حين فكرت منذ ربع قرن في تسجيل ذكريات وتواريخ الإكليروس والأراخنة خلال العصر الحديث موثقة بالصوت والصورة_كان أحد شيوخ الكهنة الأتقياء ضمن من إلتقيت بهم عدة مرات في منزله لتسجيل مشوار حياته لمعاملات الله معه وكذلك شهادته عن أحداث وشخصيات عاصرها بنفسه.
وأتذكر إنني سألته ضمن حواري الطويل معه: أبي، هل إختبرت قصص توبة معاصرة خلال رحلة خدمتك؟!_ أجاب: نعم، دعني أذكر لك قصة كنت أحد أطرافها* يكمل قداسته:
إعتادت كنيسة قريتي بالصعيد، والتي نشأت فيها وكان أبي نيح الله روحه كاهنها أن تدعوني مرتين سنويا في نهضاتها الروحية لألقي كلمة للشعب، فأسافر من القاهرة للصعيد حيث أزور عائلتي وأخدم هناك في ذات الوقت.
وكانت إمرأة مسيحية سيئة السمعة بهذه القرية، متعددة العلاقات الآثمة رغم إنها زوجة، وللأسف كان زوجها وأهل قريتها يعلمون كل شيء، لكنها لم تكن تخشى شيئا ولا تستحي الفضائح، فتفعل ما يحلو لها دون أن تعبأ بكلام الناس ونظراتهم!
ووصلت بها الجرأة إلى الحد الذي عرضت عليِّ الخطية مباشرةً، ولم يهمها أن أكون كاهناً!
صُعِقت وأنا أسمع أبي الكاهن، فسألته في شغف:
ماذا تقول يا أبي؟ يا للفُجر! .. وماذا كان رد فعلك؟!_ أجاب وهو يكمل حديثه الشيق: وجهني الله لأن أقص عليها سيرة قديسة تائبة كانت ترتاد أماكن الدعارة وتبيع جسدها، حتى لمسها الروح القدس، فتابت وتقدست، ووضعت الكنيسة سيرتها على المنارة مقدمة إياها كمثل عظيم عن فعل النعمة في حياة الإنسان مهما كانت حالته.
فلما سمعت هذه السيدة تلك القصة، بكت بكاءاً مُراً، إذ كان الرب قد حرك قلبها وتلامست روحها مع قصة قديسة التوبة المعزية، واعترفت بكل سقطات ماضيها بدموع عينيها مقدمة توبة أمام الله.
كانت توبتها عظيمة، ومر الوقت حتى بلغت قامة روحية كبيرة، وكان كل من يراها يمجد الله على نقلتها العظيمة كبولس الرسول في زمنه، حتى إنني ككاهن لا أبالغ كوني شخصيا من رعاياها الروحيين!
أيمن عريان