الباب العاشر : اختيار الرعاة
إن اختيار بطريرك للكرازة، أو اسقف لإيبارشية، أو كاهن لكنيسة، أو شماس مكرس، أو عضو فى لجنة كنيسة، أو حتى خادم لفصل من فصول التربية الكنسية، أو لرعاية فقراء الكنيسة، أمر فى غاية الأهمية والخطورة، لذلك ينبغى أن نطمئن تماماً أنه اختيار إلهى أولاً وآخراً.
قد ينادى البعض بمبدأ أنه ينبغى أن يكون هناك إعداداً اكليريكياً للرعاة على كافة المستويات.
وقد ينادى البعض بمبدأ : أنه من حق الشعب أن يختار راعيه.
ولكن الذى يحدث فى الواقع هو أن كل مسئول عن الخدمة يختار الشخص الذى يجد نعمة فى عينيه هو، ويقيمه على عمل الرعاية، فتتلون الخدمة كلها بطابعه الخاص من شخصيات تدور فى فلكه، وهذا للأسف يدعم رزيلة التحزب فى الكنيسة.
ـ* فصل (1) هل يختار الرعاة من دارسى الإكليريكية؟
قد يكون هذا أحد الشروط ـ وليس كل الشروط ـ التى يجب توافرها فيمن يُختار لعمل الرعاية، لكى نضمن أن يكون للراعى المعرفة الأساسية فى العقيدة المسيحية والدراسات الكنسية، فكل راع ينبغى أن يكون ملماً بالدراسات الإكليريكية ولكن ليس كل دارس اكليريكى يصلح أن يكون راعياً.
لأن هناك شروطاً أخرى يجب توافرها.
كما أن الدراسة نفسها تنقصها الجدية والالتزام.
ولنا أن نتساءل: هل لا يوجد فى الكنيسة القبطية كلها اساتذة متفرغون يُطمَئن اليهم، ويعطون كل وقتهم وجهدهم للقيام بالرسالة الإكليريكية على أكمل وجه؟ هل نضبت إمكانيات الكنيسة عن أن يكون لها إكليريكية بمعنى الكلمة؟.
فصل (2) الشروط التى يجب توافرها فى الراعى عند الإختيار:ـ
لم يحدد الكتاب المقدس ـ وكذلك تقاليد الكنيسة ـ ما هى الجهة التى تختار الرعاة وإن كانت المسئولية الأولى تقع على واضعى اليد، ولكنه حدد شروطاً ثابتة فيمن يختارون رعاة يتحتم الإلتزام بها:
أولاً : أن يكون ملتزماً فى حياته بالوصايا والسلوكيات المسيحية، من الزهد غى الدنيويات، والتمسك بالمحبة والاتضاع والوداعة، مدبراً بيته تدبيراً حسناً، وله شهادة حسنة من الجميع.
ثانياً : أن يكون صالحاً للتعليم، عاكفاً على العلم الإلهى، وقادراً أن يعلم الأخرين أيضاً.
ثالثاً : أن يكون له الإختبار المسيحى العملى ـ ذاق شخص المسيح المبارك، واختبر النعمة بعمق فى أسرار الكنيسة.
وقد انشرح قلبه لحياة العبادة والتسبيح، واستنار عقله وقلبه بكلمة الإنجيل وله شركة الحياة السمائية.
رابعاً : بجانب كل هذا، يوصى الكتاب المقدس أن لا يكون الراعى حديث الإيمان لئلا يتصلف، كما يوصى بأن يتدرج الراعى فى مسئوليات الرعاية، فالذين تشمسوا حسناً يؤهلون للكهنوت … والقاعدة العامة: “كنت أميناً فى القليل، أقيمك على الكثير …”.
خامساً : قبل الإختيار يجب أن ترفع صلوات وابتهالات إلى الله.
مع فرض أصوام كى يحدد الرب بنفسه من هم الفعلة الذين سيرسلهم إلى حصاده. “فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده” (متى38:9).
فصل (3) هل للشعب أن يختار راعيه؟ـ
قد يكون المناداة بهذا المبدأ كسباً لقلوب الجماهير، وإبهاراً ديمقراطياً ذكياً.
رغم أنه لا يستند إلا على آية واحدة فقط من سفر أعمال الرسل.
وسنحاول مناقشة ظروف هذه الآية، ولكن لنكن صرحاء مع أنفسنا ونقول: أن هذا المبدأ لا يطبق فى الواقع العملى ولا يمكن تطبيقه.
