بقلم د.محمد أبو بكر حميد
أعجب للذين يتعاملون مع الحياة والناس بالعنف والقوة والاكراه؛ لأنهم يعتقدون أنهم دائماً على حق، وأن رأيهم لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه، لا لشيء إلا لأنهم يظنون أنهم قد ملكوا ناصية العلم والدِّين وأن من ينادي برأي غير رأيهم ضال وفاسد وربما كافر، فالناس جميعاً سيذهبون إلى النار ماداموا على طرف نقيض
معهم أو على الأقل ماداموا لا يؤيدون ما ينادون به أو يفعلون فعلهم. لهذا فإن هذا النوع من الناس
لا يرى إلا العنف وسيلة للتفاهم والقوة وسيلة للتعبير لأنهم حقيقة يعجزون عن الحوار، وكيف يحاورون
من يعتقدون أنه ضدهم ما دام اختلف معهم في الرأي، وفي هذا فإن مثلهم مثل الشيوعيين
الذين كانوا يعملون بشعار «إن لم تكن معي فأنت ضدي» وإن كان الذين نعنيهم من المسلمين.
والمؤسف أنَّ هذا النوع من البشر الذي يحاور بالقوة يحاور بأضعف الوسائل، فالقوة منطق ضعف
كما هو معروف، ولا يلجأ إليها إلا الضعيف الذي لا يملك المقدرة على الحوار ولا يثق بإمكانيته
على إقناع الآخرين برأيه.
لذلك فإن الذين يلجأون للقوة في فرض آرائهم على الآخرين «إرهابيون»، والإرهاب
في أبسط معانيه فرْضُ «الرأي» أو «الإرادة» على الغير بالقوة المدمِّرة
سواء دمَّرت هذه القوة إرادةً أخرى أو إنساناً آخر أو دولة أخرى.
أبشع أنواع الإرهاب الاعتداء على الآمنين والمحايدين والذين لا حول لهم ولا قوة من الأبرياء.
وهذا أمر لا يتفق مع دين أو منطق أو عقل لأن الدين يتفق مع ما تمليه وتستجيب له الفطرة السليمة.
* وأمر ديننا باللِّين ولم يملّ رسول اللَّه أن يكرِّر على أصحابه «ما دخل اللِّين في شيء إلا زانه»
«بشِّروا ولا تنفِّروا ويسِّروا ولا تعسِّروا» «إني بُعثت بالحنيفية السمحاء».
وفي ديننا عشرات الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد هذه الفكرة، فكرة أن الإسلام دين السلام والأمن والإسلام حضارة الاستقرار.
وقد بدأ هذا الدين في مكة المكرمة بإعطاء الأمان لمن لزم داره يوم الفتح وهو موقف كريم وقفه رسول اللَّه من الذين اختلفوا معه وناصبوه العداء وحاربوه.
ولقد عاش رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – في مكة عشر سنوات يدعو إلى دينه ويُعتدى عليه
ويُسخر منه ويُسفّه رأيه فلم يجادل إلا بالتي هي أحسن ولم يدعُ إلى سبيل ربِّه إلا بالتي هي أحسن، وعندما امتلك ناصية القوة في المدينة المنورة.
وأقام دولته لم يبح الاعتداء على الغير وظل يتعامل بأعظم مبادئ الإسلام على كل المستويات
«المسلم من سلم الناس من لسانه ويده». وظلت حرمة المسلم عنده من أكبر الكبائر، لما تُنتهك، ولا يجوز بأي حال من الأحوال انتهاك حرمات المسلمين واستحلال دمائهم أو أموالهم.
وقفت على حديث عظيم لرسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم – لشخصية المسلم يقول فيه
«مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً وإن وقعت على عود لم تكسره ولم تخدشه».
إذن المؤمن في عمومه لا يكسر ولا يخدش رقيق ليِّن مسالم، وفي رقَّتِه ولينه ومسالمته قوة
مادام على الحق يعضُّ عليه بالنواجذ وينادي به ويدعو إليه بالتي هي أحسن، ولا يعتدي إلا على
من اعتدى عليه، لكنه لا يبدأ بالقوة، ولا يفرض العنف لأنه يعرف أن العنف منطق ضعف.