي العديد من المناصب داخل المجلس:ممثل الصحفين الشباب (1941).وكيل عام النقابه لمده 21 دوره انتخابيه متتالية (1941 – 1964).سكرتير عام النقابه لمده 13 دوره متتالية (1942 – 1954).نقيب الصحفيين لمده 4 دورات متتالية (1964 – 1967).عضو مجلس النقابه لمده 26 دوره متتالية (1941 – 1967).صاحب البطاقة رقم واحد بالنقابة وفاة حافظ محمودرغم وفاته في سن التسعين إلا ان حافظ محمود ظل حتى اليوم الأخير لوفاته متمتعاً بكامل قواه وصحته العقلية والنفسية والبدنية وكان حاضر الذهن والذاكرة بطريقة أدهشت الجميع فظل يكتب تاريخ مصر بمقال أسبوعي في جريدة الجمهورية منذ عام 1967 تحت اسم ذكريات حافظ محمود
كما يكتب مقالاً اسبوعيا آخر بنفس الجريدة يوم الاثنين منذ عام 1960 إلى جانب مقالا بجريدة المساء يوم السبت، وكان يقطن بحي جاردن سيتي فيصمم على الذهاب سيراً على الأقدام من منزله إلى دار التحرير في شارع رمسيس على سبيل الرياضة، فلم يتكبر يوما ولم تعميه الشهرة ولم يغريه تاريخه وظل متواضعاً حتى مع ابسط الناس فلا يري احدا أو وينهض ليصافحه ولا يتحدث مع أحد إلا بصوته الدافئ الهادي ذو الرنة الموسيقية وضحكة الباشوات التي لا تفارقه
وفاة حافظ محمود
توفي حافظ محمود في 26 ديسمبر 1996 وخرجت الجنازة من بيته.. ” نقابه الصحفيين ” تنفيذا لوصيته صباح الجمعة 27 ديسمبر 1996 وكم كانت المفارقة ان جدران النقابة الشابة التي بناها بنفسه والتي اختلطت رمالها بعرقه كانت متصدعة بسبب البدء في ازاله المبني القديم وبناء آخر حديث فكانت الجدران الشابة الضاحكه التي راته يوما ما في اوج مجده هي ذاتها الجدران الباكية المحطمة التي تشهد جنازته
سار نعش الشيخ محمولا على اعناق شباب الصحفيين من مبني النقابه حتى مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير فاذا بجموع المواطنين ينضمون في هدوء وسكون إلى جنازة القلم، جنازة المجاهد والسياسي والاديب معاً.
رحم الله حافظ محمود