دكتور صلاح عبد السميع يكتب للأهرام الكندى
كأس العالم 2022 (بالإنجليزية: 2022 FIFA World Cup) هي النسخة الثانية والعشرون من بطولة كأس العالم لفرق الرجال الوطنية، التي تقام كل أربع سنوات وتتنافس عليها المنتخبات الوطنية الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم.
ومنذ أن أعلن رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم عام 2010 عن فوز قطر باستضافة كأس العالم، وباعتبارها أول دولة عربية فى الشرق الأوسط تستضيف كأس العالم في الفترة من 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر 2022.
وهذه أول نسخة من كأس العالم تقام في الوطن العربي والثانية التي تقام في آسيا بعد نسخة 2002 التي لُعبت في كوريا الجنوبية واليابان.
فرنسا هو حامل اللقب، بعد فوزه على كرواتيا 4–2 في نهائي كأس العالم 2018 في روسيا.
ومنذ أن اعلن عن افتتاح البطولة فى 20 نوفمبر 2022 ،وضمن فقرات الافتتاح كانت معالم مهمة تعبر عن المواطنة بمفهومها العالمى الذى ظهر واضحا للجميع ، من خلال الحفاوة البالغة والترحيب بالجماهير
من شتى انحاء العالم ، من قبل الدولة المنظمة قيادة وشعبا ، كذلك حضور الرؤساء والملوك والأمراء
والمشاهير من كافة انحاء العالم ضمن حفل الافتتاح ، الكرم الذى ظهر بوضوح من قبل الدولة المنظمة
ولأول مرة فى تاريخ البطولة يتم اهداء حقيبة لكل مشجع حضر حفل الافتتاح بها نماذج تعبر عن احترام
وتقدير القيم والتراث العربى ، حيث ظهر فى حفل الافتتاح نموذج التعبير عن تقبل الاختلاف
والدعوة الى التواصل والسلام والمحبة بين شعوب العالم ، كما عبر حفل الافتتاح عن نموذج الحفاظ على
الهوية ،وبشكل عام فقد عبر حفل الافتتاح عن معنى التواصل الحضارى بين شعوب العالم
كما عبر عن الاعتزاز بالقيم والتعبير عنها قولا وعملا .
ولعل التخطيط الجاد والذى تمثل فى الاستعداد المسبق من خلال انشاء الملاعب
على أعلى مستوى من الدقة والجودة العالمية ، ومشاريع البنية التحتية من فنادق وطرق
وغيرها من خدمات ، ولأول مرة ملاعب مكيفة فى تاريخ البطولة ، كما انها اول مرة تقام البطولة فى الشتاء
وسوف يذكر التاريخ أن ما تم انفاقة من مليارات بلغت تقريبا 200 مليار دولار من اجل اتمام مشاريع
البنية التحتية ، أنما هو أقل بكثير من النتائج المترتبة ايجابيا ليس على الدولة المنظمة
وحدها بل على العالم العربى أجمع ، وذلك من خلال ما حدث ويحدث حتى لحظة كتابة المقال
ولم ينتهى كأس العالم بعد ، وسوف اذكر على سبيل المثال وليس الحصر مجموعة من الملامح
التى سوف تخلد فى ذاكرة العالم بعد تلك البطولة التى احتضنتها أول دولة عربية فى الشرق الأوسط .
أولا : اعادة تشكيل الصورة الذهنية لدى المواطن الغربى تجاه الشخصية العربية
حيث ظهر بوضوح معنى الانتماء ، ومعنى الهوية ومعنى العطاء والكرم والحب من قبل الشخصية العربية تجاه كافة المشاركين من كل انحاء العالم ، ولا مجال للعنصرية ، ولا مجال لإقصاء دور المرأة ، ولا مجال لما يدعيه الآخر من غياب حقوق المرأة وحقوق الطفل ، حيث ظهر للجميع وعبر واقع معايش على أرض الدوحة
أن كل ما كان يتم تمريره عبر وسائل الاعلام تجاه الشخصية العربية المسلمة لم يكن صحيحا ابدا
ولقد عبر جياني إنفانتينو ـ رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) متهما الغرب بالنفاق
ازاء التصريحات العنصرية التى تم توجيهها من قبل بعض وسائل الاعلام الغربية فى فرنسا وانجلترا والمانيا
وقد قال ” قد تعلمنا العديد من الدروس من الأوروبيين والعالم الغربي. أنا أوروبي.
