كمال زاخر
السبت : 14 يناير 2023ـ
أمران أو قل قضيتان الأولى ترتبط بحقوق اسقف الإيبارشية، فيما ترتبط الثانية بمسولياته، وكلاهما يقع فى دائرة عمله الإدارى، وقد لفت نظرى الي القضية الأولى خطاب صادر عن بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وهى كنيسة شقيقة ضمن العائلة الارثوذكسية الشرقية، المتفقة معنا فى العقيدة والإيمان.
وتتعلق باستقالة اسقف ايبارشية لأسباب صحية وقد بلغ من الكبر عتياً، أما الثانية فقد نبهنى اليها كاهن قبطى فى واحدة من ايبارشيات الصعيد، اثناء حوارنا حول ذلك الخطاب، حول مد حق التقاعد لبقية درجات الإكليروس؛ القمص والقس والشماس المكرس، وكان رأيه الذى اوجزه فى كلمات قليلة “إذا تقاعد الأسقف فله بيته؛ قلايته فى الدير الذى ترهبن فيه، حيث يتوفر له الاقامة والاعاشة والغطاء الطبى
أما الكاهن (القمص والقس المدنى) فمن يدبر له معيشته والتزاماته الحياتية له ولأسرته، خاصة وهو فى سن يفتح الباب على مصراعيه لأمراض الشيخوخة لتقتحمه وتكلفة مواجهتها باهظة، فيما تقلصت موارده واختزلت الى ما تقرره الكنيسة من معاش، يكاد يقترب مما تمنحه لطابور اخوة الرب الممتد.دعونا نقرأ معاً خطاب الأب البطريرك:
بطريركية انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، 27 / 12 / 2023بنعمة الله إغناطيوس أفرام الثانى؛ بطريرك انطاكية وسائر المشرق، الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية فى العالم.نهدى البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى حضرات أبنائنا الروحيين الكهنة والشمامسة، ورئيس وأعاء مجلس الأبرشية ورؤساء وأعضاء مجالس الكنائس والجمعيات وسائر أفراد شعبنا السريانى المبارك فى أبرشية السويد والدول الاسكندنافية العامرة.
نكتب إليكم لإعلامكم أننا تسلمنا من أخينا صاحب النيافة مار يوليوس عبد الأحد شابو، مطران السويد والدول الاسكندنافية الجزيل الاحترام، بتاريخ 19 كانون الأول (ديسمبر) 2022، فيها يعلمنا بقراره بالتقاعد من خدمة هذه الأبرشية بسبب وضعه الصحى.
فيما قبلنا تقاعد نيافته والتى يسرى مفعولها بتاريخ الأول من شباط (فبراير) 2023، نثمن عالياً جهوده فى خدمة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بشكل عام، وأبرشية السويد والدول الاسكندنافية بشكل خاص خلال السنوات الماضية، ونصلى أن يمد الله بعمره ويكلله بالصحة والعافية.كما نعلمكم أننا سنقوم بأخذ الإجراءات اللازمة فى حينه، وذلك بحسب ما تقتضيه مواد دستور كنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة.
ختاماً يطيب لنا أن نهنئكم بمناسبة عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح بالجسد ورأس السنة، سائلين الله أن تكون هذه المناسبات سبب فرح وبركات لكم جميعاً.هذا ما اقتضى، والنعمة معكم.
وفى سياق تقاعد الأسقف فى الكنائس الرسولية التقليدية يحضر أمامنا واقعة استقالة الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية البابا بندكت السادس عشر (11 فبراير 2013)، ورحيله بسلام عن عالمنا محتفظاً بلقبه وكهنوته فى 31 ديسمبر 2022
وهو أمر شهدته الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر سواء على مستوى الأب البطريرك، الكاردينال انطونيوس نجيب (استقالته: 2013، نياحته 28 مارس 2022)، أو الآباء الأساقفة، وكان أخرهم الأنبا كيرلس وليم مطران اسيوط، نوفمبر 2021، والذى صرح فى احاديث صحفية أن قوانين الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة أتاحت للمطران عند بلوغ سن الـ75 عامًا أو لظروفه الصحية أن يتقدم بطلب تخلّي عن مهامه”. [قانون210 من مجموعة قوانين الكنائس (الكاثوليكية) الشرقية].
فيما لا تقبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية استقالة أو تقاعد الأسقف، تأسيساً على ما يروج أن العلاقة بين الأسقف وايبارشيته بمثابة زواج لا تنفصم عراه حتى وفاته، وهو تأويل لا يستند إلى مرجعية قانونية، بل إلى إراء أو مقولات تراثية أحادية فى سياقات مختلفة، ويصطدم بما تؤكده الكنيسة فى تقليدها الصحيح أنها هى “عروس” تُهيأ لعريسها الذى فداها واشتراها بدمه، ولا يستساغ أو تقبل أن تقترن بغيره، وما الإكليروس إلا خدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص
وقد شهدت الكنيسة قبل سنوات وفى حبرية البابا البطريرك الراحل الأنبا شنودة وقائع استقالة وإقالة اساقفة إحيل بعضهم للأديرة، فيما هام بعضهم على وجوههم بل وأقيم بدلاً منهم، فى الحالين، أساقفة على ايبارشياتهم.!!.
