نازك شوقى
عاد من الطبيب بعد ما عرف ان السرطان انتشر من البنكرياس إلى أجزاء أخرى من الجسم.. ، وفي لحظه مر شريط حياته أمام عينيه ، وتذكر والده ووالدته الذين رحلوا عن الحياة بنفس المرض ، وتذكر وجه زوجته علا غبور التى رحلت أيضا بنفس المرض اللعين
كانت حياه طويلة وصعبة .. ولكن بلا شك كانت آيضا حياة جميلة
رؤوف كمال حنا غبور
الطفل الشقي زمان و رجل الأعمال و مؤسس أمبراطورية اقتصادية كبري حاليا، ولد سنة ١٩٥٣ و عاش طفولته في بيت العائلة بمنشية البكري، وتعلم في مدرسة الجزويت المعروفة بالتربية الصارمة.
وفي سن السبع سنوات بدأت تظهر على رؤوف غبور جينات رجل الأعمال الصغير العاشق للتجارة، و كانت البداية حينما رفض والده فكرة المصروف اليومي، وحدد له مبلغ ١٥ قرش كمصروف أسبوعي، وده كان رقم ضخم وقتها بالنسبة لطفل في سنة.
رؤوف غبور وقتها قرر يستثمر المبلغ ، وبحث عن أقرب فرصة مناسبة الي أن وجد محل حلويات شرقية في ميدان روكسي، يقوم ببيع صينية البسبوسة ب٦٠ قرش، فأخد قرض ب١٥ قرش من فاطمة اللي بتشتغل في البيت و واقنعها أنه هيرجعهم ٢٠ قرش، واشترى نص صينية وقطعها وقام ببيعها لأصدقائه في نادي هليوبوليس حتى كسب ٥ جنيه كاملين.
و في سن ال12 سنه، كان رؤوف غبور جمع ثروة تقدر بعشر الاف جنية من تجارته في كل حاجه، و قرر أنه خلاص لازم يخرج من مرحلة البسبوسة لمرحلة تانية أكبر
وبالفعل كسب مزاد علي أجهزة كهربائية و تكييفات ، واستطاع بيبع البضاعة مع تاجر في شارع رمسيس والمكسب بالنص، حتى تخرج من كلية الطب سنة ١٩٧٦ و ثروته الشخصية بعيدا عن أهله نص مليون جنيه
ومع اندلاع حرب أكتوبر قرر التطوع لعلاج المصابين مع زملائه في الكلية و يومها تعرض للاغماء من صعوبة المنظر.
وتأكد بأنه لن يستطيع أن يكون طبيب نهائيا
وبعد التخرج عمل موظف في قسم الإطارات بإخوان غبور المملوكة لوالده ، وعمه ، واستطاع بجراءته رفع حجم المبيعات من ٥٠ ألف دولار ل٥ مليون دولار في الشهر، وأطلق عليه وقتها ملك الإطارات في السوق المصري وهو لسة في العشرينات من عمره.
وتعرض رؤوف غبور لأول أزمة في حياته العملية كان ممكن تقضي عليه تماما وهي أزمة الثمانينات الاقتصادية لما انهارت قيمة الجنيه وارتفعت مديونياته بالدولار لرقم فلكي ، وتوقفت مبيعاته تماما ،كانت فترة عصيبة قال عنها د.رؤوف غبور في كتابه ( كنت أعود مثقلا بالهموم و الأحزان ، وأرقام الخسائر اليومية حيث كنت اخسر ١٠٠ الف جنيه يوميا ، في رجال أعمال قرروا الهروب ، ورجال أعمال دخلوا السجن ، أما انا وعائلتي فقررنا الصمود و التحدي) و كان ربنا أراد يكافئه ففوجيء بمسؤول كبير من شركة الكاوتش في اليابان يبلغه أن الشركة فخورة به وقررت تعطيه خصم ٣٠ % علي مسحوباته ، واستطاع يعوض كل خسائره في ٦ شهور فقط.
