الزواج هو تلك العلاقة المقدسة التي أسسها الله بنفسه حين خلق رجلاً وامرأةً وطلب منهما أن يكثرا ويثمرا ويملأ الأرض، ثم تطورات المجتمعات وتطور معها الإنسان، مع زيادة المطردة في أعداد البشر بدأت المجتمعات تنظمه مدنيا.
أما شعب الله المختار حين أخرجه موسى من مصر كان قد ازداد عدده لقرابة الاثنين مليون شخص، الأمر الذي دعاه لينظم لهم أمورهم المدنية وأحوالهم الشخصية فوضع شروطا للزواج منع فيها زواج المحارم والزواج من الأجنبيات.
في العهد الجديد استمر الزواج المدني حتى بعد أن بدأت الكنيسة في إدخال بعض المراسم الدينية فكان المسيحيون الأول يتزوجون حسب البلد التي يعيشون فيها، حتى لو كانت المراسم وثنية.
ونجد أن الرب يسوع له المجد قد حضر عُرس قانا الجليل وشاركهم فرحتهم ولم ينتقد مراسم زواجهم ولم يدعُهم إلى مراسم جديدة.
الأمر الذي دفعني للكتابة في هذا الأمر هو تصريح خاطئ صدر عن أحدهم، مهاجما صحة زواج أخوتي الكاثوليك والبروتستانت لأن مراسم الزواج وطقوسه مخالفة للكنيسة الأرثوذكسية، وهو تصريح غير مسؤول وغير مستند لناموس الله وسُنته وبالطبع رأي لا يمثل كنيستنا من بعيد أو قريب لأن كل ارتباط بين رجل وامرأة يقره المجتمع في دولة ما، برضاء طرفيه، هو زواج صحيح مهما كانت ديانة طرفاه او طائفتهم حتى ولو كانوا وثنيين.
أما سر الزواج الكنسي الأرثوذكسي هو سر يؤمن به طرفاه عن إرادة حرة، يصدر بين متحدي الإيمان يتعهدان به وفيه بالتزامهما بقانون وعقيدة طائفتهما وطقوسها التزاما لا يمتد للحكم بعدم صحة الزواج الخاضع لأي ديانة أو طائفة أو جماعة قانونية أخرى وإن أي اتهام للآخر بالزنا هو جريمة ازدراء وسب وقذف وخطورتها تكمن في أنها قد تكدر السلم الاجتماعي وتهدد وحدة المجتمع الوطنية قبل كل هذا تحزن قلب الله.
في بداية الكنيسة كان الزواج مدنياً ثم تطور بأن الزوجان كانا يمران على الأسقف أو الكاهن فيرشمهم بعلامة الصليب كنوع من مباركة الكنيسة لهما وهو ما أوضحه أغناطيوس الشهيد في رسالته إلى بوليكاريوس، وقد أشار العلامة ترتليان – القرن الثالث – إلى أن الزوجان “كان يأتيان لكسر الخبز ويتباركان من الكنيسة” بعد الزواج المدني دون مراسم معينة.
والقديس غريغوريوس الكبير – القرن السادس، أنه كان يسلم العروس للعريس في الكنيسة. هذا لا يمنع أن الكنيسة كانت ترفض زواج مختلفي الإيمان وظهر هذا في كتبات القديس إمبروسيوس، القرن الرابع، لكنها لا تتهم الزيجات الأخرى بالزنا إطلاقا والقديس أغسطينوس أول من أطلق على الزواج سر.
في الغرب وفي القرن التاسع ذكر البابا نيكولاوس الأول فكرة مباركة القس للمتزوجين بعد عقد الزواج المدني بعمل احتفال داخل مبنى الكنيسة يخرج منه العروسان لابسين أكاليل أو تيجان على رؤوسهم وأهم شروط الزواج كانت الرضى المتبادل بين الطرفين وعائلتهما، بعدها أصبحت الزيجات الطقسية اختيارية يفضلها أبناء الكنيسة للحصول على مباركتها ثم أجازت القوانين المدنية ممارسة هذا الطقس بجانب الزواج المدني.
في كتابه شريعة الزوجة الواحدة للبابا شنودة الثالث وفي سبيل تأكيده على أن جميع الطوائف المسيحية تؤمن بشريعة الزوجة الواحدة أشار لنصوص من الكنائس اليونانية والكاثوليكية والإنجيلية والأسقفية كلها تؤكد على قدسية الزواج لديهم.
هذا ما يؤكد عزيزي القارئ أن كنيستنا لا يمكن أن تشكك في زواج أي رجل بامرأة طالما كان زواجاً قانونيا لكن لها فقط أن تشير أنهما ليسا أرثوذكس أو انهما كانا أرثوذكس لكنهما كسرا قانون الكنيسة وبفعلهما قطعا أنفسهما من شركتها وفي هذه الحالة لها فقط أن تطبق نصوصها عليهما لا كزناه أو غير مؤمنين بالله بل كمنشقين وكغير مؤمنين بعقيدتها.
الزواج أجمل شركة وضعها الله في الحياة من أجل حفظ النوع والتناسل وحفظ الميراث والحقوق المدنية، هي علاقة آدم بحواء، رجل بنظيره معينة له تسنده في الحياة، قننتها الدول لتيسير الحياة ولتنظيم العلاقات الإنسانية وضعتها بعض الكنائس على مستوى السر المقدس لكنها في نهاية علاقة يباركها الله ويقبلها طالما كانت متفقة مع قانون الدولة ومع كل جماعة أو طائفة.
مر أخرى أقدم اعتذار شديد لكل إنسان تسبب له هذا التصريح في جرح مشاعره وإثارة غضبه مؤكداً احترامنا ومحبتنا وبالطبع محبة إلهنا وكنيستنا للمسكونة والساكنين فيها أما من يجلس عن يمين الله أو يساره فلا يعلمها سوى الآب السماوي له وحده العظمة والسلطان إلى الأبد.