في البداية أرجو أن تتسع صدورنا لمناقشة موضوعية هادئة دون تعصب أو تشنج، ولا ينكر أي مُنصف الظلم والتمييز والاضطهاد والفرز الطائفي الذي تعرض له المسيحيون من كل الملل، والطوائف الدينية والعرقية التي تمثل مكونات أصيلة ونبيلة، مثل الشيعة في دول الخليج، أو العلويين في سوريا، أو البهائيين والمرشديين والسريان والإسماعيلية والزيدية والإيزيدية والكوردية وغيرها، سواء في مصر أو كل دول المنطقة المنكوبة، لكن الحل ليس بترسيخه والتشرنق داخل هويات فرعية، كالحديث عن تأسيس نادي رياضي مسيحي تتبناه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويرعاه أسقف شهير بمعاونة بعض الكهنة، استنادا لمظلومية حقيقية تتمثل بعدم منح شباب الأقباط فرصة الانضمام لفرق كرة القدم بالأندية الرياضية الكبيرة، لكن ما سيحدث لو تأسس هذا النادي فستتحول المظلومية من تهميش الشباب المسيحي، إلى اتهام الأجهزة المعنية بالرياضة وحُكّام المباريات باضطهاد النادي القبطي، الذي لن يقبل لاعبين بروتستانت ولا كاتوليك، ولا أي ملة محسوبة على المسيحية مثل “السبتيين” مثلاً، وأرجو أن نكون أكثر صراحة سيحدث هذا مادام الأساقفة والكهنة هم الرعاة وبأياديهم السلطة والتمويل و”البركة”، وأراهن أن تتراجع التدريبات مقابل تعاظم الطقوس التي لا صلة لها بالرياضة كالصلوات والصيام لأجل فوز النادي المبارك.
أندية الطوائف
وأشكر الله لرفض تأسيس هذا النادي، لأنه لو حدث سنجد الأزهر يطلب ناديا سينفق عليه المليارات، وجماعات السلفيين في كل المحافظات يطالبون بحزمة أندية، ومعهم “الجمعية الشرعية”، و”أنصار السنة”، و”التبليغ والدعوة”، والطرق الصوفية التي لا حصر لها، وبالمناسبة كل هذه الكيانات مُسجلة رسميا لدى الدولة منذ نحو قرن، وتخترق مؤسساتها بوجود موالين لها في كل مكان، وطبعا سيطالب البروتستانت بمختلف طوائفهم التي تتجاوز العشرة على أقل تقدير بأندية على غرار الأقباط، ولا أستبعد مطالبة البهائيين والشيعة والملحدين بالمرة وهلم جرا .. مش هنخلص، وتتحول الرياضة لساحة اقتتال طائفي يمزق نسيج الوطن أكثر مما هو عليه من انقسامات عميقة بين كافة أطيافه قابلة للاشتعال في أي لحظة.
مباريات طائفية
وتخيل معي أخي المواطن الصالح المهزلة عندما تصل إلى ذروتها حين يلعب النادى القبطي ضد نادي الأزهر، أو حتى نادي البروتستانت، سنرى قتالا في الملاعب والمدرجات، ثم ينتقل إلى الشارع وتتحول البلاد إلى حرب أهلية تشتعل في لحظات، ولا أعرف دولة متحضرة تسمح بوجود أندية رياضية أو اجتماعية على أسس دينية أو طائفية أو عرقية، فهذا ينسف جهود السعي لتأسيس دولة قانون أساسها المواطنة، وأدرك جيدًا إن هذا الأمل بعيد المنال لكنه ليس مستحيلاً، بل يتطلب جهودا جبارة وجيلين على الأقل لو توافرت الإرادة السياسية، لكنه الحل الوحيد والأمثل بتقديري المتواضع.
وحتى أقطع الطريق على المزايدات الرخيصة لا أحسب أنني بحاجة لشهادة “حُسن سير وسلوك”، فمواقفي واضحة ضد تصريحات ومنهج شيخ الأزهر، وهي منشورة هنا على صفحتي، ويمكنكم البحث في جوجل عن مواقفي ضد مؤسسة الأزهر برمتها، ليقيني بأنه على امتداد التاريخ كان لرجال الدين نفوذ اجتماعي وسياسي، وتلاقت مصالحهم مع الأنظمة الشمولية، التي ترى أن التفاهم مع بضعة مشايخ أو كهنة أسهل من إقناع ملايين البشر، لكن تغول رجال الدين بلغ ذروته في مصر والمنطقة عقب هزيمة 1967 التي كانت بداية طوفان مدمر لم يتوقف حتى الآن، بالتزامن مع غياب أي رؤية رسمية أو شعبية أو ثقافية للمستقبل، خاصة في دول تزعم الريادة مثل مصر، التي تراجع دورها كثيرا لصالح دويلات عضوية تافهة.
نماذج التحضر
ولا أفهم كيف تقدمت دول مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وإسبانيا، وكانت أحوالها الاجتماعية والاقتصادية في السبعينات من القرن الماضي شبيهة بأحوال مصر، لكنها تنتج الآن دخلا قومياً يتجاوز أضعاف دخل دول المنطقة مجتمعة بما فيها دول النفط، وطبعًا لم يكن المشايخ ولا الكهنة هم الذين قادوا نهضنها، إنما رجال اقتصاد وسياسية (حقيقية) وعلم ونزاهة، ويُقال كثيرًا ليس في الإسلام كهنوت، لكن هناك من يحول نفسه متمسحا بالدين إلى كاهن، وفي تلك المسافة التي يخلط فيها رجل الدين بين خطابه وبين الدين، فإن نقد رجال الدين يحوله الخبثاء مباشرة إلى نقد للدين، ويصبح أي ناقد مُعرضاً للقتل أو اتهامه بالكفر والهرطقة
ولماذا يعتقد هؤلاء أن عقول الناس مُعطلة وتحتاجه ليصلحها، أليست هذه وصاية لا أساس لها في جوهر الأديان وتاريخها، إنما انتزعها هؤلاء ووجدوا في سذاجة الناس وكسلهم عن القراءة والمعرفة ساحة خصبة لكي يجني المشايخ والكهنة شهرةً ومالاً ونفوذا، وتحولوا من “رجال دين” إلى “رجال أعمال” يمتلكون المزارع والمصانع والفضائيات والشركات وغيرها .. فأي مهزلة هذه؟!عالات وعاهاتوخلال تلك السنوات الطويلة المريرة كان لرجال الدين في بلادنا ومازال النصيب الأكبر من التسلط على خلق الله، حتى أصبح السؤال مشروعاً :
ماذا فعل بنا هؤلاء؟ لقد خربوا حياتنا تماماً وما زالوا يفعلون بمزاعم أنهم رجال الله الذين يملكون منح البركة وصكوك الغفران أو الحرمان من الملكوت وعلى حد علمي فكل هذه الأمور الغيبية هي من شأن الرب وحده، ولم يفوض فيها مخلوقًا، وليس لرجال الدين سوى الخدمة الروحية فقط دون وصاية على خلق الله، وتغول في حياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وأخيرًا الرياضية
ارحمونا وعودوا إلى صوامعكم ومساجدكم، واتركوا لنا أنشطة الحياة فنحن أدرى بمصالحنا، وأنتم باختصار “عالة” على أرزاق الناس وحياتهم، وكل واحد عنده دينه وع دينه الله يعينه.