وتسلم رؤوف غبور إدارة الشركة من عمه و مثله الأعلي المهندس صادق غبور الا أنه بعد وفاته بسنتين قرر انه يستقل بنفسه بعد ١٣ سنة من العمل في شركة العائلة ، وهنا كانت الأزمة و الصدمة الثانية بعد استقاله د.رؤوف غبور من شركة العائلة
حصل منفردا علي توكيلات كبري في مجال الاتصالات و الاليكترونيات ، وقطع الغيار و الإطارات ثم السيارات
و الشاحنات و الزيوت وغيرها ، ولكنه تعرض لصدمة عنيفة وغير متوقعة حيث وجد نفسه متهما في قضية رشوة كبري ، و عرض عليه وقتها الاستفادة من المادة التي تعفي الراشي من العقوبة حال اعترافه علي المرتشي
وهنا يذكر في مذكراته كيف استقبل هذا العرض المغري و استشار فيه المحامي الكبير الاستاذ عبدالمجيد عامر والذي أكد له انه سيفرج عنه فور اعترافه زورا علي المتهم في الواقعة ولم يستغرق الأمر سوي دقيقة وكانت أجابته
( يا استاذ عبدالمجيد النهاردة ربنا بعتلي اختبار صعب و انا بصحتي ولو حاولت اعدي الاختبار ده بالتضحية بواحد بريء ،ساعتها ممكن ربنا يبعتلي اختبار تاني أصعب و مقدرش عليه، و لن استطيع مسامحة نفسي علي اني ظلمت واحد بريء ، ولوثت سمعته، لن استطيع شهادة الزور ، وبالفعل حصل د.رؤوف غبور
علي البراءة بعد ما قضي ٦ شهور في الحبس الاحتياطي في تجربة قاسية جدا اتعلم منها حاجات كتير ، لكنه خرج من السجن عشان يكتشف ان معظم التوكيلات تم سحبها منه
وهنا كانت البداية التانية لغبور العنيد الذى قدم سيارات هيونداي المصنعة محليا في شكل جديد اكتسح به السوق المصري وأصبح إمبراطور السيارت ، وتوسع في البيع بالتقسيط عن طريق القروض البنكية ، وفي الأزمة العالمية في أواخر التسعينات و حتي ٢٠٠٣ خسر كل أمواله و أصبح مديون للبنوك بمليار و نص المليار
وللمرة الثانية كثيرون نصحوه بالهروب للخارج وكان وقتها الحل الأمثل عند رجال الأعمال المتعثرين ، لكنه رفض بشدة واستمر لشهور طويلة في مفاوضات شاقة مع البنوك الدائنة حتى وقع أول اتفاقية جدولة في السوق المصري علي ٨ سنوات ، قام من خلالها بسداد ضعف قيمة المديونية تقريبا بسبب فرق الفوئد ، وقدم كل أملاكه الشخصية رهن للبنوك ، واحتفظ فقط بمصروفات تعليم أولاده الباهظة .
