بعيدا عن الأجواء الجادة، و المعقدة، والأكثر اكتئابا، وما يحمل العالم من تقلبات و تناقضات، وحروب الدول، ونقص الغذاء، و التضخم العالمي، وغرائب البشر، وطباعهم الحادة، وأعباء الأعمال، تعجبت كثيرا لمشاعر لا تعرف الفناء وسط هذا الزحام .
من عجائب خلق الله هذا الشعور الذي يخلق من أحدهم شخصا لا بديل له في حياتك ، و لا يتكرر في إحساسك، يراه البشر بشرا كأي بشر ، ولكنك تراه كل البشر، رغم كل من صادفوك في طريق الحياة ، يظل هو محور حياتك، ونبض إحساسك بالوجود ، في أي مكان كان على أرض هذا العالم ، شيء ما بداخلك يظل لا يتخلى عنه ، رغم أي سنوات تمر ، رغم مسافات الأرض ، رغم منعطفات الحياة .
شيء ما يطمئن في كل كيانك إذا حضر ، وكأنك تملك العالم ، ولا تبحث في حضوره عن شيئ بعد ، وحين يأخذه الغياب يأخذ معه كل معنى للوجود ، يرحل معه الأمان ، الاكتفاء ، السعادة ، تشعر بعدها ببرد الرحيل ، ووحدة الإحساس ، وفراغ العالم ؛ لا يملأ فراغه كائن من كان ، ولو حضر أهل الأرض جميعا ..
وحده يغنيك عن كل شيء ، و أي شيء ، وتظل تسأل : لماذا هو ليس غيره من يستطيع أن يغنيك عن الدنيا بما فيها ، ومن عليها ؟! لماذا وحده يستطيع أن يحمل لك كل هذا الأمان ؟! وحده يجعلك سعيدا، و إن كنت تسكن في حضن الأحزان ، لماذا وحده يجعلك تتنفس الحياة ؟! وحده يختصر الأماكن ، يختصر البشر ، يختصر المشاعر ، لتجتمع جميعها في شخص واحد، يظل لك وحدك الإنسان الذي لا يتكرر مهما مر الزمن ، وحده لا يتغير ما بداخلك له، رغم السنوات ، رغم الانشغالات ، رغم الخلافات ، رغم البعاد ، رغم قسوة الحياة ، وكأن هناك مشاعر قد خلقت بلا مفردات ؛ هي أكبر و أعمق من كل الكلمات والمعاني ، هي مشاعر لا نملك أن نشرحها، أو نبررها، أو نعبر عنها؛ فهي غير قابلة إلا لأن نشعر بها، هي مشاعر لا تموت ..