وبسبب ما كنا نفعله منذ 3000 عام حول العالم، يجب أن نعتذر لنحو 3000 سنة قادمة قبل إعطاء دروس أخلاقية”.
كما أكد “جياني إنفانتينو” رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم /فيفا/ دور المجموعات في نهائيات كأس العالم FIFA قطر 2022 بأنه “الأفضل على الإطلاق”، وذلك بناءً على النتائج المفاجئة التي شهدتها مباريات هذا الدور
وتسجيلها أرقاماً قياسية من حيث عدد المشاهدين من داخل الملاعب وعبر الشاشات حول العالم، والأعداد القياسية
لمن حضروا مهرجان المشجعين في الدوحة والتي أثبتت مرة أخرى مدى الشعبية التي تحظى بها كرة القدم بين جميع دول العالم.
ثانيا : الجمهور يعطى دروسا فى معنى الانتماء :
لم تكن الكرة داخل الملاعب فقط ، بل كانت فى المدرجات ، حيث كانت الكاميرا ترصد المشاعر الانسانية لجماهير محبة لمنتخباتها ، بل لجماهير تعشق كرة القدم وحضرت لكى تشجع الفرق التى تحب
تشجيع شعاره الاحترام للخصم ، تشجيع يحمل معانى التنافس الشريف ، الجمهور كان ومازالا مثالا ونموذجا يدرس ، دموع الفرح ودموع الحزن ، دروس فى معنى الانتماء ، رأينا فرحة الأمة والعالم بانتصار منتخب المملكة
العربية السعودية على المرشح للبطولة منتخب الأرجنتين ، رأينا التواصل بين شعوب العالم العربى والاسلامى من خلال التهنئة ، رغم انها كرة قدم الا انها تحمل فى معناها دلالة التواصل الوجدانى بين شعوب العالم العربى
لا مجال للفرقة ولا مجال للعنصرية ، هنا هدف واحد وفريق واحد وعلم واحد ، ما أجملها من رسائل عبر عنها انتصار منتخب تونس على منتخب فرنسا حامل اللقب فى نسخة 2018 ، نفس المشاعر التى عبر عنها الجميع عندما انتصر المنتخب السعودى على نظيره الأرجنتينى ، كانت مع منتخب تونس
تلك المواقف يجب أن تدرس ، موقف الجمهور اليابانى عندما انتصر فريقة ورأينا البكاء فرحا فى المدرجات
وهو نفسه الجمهور الذى انهمرت دموعه حزنا على هزيمة فريقه وخروجه من البطولة بعد أداء مشرف
كذلك الحديث عن منتخب السنغال ومنتخب الكاميرون ومنتخب غانا وغيرها من المنتخبات التى حاولت ولكنها لم توفق ، وبقى الجمهور الذى استمر فى التشجيع والتعزيز تعبيرا عن انتماء حقيقى
اظهرته كاميرا المخرج المبدع الذى ينقل المباريات بكل دقة ووضوح .
ثالثا : بر الوالدين شعار يرفع داخل الملاعب وداخل المدرجات :
من المشاهد التى ستبقى مع التاريخ لكى تعلم وتدرس فى مناهجنا ومدارسنا ، نعم انه معنى الوفاء والانتماء ،معنى البر تجاه صاحب الفضل ، البر بالوالدين ، رأينا صفحات تكتب بدموع اللاعبيبن بعد فوزهم
والكاميرا تصحبهم نحو المدرجات لكى يظهروا برهم بالوالدين ، تقبيل يد الوالد ، وتقبيل رأس الوالده ويدها
ما اجمل تلك المعانى ، وما أجمل أن يسجد كامل الفريق شكرا لله ، كما رأينا فى مباريات المنتخب السعودى والمنتخب التونسي والمنتخب المغربى ، معانى تربوية رائعة سوف تدرس فى مناهج التعليم
ولم تعد لعبة كرة القدم مجرد لعبة للتسلية ، بل انها من خلال كأس العالم تعبير عن معانى كثيرة ترتبط بالقيم
والمواطنة ، معانى الانسانية التى تجسد داخل المدرجات ، معانى الكرم التى تم تجسديها داخل الدوحة ، معانى القبول رغم الاختلاف والتى رأيناها داخل الملاعب وداخل الحدائق وداخل الفنادق فى كل مكان فى ربوع قطر .