ولنعد إلى الآية.”وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ. فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا:«لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ». فَحَسُنَ هذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ، فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ، رَجُلاً مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَفِيلُبُّسَ، وَبُرُوخُورُسَ، وَنِيكَانُورَ، وَتِيمُونَ، وَبَرْمِينَاسَ، وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيًّا. اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ.” (أعمال1:6ـ6).
ولنا هنا ثلاث ملاحظات:ـ
أ ـ وضع الرسل شروطاً لمن يختارون، بأن يكون مشهوداً لهم، وممتلئين من الإيمان والحكمة والروح القدس.
ب ـ أن الإختيار كان لمجرد خدمة موائد، وليس خدمة الكلمة الإلهية والرعاية الروحية.
جـ ـ أن الذين كلفهم الرسل بالانتخاب والإختيار هم التلاميذ، وليست الأرامل اللاتى كن ستؤدى لهن هذه الخدمة.
اختيار الرسل والأنبياء والكهنة والملوك عبر كتاب الله المقدس كان بالمشيئة الإلهية، كهبة ونعمة يعدها الله ويفرزها منذ البطن.
اختار الشعب شاول ملكاً واختار الله داود حسب قلبه.
وشتان بين مملكة شاول المشحونة بالتوترات والتى زالت على الفور، ومملكة داود الإلهية التى لها كل المواعيد الروحية.
الإختيار الإلهى
كثيراً لا يرضى عنه الشعب، فقد تذمر الشعب على موسى المرسل لهم من قِبل الله، حتى فكرت كل الجماعة برجمه، فالعمل الإلهى غالباً ما ينقصه الشعبية والجماهيرية، ولكنه هو العمل المؤثر الخالد فى الأرض والسماء إلى الأبد، ألم يأت المسيح إلى خاصته وخاصته لم تقبله؟.
ومن ناحية أخرى، أن الراعى الذى يسلك باستقامة وأمانة، يحبب الله فيه شعبه، ويجعله يلتف حوله إذ يعطيه مهابة روحية، وبهاءً كهنوتياً فيفتخر الشعب براعيه ويفرح به.
كذلك يجد الراعى مسرته فى وجوده وسط شعبه.
لأن الله يكون موجوداً باستمرار فى مثل هذه اللقاءات.
أما إن سلك الراعى باعوجاج قلب، وفقد استقامته وأمانته أمام الله، فسرعان ما تنتشر أخطاؤه وسط الرعية، ويجد الإنتقادات المتوحشة موجهة إليه، ويتسرب الشك وعدم الثقة فى كل ما يقوم به من خدمات.
إلى درجة يحاول فيها الراعى أن يحمى نفسه من شعبه.
فيكف عن اللقاءات المباشرة معهم خوفا من الإحراج، وإن حدث لقاء بالصدفة تجرى الإحتياطات والاستعدادات والردود اللازمة.
وقد يُضَيِق الراعى اتصالاته بالعالم الخارجى، وبقصر مقابلاته على الذين ينتفع منهم، وحفنة من الاخصاء والسكرتاريين، ويستغل المنافقين والوصوليين وضعاف النفوس فى أن يكونوا جواسيس له على رعيته التى سيحاسب عنها أمام الله، ويضيقون الخناق عليه بتقاريرهم ويتوهم نفسه وكأنه فى غرفة عمليات حربية يفود منها معارك شرسة، محدداً قطاعات معينة من رعيته كأهداف يصب عليها نيران غضبه.
ويفقد كل حنانه الرعوى.ـ
وقد يلجأ إلى الفخفخة فى الملابس، وبالأخص أثناء الخدمات الإحتفالية، متعطشاً أن يكون له علاقات مع مسئولين ووجوه المجتمع . ليحتفظ بعامل الإبهار الشعبى الدنيوى.
حيث أنه قد فقد مهابته الروحية التى يمنحها الله لخدامه.
لا بفوته أى مناسبة تتاح له، كى يذكر الشعب بالسطوة والسلطان الكهنوتى، وسلطانه فى أن يؤذى (كأن يقول : أنا هربيهم … أنا مش هرحم …)
مربياً عند الشعب حالة من الإرهاب الفكرى !!
ولكن هيهات أن ينصلح حال الراعى وسط رعيته، ما لم يصلح الراعى قلبه أمام الله ويعود إلى الأمانة والاستقامة فى رعايته، لتكون رعاية روحية حقيقية لمجد المسيح الذى له المجد، كل المجد من الآن وإلى الأبد آمين
تم النشر عن طريق الأستاذ كمال زاخر