كتب- حامد الأطير
لا يذوق مُر الحياة مثل المغترب الذي يعاني ألم الفراق ولوعة العيش وحيداً بعيداً عن أهله وأصدقائه وأحبته ووطنه، لا يجد من يعتني به أو يخفف عنه حين يمرض ولا من يسانده في ملماته وأزماته ولا من يشاطره فرحه ولا حزنه، علاوة على تحمله أعباء عمل شاق قد لا يناسب الأجر ومن تسلط صاحب العمل في كثير من الأحيان.
المغترب حين يسافر يترك مكانه في وطنه لغيره ويُسقط عن كاهل الدولة أعبائه وأعباء زوجته وأولاده، فيترك فرصته في الوظيفة ويوفر هو وأسرته للآخرين أماكن في المستشفيات والمدارس والجامعات والمواصلات وباقي المرافق .
علاوة على ذلك -وهذا هو الأهم- فأن المغترب يمثل أحد المصادر الرئيسية وغير الناضبة للنقد الأجنبي أو ما يُطلق عليه “العملة الصعبة” ولا يبخل على بلاده بتعبه وعرقه وغربته، وهو يُسهم إسهاماً إيجابياً ويؤثر تأثيراً مباشراً في الاقتصاد
حيث يُزيد احتياطي هذه العملات، ويخفض العجز في ميزان المعاملات الجارية، ويوفر على الدولة مئات المليارات إذا ما أرادات أن تحصل على ما يعادل قيمة تحويلات المغتربين من العملات الأجنبية (حوالي ٣٢ مليار دولار) إذ يلزمها حينئذ استثمار مبالغ ضخمة في الصناعة والزراعة والتعدين واستخراج النفط والغاز إلخ .. لإنتاج وتصدير السلع المتنوعة للخارج، وأيضاً يلزمها الاستثمار في مجال السياحة لتقديم خدمات تجذب السياح من شتى إنحاء العالم.
لهذا وجب علينا جميعاً ومنذ زمن طويل إبراز وإبداء الكثير من الشكر والتقدير للمغترب بشكل عملي وواقعي، وذلك بتقديم بعض الحوافز أو التيسيرات أو الخدمات التي تجعله يشعر بالامتنان تجاه وطنه، وبما يعوضه بعض الشيء عن غربته ومعاناته، وإذا كان هذا التقدير قد تأخر فيما مضى فلا مانع من تحقيقه الآن.
ولقد طالب المغتربون ومنذ عقود بالسماح لهم بإدخال سيارة إلى موطنهم شريطة أن تُعفى من الرسوم والجمارك، وذلك كلفتة شكر من الدولة تجاههم، ولكن للأسف فإن هذا المطلب لم يجد استجابة على المستوى الرسمي إلا منذ أيام قليلة، وقد تمت دراسته ووضع الضوابط والشروط، بمعرفة مجلس الوزراء الذي أقر القانون المنظم في هذا الشأن،
ثم تم إرساله لمجلس النواب للموافقة عليه حتي يتم تطبيقه بعد وضع اللائحة التنفيذية له.
وحسبما أُعلن فإن وزارة المالية ستقوم بإعداد قوائم تفصيلية بأنواع السيارات ونوع الوديعة التي يتوجب على المغترب إيداعها في البنك مقابل إنزال السيارة للبلاد، فيما ستقوم وزارة الاتصالات بإنشاء موقع إلكتروني يستطيع من خلاله المقيمون في الخارج تسجيل بياناتهم وبيانات السيارات الراغبين في إنزالها.
والقانون الذي أقره مجلس الوزراء والذي ينتظر موافقة مجلس النواب ينص على الإعفاء من الضرائب والرسوم على استيراد (سيارات الركوب للاستعمال الشخصي) فقط، مقابل سداد مبلغ نقدي بالعملة الأجنبية (لا يستحق عنه عائد) ويحول من الخارج لصالح وزارة المالية على أحد الحسابات المصرفية بنسبة (100 %) من قيمة جميع الضرائب والرسوم، التي كان يتعين أداؤها للإفراج عن السيارة، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الجدول.
كما أنه يحق استرداد المبلغ النقدي الذي تم تحويله بعد مرور 5 سنوات من تاريخ السداد، وبذات القيمة (بالمقابل المحلي) للعملة الأجنبية المُسدد بها بسعر الصرف المُعلن وقت الاسترداد وليس وقت الإيداع.
ولا شك أن هذا الإجراء سيُزيد الحصيلة الجارية من النقد الأجنبي ويرفع احتياطي الدولة من العملات الأجنبية، وبالتالي يرفع عنا الضغط الشديد الذي كان يُفرض علينا للحصول على النقد الأجنبي،
مما ينعكس بالإيجاب والتحسن على الاقتصاد الوطني في ظل أزمة اقتصادية محلية وعالمية خانقة.
كما أن هذا الإجراء سيقضي ولو جزئياً على ممارسات وكلاء السيارات في مصر، الذين يقومون بممارسات شبه احتكارية، وذلك بفرض زيادات غير رسمية وغير محددة أو ما يُعرف (بالأوفر برايس) تضاف على الأسعار الحقيقية للسيارات مقابل سرعة التسليم للمشتري، هادفين من وراء ذلك تحقيق أرباح إضافية فوق أرباحهم المعروفة
ولهذا فإنهم لا يتورعون عن إلغاء الكثير من حجوزات البيع السابقة ورد المبالغ لأصحابها مع دفع تعويض بسيط عن فترة الانتظار( حيث أن الزيادات الجديدة التي يفرضونها تغطي هذا التعويض البسيط وتحقق أرباح أعلى).
وأيضاً فإنه بموجب هذا الإجراء سيتحقق التوازن في سوق السيارات نتيجة دخول أعداد كبيرة من السيارات تعوض النقص الذي حدث في الإمدادات بسبب تخفيض معظم الشركات المصنعة للإنتاج والذي ترتب عليه تقليل حصص التصدير لمعظم الدول، وبالتالي سيترتب عليه انخفاض في أسعار السيارات بشكل عام، وفي سعر فئات السيارات الفاخرة وذات السعات العالية الأكثر من 2000 سي سي بشكل خاص.
وقد يكون من المفيد أن اقترح بأن “كل مغترب يرغب في إدخال سيارة للبلاد عليه سداد كافة الرسوم ومصروفات الاستيراد بالدولار، مع استحداث رسم دولاري على كل سيارة بقيمة تقدر من 2000 إلى 3000 دولار” وفي هذه الحالة تصبح الحصيلة الدولارية ملك للخزانة العامة في التو والحين، ولن تكون الدولة ملزمة بردها لأحد، عكس الودائع المجمدة التي ستحصل عليها من المغتربين والتي تعتبر قرض دولاري مؤجل السداد، وستكون ملزمة بردها بعد 5 سنوات.