و في ٢٠٠٧ و ٢٠٠٨ عاد الإمبراطور رؤوف غبور لامتلاك الحصة الأكبر في سوق السيارات بعدما سدد كل ديونه و طرح جزء من شركاته في البورصة
واضح أنه من كثرة الأزمات التى تعرض لها د.رؤوف غبور في قطاع السيارات أصبح يفكر في أنشطة اقتصادية متنوعة، وواضح أن عمره ما نسي قصة البسبوسة وأن الست فاطمة كسبت منه ٣٣% في أسبوع بدليل أنه أسس شركة متخصصة رائدة في المشروعات متناهية الصغر حققت نجاح كبير واستغل خبراته في التقسيط
و أسس شركة للتأجير التمويلي وصل حجم استثماراتها ل٨ مليار جنيه ، وشركات أقراض مباشر مثل مشروعي و تساهيل استطاعت أن تصل لمحفظة مالية قيمتها ١٠ مليار جنيه ، ثم شركات تمويل عقاري ، وتمويل استهلاكي وتخصيم و سداد اليكتروني بخلاف النشاط الزراعي، والتصدير
و أخيرا بالمؤسسية والحوكمة في الإدارة أصبح عدد العاملين في شركات غبور ٢٥ الف موظف بحجم أعمال سنوي يفوق ال٣٠ مليار جنيه لحوالي ٥٠ شركة متنوعة
ناهيك أنه أسس صندوق استثمار للعاملين بشركاتهمن أجل الحصول على مكافأة كبيرة عند نهاية خدمتهم ، ولكن لعب القدر دوره لأنه يوم تنازل د.رؤوف عن منصبه كرئيس تنفيذي للمجموعة لابنه نادر يوم ٢٥ مارس ٢٠٢١ في اجتماع الجمعية العمومية ، و ركب سيارته بصحبته و فتح اول رسالة علي الايميل ليجدها تحمل خبر اصابته بسرطان البنكرياس
صعب تقابل شخص نجح و حقق ثروة كبيرة إلا وكان محافظ علي تجارته مع الله تفاعل د رؤوف غبور مع كل دعوات الخير و اشتهر بتبرعاته الضخمة لكل المؤسسات الخيرية ، و المستشفيات ولكنه شعر أنه مهما اتبرع للفقراء بيزدادوا فقرا ، فقرر تعديل استراتيجية الخير وتوجيه كل مساهماته لتعليم جيل جديد من الكوادر الشابة مهن منتجة بشكل علمي ، ومن هنا بدأت فكرة إنشاء مدارس غبور الصناعية وصل عددها ل٥ مدارس في إمبابة و كفر الزيات و محرم بك اسكندرية ثم مدرستي ١٥ مايو ، و٦ اكتوبر في تجربة حققت نجاح ساحق بالتعاون مع وزاره التربيه والتعليم والتعليم الفني
وقام بإقراض قروض للخريجين عشان كل واحد يعمل ورشة او مصنع في مجال تخصصه لو مش عايز يشتغل في مصانع و شركات،
لم يكتفي د.رؤوف بمشروع المدارس و اتجه لدعم مؤسسة face foundation لأطفال الشوارع واللي نجحت في انشاء ستة دور إيواء و رعاية يعمل فيها ١٥٠ مصري ، وقدرت تدمج ٥٠٠ من أطفال الشوارع في العائلات نادرا لما تلاقي شخص يجمع الناس علي صفاته الملائكية
وصعب تجيب سيرة السيدة الفاضلة الراحلة علا غبور الا وتلاقي اللي يعرفها و مايعرفهاش بيدعو لها بالرحمة و رغم ارتباط اسمها بمستشفى سرطان الأطفال في بداياته الا ان أعمالها الخيرية سبقت مساهمتها في انشاء الصرح العظيم ده بسنين طويلة ،لأنها لم تتوقف يوماً عن عمل الخير وحكى زوجها المحب د.رؤوف غبور
في كتابه كيف طالبته زوجته بعد أسابيع قليلة من الزواج بتخصيص أوتوبيسات شركته لتنظيم رحلة للأطفال الأيتام و فوجيء بها يوم الاجازة و هي تتركه لتذهب مع الأطفال قائلة “يا رؤوف الموضوع مش مجرد تبرع بكام أوتوبيس لازم الولاد يحسوا بأن في ناس بيحبوهم و مهتمين بهم ويحكي د.رؤوف في مذكراته عن دورها العظيم في جمع التبرعات لمرضي الأورام من الأطفال و كيف بدأت حملة التبرعات ب١٠ ملايين جنيه جمعها هو اصدقائه وانطلقت الحملة الاشهر في تاريخ مصر بقيادة طارق نور
اتبرع ولو بجنيه و أصبح مشروعا لكل المصريين.
كما يتذكر يوم عيد ميلادها لما طلبت منه هدية سيارتين إسعاف مجهزين لاحد المستشفيات و قالت له
انا مش عايزة البس ساعة غالية او عقد الماظ او امسك شنطة سينييه، عمل الخير أغلي من كل ده ، رحم الله السيدة العظيمة علا غبور وقد جمع الله بينها و بين حبيب العمر د.رؤوف غبور في جنة الخلد بإذن الله و قد لحق بها منذ ايام قليلة