الجمعة , ديسمبر 27 2024
محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

” مع محمد حسنين هيكل “

إبراهيم الديب

عندما تقرأ لمحمد حسنين هيكل ستدرك أن مفهومه للكتابة السياسية ؛فهما صحيحا ،وأن فكرته عن تعقيدات المجتمع فكرة عميقة لأنه ليس مجرد صحفي، من مدرسة الخبر التي يمثلها الأب الأكبر للصحفيين في ظني هو الأستاذ محمد التابعي

أما هيكل فينتمي لمدرسة تالية لها، ومختلفة عنها وهو من قام بتأسيسها، ولكلا المدرستين خصائص وتميز ، خرجت لنا صحافيين كُثر المدرسة الأولى اذا جاز الوصف مدرسة تخاطب الوجدان من خلال بساطة اللغة والتعبير والتبسيط للخبر والمقالة، ويطلق عليها أيضا مدرسة التلغراف لاقتصادها في عدد الكلمات والجمل

أما مدرسة الرأى التي ينتمي لها هيكل فهى مدرسة التحليل والرأي في الخبر والمقالة ، وبلغةٍ تتسم بالاسهاب، وأستاذ هذه المدرسة هو محمد حسنين هيكل وأعتقد أنه من المؤسسين لها

فى الخبر لا ينقل للقارئ كما حدث بل يقوم من يحرره بالبحث عن السبب الذي الخفي الذي أدى لظهور الحدث فالكاتب هنا لا يهمه في المقام الأول الظاهرة على السطح، فيعمل فيه عقله ليرد السبب لجذوره التي نتج عنها ثم عن مسببات السبب ليقف أخير هناك من البداية، من كتاب هذه المدرسة على سبيل المثال لا الحصر:

أحمد بهاء الدين فهمي هويدي، وعادل حمودة عبد الله السناوي أما ما أعده الأقرب لهيكل من وجهة نظري فهو الكاتب الصحفي صلاح عيسى.

يستدعي هيكل أثناء تناوله لأي فترة زمنية من أجل التأريخ لها، وقائع مغيبة ،وأحداث منسية من المناطق الرخوة من لهذه الفترة، يوظفها باقتدار لخدمة السياق تندهش وتتساءل كيف عثر عليها.

فهو أيضاً أكثر من صحفي رأي فتكوينه الثقافي أقرب للمفكر ويتمتع بعمق فيلسوف التاريخ والمحلل السياسي.

أما أسلوبه فيمزج كل ذلك بسلاسة ورشاقة ويتجول بك في أعقد القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وكأنك تقرأ نصا أدبيا ممتعاً، وستخبرك أيضاً سطوره أثناء قراءتك لها:

تأثره بابن خلدون وهيجل ،وجيبون له أسلوبه الخاص الذي يتمتع بحرارة وعمق وكثافة المعنى ،وجزالة اللغة ورصانتها .كان يؤمن أنه مثقف ملتزم بقضايا أمته يستبطن آلامها واحلامها ثم التعبير عنها في كتاباته لأنه إنتاج تاريخي لها وتكون بداخلها، ويؤمن أكثر أنه لا يحق للمجتمع أن يتذمر من مثقفه، فعندما يقوم بذلك لابد أن يضع المجتمع نفسه أيضاً في قفص الاتهام، لأن المثقف من صنعته بل أصبح ضميره الذي يعبر عنه.

وليس ببعيد عن ذهن هيكل أيضاً أنه كان يدرك جيداً بأن الثقافة ليست مهنة، أو هواية، أو وظيفة، بل هي رأي ووجهة نظر وتصور للحياة ،فرضها عليه الوعي الذي يمثل دائرة نفوذ المثقف و أقوى أسلحته

أول ما قرأت لهيكل هو كتاب “خريف الغضب” الذي أعتبره من وجهة نظري البسيطة :وثيقة سياسية تاريخية اجتماعية أدبية فلسفية فذة لفترة من أهم فترات تاريخ مصر المعاصر ، فقد تناول فيه هيكل شخصية الرئيس السادات وحملق فيها وغاص في نفسه ولامس أعماقه كاشفاً عن عقداً بداخلها تسببت فيها بشرته السمراء من وجهة نظر هيكل وكانت سبباً في اتخاذه قرارات :

خاطئة بعد حرب اكتوبر انحرفت بسياسة بمصر وانتزعتها من الصف العربي، وشقت به صفه، وابقتها قوة سلبية تقف على الحياد ليفقد العالم العربي القاطرة التي تجره للأمام و ترسم له سياساته ف ساعدت بذلك على تشرذمه وفك عراه، و يفقد بذلك درع الأمان بالنسبة له على الجانب المعنوي، قبل المادي، ولعل قرار السلام مع إسرائيل منفردا دون العرب كان نقطة الخلاف الأساسية بين هيكل وبين الرئيس السادات

والتي مهدت لقرارات متتالية مضطربة رداً منه على المعارضة المتمثلة في النخبة نتج عنها “خريف الغضب ” غضب من المعارضة على السلطة، وغضب موازي من الحكومة على نخب المعارضة، من الملاحظات التي أخذتها على هيكل وتحامل فيها على الرئيس السادات أنه همش دوره وحاول طمس إنجازاته على المستوى الداخلي والخارجي

وكأن السادات لم يكن هو صاحب قرار العبور وأنه لم يلحق بإسرائيل هزيمة عسكرية تدخل فيها الجيش الأمريكي للوقوف بجانب الجيش الإسرائيلي و التي عبر فيها جيشنا للضفة الشرقية عبور مثل نصر لكل عربي من المحيط للخليج ، وأمر آخر فمع إن كتاب خريف الغضب هو في الأساس تأريخ لفترة حكم الرئيس السادات

ولكن التركيز الأكبر والمديح كان من نصيب جمال عبد الناصر لأن هيكل لا يكف عن المقارنة بين السادات و فرعون هيكل الذي توفي صغيرا وتركه في المعبد وحده لا يجد من يستحق أن يؤدي له من الطقوس الكهانة

كنت معجب بهيكل أيضا لسبب آخر وهو اعتزازه بنفسه وأنه يرفع بذلك من شأن الكاتب ، فكان يطبق وجهة نظر العقاد أرض الواقع التي مفادها بأن الكتابة أشرف مهنة في الوجود وضمنيا يكون الكاتب أهم شخص في الوجود أعتقد أن لمن يريد أن يتطلع على تاريخ المنطقة العربية وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين لا بد أن يقرأ لمحمد حسنين هيكل “ملفات السويس” وسنوات الغليان” والانفجار” وأوهام النصر والسلاح ” فقد التهمتها مباشرةً بعد أن انتهت من خريف الغضب ستكتشف بعد أن تنتهي من قراءة كتاب لهيكل أنك تبحث عن آخر له

كما حدث معي ..رحم الله هيكل الذي لم يقف بباب أحد ليبيع فكره برخيص الثمن بل هو من كان يقف ببابه الملوك والرؤساء حتى يأذن لهم بالدخول…

شاهد أيضاً

الغرب ورحلة البحث عن خائن مصرى

أشرف حلمى مازالت المؤامرة علي مصر مستمرة منذ السبعينيات بقيادة دول الغرب بالتعاون وخيانة بعض …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.