كأس العالم FIFA كأس العالم FIFA
سوف يذكر التاريخ أن تلك النسخة كان شعارها الثبات النفسي فى حضور اسر اللاعبين والتى مثلت دعما نفسيا كبيرا للمنتخبات ، وكذلك نماذج التعبير عن بر الوالدين من قبل اللاعبين
وأشهرها صورة نجم منخب المغرب أشرف حكيمى وهو يقبل رأس والدته ، ومن قبله نجم المتخب المغربى بوفال وهو يقبل رأس والدته ويهديها قميصة الذى لعب به ،وكذلك يوسف النصرى الذى ظهر
وهو يقبل يد والده عقب تأهل المغرب الى ربع نهائى كأس العالم ، كما ظهر مدرب منتخب المغرب وليد الركراكى وهو يقبل رأس والدته عقب فوز منتخب المغرب على منتخب اسبانيا وصعودة الى دور الثمانية .
نعم انها نماذج مشرفة وسوف تمر البطولة ويفوز من يكتب له الفوز
ولكن ستبقى الصورة وتبقى القيم التى سوف يحملها الأبناء تقليدا جميلا لكل معانى الوفاء والعطاء ، نعم على وزراء التعليم ان يتعلموا من تلك المعانى ما يجعلهم اقرب الى المعلمين فى الميدان ، انها رسالة للجميع
رسالة الى المعلم والى الوالدين ، على الجميع ان يحفز ويشجع ، لا يوجد هناك مستحيل
والمستحيل هو أن نستسلم ، لم يكن هناك مستحيل عندما سجل منتخب المملكة فى شباك الأرجنتين ، ولم يكن هناك مستحيلا عندما سجل نسور تونس فى شباك المنتخب الفرنسي ، ولم يكن هناك مستحيل عندما صمد أسود المغرب فى مواجهة منتخب اسبانيا .
واخيرا لعلى اوجه الدعوة الى المؤسسات البحثية فى كل المجالات الى ضرورة دراسة الأبعاد التربوية والاجتماعية والنفسية المترتبة على فعاليات كأس العالم فى قطر ، نعم نحتاج الى دراسات ميدانية لواقع التواصل بين الشعوب
نحتاج الى دراسات ميدانية من داخل الدوحة مع الجمهور لكى ترصد مفاهيم المواطنة العالمية كما عبر عنها المجتمع العربى المسلم ، وليس كما يروج لها الغرب ، نحتاج الى دراسات فى مجال الخدمة الاجتماعية على
مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة تم التعبير عنها بوضوح عبر نماذج فعالة ضمن كأس العالم 2022 فى قطر .
واخيرا هذا الكأس هو كأس كل العرب ، كأس العالم ولكن بروح عربية ، لم تتكرر من قبل ، فيه
من العبر والدروس ما يجب أن يعلم ويدرس ، وفيه من التجارب ما يجب أن تكون محل دراسة ، جسد معنى الاعتزاز بالعمل الجماعى ، وجسد معنى الكرم ،والاعتزاز بالهوية ، جسد معنى الاحترام والتقدير بين الجميع
الغى من قاموس اللعبة ، معنى ان هذا منتخب صغير وهذا منتخب كبير لايقهر ،اعطى دروس فى البر والوفاء
سيبقى نموذجا نستلهم منه معنى العزة والكرامة فى مجالات اخرى ، تعلمنا وسوف نتعلم من هذا الكأس أن الأساس هو بناء الانسان وعندما نهتم بإعداده نفسيا وجسديا وعقليا ، سوف يحقق المعجزات ويرفع راية الوطن فى كل الملتقيات .
والى اللقاء فى دروس وعبر تربوية أخرى من كأس العالم 2022 م