الأحد , ديسمبر 22 2024
د. وجيه جرجس
مسرحية

نقد النقد خطاً موازيًا للإبداع الفنى يصحّح مساره و يبّين أخطاءه .

أن مفهوم ( نقد النقد) هو من المفاهيم التي مازالت تعاني الغموض والالتباس خاصه الخاصه بالرؤيه النقديه للنصوص المسرحيه، ومعرفة منهجية النقد: معرفة طبيعة الممارسة النقدية آلياتها، مـبادئها، غاياتها من هذا التعريف المبسط نستنج انه قراءة المنهج والآليات العلميه والفنيه.

فمفهوم ( نقد النقد) هو فن اكاديمي لدراسة الأعمال الأدبية , دراسة تقوم على التحليل والشرح والتفسير و لتذوقها تذوق صحيح, والحكم لها أو عليها بموضوعية وإنصاف ويختلف النقاد و متذوقو الأدب في نظرتهم للأعمال الأدبية وحكمهم عليها بإختلاف الأسس التي يعتمدون عليها في نقدهم ,والقواعد التي يتبعونها في إصدار الأحكام النقديه معرفة طبيعة الممارسة النقدية آلياتها، مبادئها، غاياتها للاسف الشديد نجد ان الخطاب النقدي غائبا لأسباب كثيرة منها عدم تقبّل كثير من الكتاب المسرحيين والنقاد لنقد النقد، كما لا يوجد تراكم معرفي في هذا الجانب فنلمس مبررات دراميه واهيه وحجه وتاويل واسقاطات سياسه واقتصادية مفتعله واغفال التركيز علي تناول اخطاء الكتابة المسرحيه الفتيات والرؤي لمكانه الكاتب او الاصطدام معه وسياسه المحاباه وتدخل العلاقات الشخصيه، ويمكن أن نضيف سببا اخر أنه حتى هذه اللحظة لا توجد أصوات مؤثرة فى مجتمعنا المصرى تطالب بالنقد المسرحي لا أفراد ولا اتجاهات ولا هيئات ولا جمعيات ولا دعم مالي للمجلات الادبيه المسرحيه.

بل اجتهادات افراد لا مؤسسات و يعدّ الاشتغال على نقد النقد المسرحي مجالا معرفيّا بكرا في الخطاب النّقدي العربي المعاصر، يكشف ويغرى اخطاء في الرؤيا و فنيات الكتابه المسرحيه فلا يكون خطاب نقدى هزيل يبرر ولا يفند يحلل بدون منهجيه وبعيد كل البعد عن فحوى النقد المسرحي امثله فلقد رأى توفيق الحكيم فى الأسطورة الإغريقية ما يتعارض مع عقيدته الاسلامية فحاول التخلص من الإطار الأسطورى الذى انحصر فيه غيره من الكتاب السابقين ، وذلك بأن يجرد أوديب من العظمة الإلهية كما فى الأسطورة القديمة وكذلك معالجة سوفوكليس فالحكيم يعلن أنه أختار مسرحية أوديب لأنه تأملها فأبصر فيها شيئا لم يخطر على بال سوفوكليس

أبصر صراعا ليس فقط بين الإنسان والقدر ، كما رأى الإغريق ومن جاء بعدهم .. بل أبصر صراعا بين الواقع وبين الحقيقة فالواقع قد اسقط من أوديب الحقيقة المرة للاسف الشديد “أوديب” يتزوج أمه كيف ؟ لم ينجح الحكيم في الموائمة بين عقيدته الإسلامية وبين رؤيته للأسطورة القديمة يحاول أن يغريها علي استمرار العيش معه !

عاشقاً متيماً يصر علي أن يطارحها الحب .

نجد المبررات الدراميه للنقاد ومقاصد المؤلف بان تلك رموز فكرية لينتقد الأوضاع السياسية “الملك أوديب” هو الملك المصري ألعوبة رجال القصر الغارق في الآثام حتى أذنيه و”ترسياس” الداهية رمز لإحدى مستشاري الملك لا يسمع في الحقيقة إلا صوت إرادته لقد أفلتت هذه الشخصية من يد الحكيم فلم يستطيع أن يزيل التناقض الذى أوقعها فيه تعد مأساة أوديب للكاتب على أحمد باكثير المعالجة العربية الثانية من منظور الثقافة الإسلامية بعد معالجة الحكيم