الربط القسرى بين الأب الأسقف وايبارشيته وأبدية موقعه السيادى كان ضمن توجه اعادة رسم الصورة الذهنية له عند الرعية، فيخرج من دائرة الخادم لها إلى فضاء السيادة المتسع، وقد انعكس هذا على رؤية طيف متنام من الأساقفة لأنفسهم، أنهم فوق النقد وفوق التوجيه وفوق المراجعة
وبنوا العلاقة بينهم وبين رعيتهم على السيادة والصلف وأوغلوا فى استخدام المنشار الكبير بحسب توصيف أباء الكنيسة الأوائل ونصوص وقوانينها التى تحذره من استخدامة، ويشيرون به إلى قرارات القطع من الجماعة (الكنيسة) والحرمان من الشركة، لمن لا يروق لهم
وفى غياب الضوابط التى وضعتها الكنيسة وتحتشد بها قوانينها.غياب القواعد الحاكمة لإختيار وإقامة الأسقف بحسب الإنجيل وبحسب الخبرات المتراكمة للكنيسة، افسح المجال لتقدم أهل الثقة على اصحاب الخبرات الروحية والتدبيرية، وتزامن مع معاناة الجماعة القبطية الإجتماعية والسياسية، بفعل نمو نفوذ وحراك الجماعات المتطرفة بامتداد قرن من الزمان، والذى بدأ مع افول الطور النظامى الأخير من دولة الخلافة، والمعروف بالدولة العثمانية التى أعلن سقوطها، 1923، لتتقلص فى تركيا، لتوصف بأنها رجل أوروبا المريض
وما جماعة الإخوان المسلمين (1928) إلا واحدة من ابرز مساعى ترجمة إحياء حلم الخلافة على الأرض، بدعم من القوى العظمى آنذاك، وبدعم من الأنظمة السياسية القائمة وقتها أو التى جاءت فيما بعد
وكان ذروة الدعم والتحالف مع قدوم الرئيس السادات الباحث عن قاعدة شعبية فى مواجهة الوهج الناصرى، وفى لحظة مأزومة منكسرة، وتفاقم الوضع مع نظام الرئيس مبارك، إذ تنجح جماعة الإخوان فى حصد 36 مقعداً فى برلمان 1987،
ويقفز العدد إلى 88 مقعد فى برلمان 2005، بتوافقات تترك للجماعة ـ كرأس حربة لتيار الإسلام السياسى ـ التوغل فى الشارع المصرى فى مقابل دعمها لبقاء واستقرار النظام الحاكم.
ولعل هذا ما ادار به النظام علاقته بالكنيسة والأقباط، بحسب رؤية الدكتور ميلاد حنا الذى اوجزها فى قوله “اختزل النظام الأقباط فى الكنيسة، واختزل الكنيسة فى الإكليروس
واختزل الإكليروس فى البابا”. كانت الذهنية فى ادارة الأمرين واحدة، اطلاق يد القيادة الكنسية فى ادارة الشارع القبطى فى مقابل دعمها لبقاء واستقرار النظام الحاكم.
لكن تنامى الطموحات السياسية عند الجماعة وعند القيادة الكنسية، بدرجات تتناسب مع كلاهما ومع سقف الطموحات المحكوم به حراكهما وقدراتهما على الأرض، انتهى إلى الصدام بين اطراف التوافقات.
وجد التراجع الثقافى والمعرفى والإبداعى الذى ضرب المجتمع بجملته مع بدايات الثمانينيات من القرن العشرين، وربما قبلها، وجد طريقه الى الأديرة والرهبنة، فمن يقصدهما تكونت ذهنيته ومنظومته الفكرية فى ذاك المناخ، ويمكننا أن نشير إلى تغير النظرة الجيلية للأديرة ـ وقتها وللآن ـ بأنها أماكن آمنة، تضمن ما يفتقر إليه المجتمع خارجها، وقد يحالف قاصدها الحظ فيجد طريقه إلى مواقع اكليروسية متقدمة
إن نجح فى أن يلفت النظر إلى ولاءه وخضوعه، وبعضهم لم يكن بحاجة لهذا فهو قصد الدير بتوجيه مباشر من اصحاب قرار الإختيار، ولم يمكث طويلاً بين جدران الدير، وحتى لو طالت أيامه داخله، فلن يجد للتلمذة أثراً، ولا للتكوين الآبائى وجوداً.
وهو ما يفسر لنا ما يحدث فى اروقة الكنيسة من ارتباك معرفى وتعليمى وصدامات اجنحة المعلمين.أما القضية الثانية والمتعلقة بما أثاره صديقى الكاهن (الإيغومانس) بشأن تقاعد الكهنة من دون الأسقف وضمانات توفير حياة كريمة لائقة بهم، بعد التقاعد، فنحيله الى مقال تال، يتناول ما تم فيه بشأن سريان التأمين الإجتماعى عليهم، وهو ما نشرته جريدة الوقائع المصرية في عددها رقم 97 الصادر في 27 أبريل 2020، بخصوص “قرار الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي رقم 101 لسنة 2020
بشأن سريان التأمين الاجتماعي على أصحاب الأعمال ومن فى حكمهم على القساوسة والشمامسة المكرسين ،على أن يسري عليهم الأمر اعتبارا من أول يناير 2020، وهو الموعد الذي بدأ فيه تنفيذ القانون رقم 148 لسنة 2019.