فنحن نجد فى الصفحات الأولى من المسرحية وعلى وجه التحديد فى صفحة التقديم ما يمهد لتلك المعانى الإسلامية التى صاغ من خلالها باكثير معالجته والتى يلخصها فى الآية الكريمة “ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ، أنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون” بهذا الآية أراد باكثير التخلص من الأطار الأسطورى الوثنى الذى يتعارض مع طبيعة عقيدته الإسلامية ، لذلك نجده يجرد القدر من تلك الأهمية الجوهرية له فى الاسطورة اليونانية ولا يجعل النبوءة تلعب دوراً محورياً فى مجريات الأحداث مثلما فعل سوفوكليس قديما ، بل يجعلها باكثير مؤامرة بشرية مخطط لها ، يختلقها كبير الكهان لوكسياس ، فنراه يتحكم فى سير الأحداث من بدايتها إلى نهايته, نجد جوكاستا الإنثى الحريصة على إستمرار حياتها وسعادتها مع زوجها أوديب بأى ثمن كما نجد حرص باكثير على إظهار صغر سنها فى أكثر من موضع هذا التناقض أبعد الشخصية عن أن تكون شخصية تراجيديه وأختلط أمرها دون أن يكون لديها وضوح يذكر ونلمس نفس الاخطاء والمبررات المقحمه عل النص كأمثال “قيس إبن الملوح” لأمير الشعراء “أحمد شوقى قيس بن الملوح” وحبه “لليلي” .

د. وجيه جرجس

صحيح من أروع صور هذا الحب العذري الذي اشتهر بوادي نجد والحجاز أيام العصر الأموي واعتمد المؤلف علي أهم الروايات من كتاب الأغاني “للأصبهاني” ، لقد حفلت المسرحية بالمواقف الدرامية والغنائية الجيدة والمناجيات والشكيات والتأملات دون أن يخل بالبناء الفني للمسرحية أو إقحام الغنائي عليها كما حدث في مسرحية

“كليوباترا” ولكن يؤخذ علي المسرحية اعتماد المؤلف علي بعض الحكايات الغريبة الغير معقولة .

وهناك شواهد و مواقف درامية من المسرحية حكايات كثرة إغمائه وإفاقته تضعف شخصيته في كثير من الأحيان وهناك بعض الشخصيات تتصرف تصرفات مخالفة للعرف الاجتماعي فشخصية “ورد” في المسرحية وهو زوج ” ليلي ” يتيح لقاء قيس وإختلاؤه بها في بيت الزوجية وهذا غير مألوف في مجتمعنا الشرقى.

يتشدق بعض النقاد ان قصد المؤلف الإشادة بنبل العرب وسماحتهم سماحة منه ورحمة بالمجنون وهذا غير مقبول فى الرؤية الفكرية والمعالجه الفنية .

وفي مسرحية “العباسة” للكاتب “عزيز أباظة” فكرة جيدة توضح أخطاء الحكام السياسية والأسرية لكن لم توضح من يستحق العطف أو من يستحق السخط فالكاتب لا يريد أن يتخذ هو نفسه أي موقف كما أن هناك مشاهد متعددة حول الأمور التافهة حول الأمور التي لا تدخل في صميم البناء الدرامي لمسرحيته ثم يكتفي في المواقف الحاسمة بتلميحات بعيدة مما يبلبل الفكر ويهشم السياق لقد ترتب علي عدم تحديد الفترات الزمنية التي تفصل بين الفصل الأول والثاني والثالث إلي بلبلة المتلقي ، لقد أوقع القاريء في حالة حيرة شديدة إزاء إنجاب الطفل ، فالذي نعلمه من المسرحية

فالذي نعلمه من المسرحية إن الاتصال بين “العباس” وبين “جعفر” قد تم في نهاية الفصل الأول ثم سافر “جعفر” بعد ذلك مباشرة للحرب ولم ترد “العباسة” بعد ذلك إلا عندما رجع من الحرب.

ولكن المؤلف ينسي ذلك فينطق “جعفر” بكلام يدل علي معرفة سابقة بطفله ، معرفة تقوم علي الرؤية والألفة وسماع نطقه كما يتضح من حوار “العباسة”معه أنه كبر وأصبح يعي من الأشياء الكثير ورغم ان مسرحية وشخصية الثائر “الحلاج” للمؤلف “صلاح عبد الصبور”بها مقاطع غنائية ومنولوجات بديعة .

لكن هناك مقاطع غنائية طويلة تسيء للحوار والحركة الدرامية .

حينما يقف “الشبلي” باحثاً عن أسباب الفقر والاستعباد في أكثر من صفحتين ، ويتحدث “الحلاج” عن خلق الله للإنسان علي مدار ثلاث صفحات ، ثم يتحدث في خمس صفحات عن شخصيته وتصوفه فالمبرر الدرامي “لصلاح عبد الصبور” الثورة علي نظام الشطرين والقافية الموحدة للخروج بالشعر من الاتجاه الغنائي إلي الاتجاه الدرامي أما الصراع الدرامي ذهني فاتر لم يرسم المؤلف شخصيته وطبائعه.

عندما يقدم “الحارس” علي ضرب الحلاج بسوطه نجد “الحلاج” مبتسماً فيتعذب”الحارس” بدلاً من أن يتعذب “الحلاج” .

وايضا”الأيدي الناعمة” “لتوفيق الحكيم” مسرحية اجتماعية سياسية هادفة بالفعل تدعو إلي للعمل بشرف واجتهاد للقضاء علي البطالة بالوراثة نلمس خلل فى فنيات الكتابه رغم ان هدف المؤلف نبيل وفكرة جيدة وحوار رائع.

لكن يؤخذ عليه تصويره “لبائع البسبوسة” المتحمس للعمل الجاد بكل صوره الشريفة وفي نفس الوقت يترجى” البرنس” في البحث عن وظيفة لأبنائه كنوع من الوساطة وهذا يخالف قيم هذا الكادح … نجد المبررات الدراميه ومقاصد المؤلف حاضرة بمعني كان غرض المؤلف إظهار مفاسد قد تعود عليها الناس قبل الثورة وما زالت مستمرة بعد الثورة .

على نفس النهج المبررات الدراميه للنقاد المقحمه غير الاكاديميه ومقاصد المؤلف انظر الحسين ثائراً وشهيداً” للكاتب المتميز عبد الرحمن الشرقاوي النص جيد ولكن طغيان الروح الغنائية علي روح الدراما فكثير من المقاطع أطول مما ينبغي التي يتحدث فيها “الحسين” عن عذاباته وأشواق روحه .

Wageh gerges
د. وجيه جرجس

صحيح أنه شاعر لكن كان عليه أن يتذكر دائماً أنه كاتب مسرحي أما شخصياته فالشخصيات تتحدث أكثر مما تتحرك فالحديث الذي يستغرق خمس صفحات علي لسان” الحسين” في بداية المنظر الرابع فالمبررات الدراميه للنقاد حاضرة و واداء واستدعاء مقاصد المؤلف واجبه فهذه المسرحية كتبها بعد هزيمة يونيو 1967م كمحاولة لتحدي عوامل اليأس والهزيمة، فالحسين نموذج ورمز للتضحية لمقاومة نفس المزاعم والاخطاء في الكتابه النقديه مسرحيته الناس في “طيبة” “فإيزيس” شخصية أسطورية عظيمة لكن المؤلف قام بتكذيب الأسطورة !

هنا لا أحجر علي رؤيته الفنية ولكنه قام بتكذيب الأسطورة وجعل “إيزيس” متحايلة ومتآمرة تبتدع الأساطير والأكاذيب ! الخلل والخطوره هنا تتمثل في ان “إيزيس” لديها هالة الاحترام والصدق الأسطوري الراسخ في عقل ووجدان المتلقي كان عليه (المؤلف) أن يبدع مواقف وشخصيات اجتماعية تبرز مواقف وتصرفات إيزيس .

فمصطلح نقد النقدالمسرحي لابد من أن يحمل فلسفة مغايرة للنقد بمعنى هي قراءة مخصوصة فهو ينتقد ما تضمنته القراءة النقدية المنتجة، وفي الوقت نفسه ينتج قـراءة نقدية مغايرة وصادقه أو كاشفه صادمه نقد النقد ليس مقالة عابرة ولا وجهه نظر شخصيه مجله او في جلسة نقدية وإنما اتجاه نقدي متكامل يقوم به عدد كبير من النقاد المتخصصين أو الممارسين للعملية المسرحية بمختلف المدارس وعلى اسس نقديه ومنهجيه بصرف النظر عن مكانه وشهرة ونفوذ الكاتب او الناقد اذن نقد النقد خطا موازيًا للإبداع، فهو الذي يصحّح مساره وهو الذي يبّين أخطاءه وهو الذي يضع المبدعين الكتاب والنقاد في أماكنهم الطبيعية، والبعض لا يتحمس له ولا يحتفي به لأنه سيعيد ترتيب المنهجيه الممارسة النقدية آلياتها، مـبادئها في الدراسه و اعادة دراسه الرؤيه الفكريه والمعالجه الفنيه المسرحيه من جديد بحس فني اكاديمي.

د. وجيه جرجس كاتب وناقد ادبي مسرحي

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.