دكتور صلاح عبد السميع يكتب للأهرام الكندى
لماذا تحولت شهادة الثانوية العامة إلى لغز أصبح من الصعب فهمه وفك رموزه حتى من قبل القائمين على الأمر ؟
لماذا أصبح نظام اختبارات الثانوية العامة بمثابة الشبح الذى يهدد الأبناء والمعلمين وأولياء الأمور ؟
الإجابة ببساطة ودون تعقيد تتمثل في :
1- غياب الرؤية وعدم وضوح الهدف .
2- عدم وضوح خارطة الطريق التي تتمثل في مقرر دراسي واضح ، نواتج تعلم معلنة للجميع يمكن القياس عليها
3- الحاجة الماسة الى تدريب المعلمين على اعداد بنوك الأسئلة وفق نواتج التعلم المعلنة .
لقد تابعت ما تم نشره من قبل معالى الأستاذ الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم ،عبر صفحتة الشخصية بشأن دعوته لعودة المدرسة الى القيام بدورها باعتبارها المحضن الذى يجب أن يعود إليه الجميع
وهى دعوة طيبة من المسئول الأول عن التربية والتعليم ، ومن لا يعرف الوزير الحالي فهو الخبير التربوى والباحث في مركز الامتحانات والتقويم التربوى بقسم التدريب ، ومن قبل هو معلم الكيمياء بمدرسة على مبارك الثانوية بمدينة دكرنس بمحافظة الدقهيلة ، وهو خريج كلية التربية جامعة المنصورة ، إذا هو خبير تربوى يعرف أين الخلل في تلك المنظومة ؟
وعلينا دائما أن نحسن الظن به ، وبأنه سوف يحاول أن يضع الحلول لمعالجة تلك الجائحة التي أصابت المجتمع بأسره ، ولكن ليس وحده بل بتعاون المجتمع .
لقد اثبتت نتائج اختبارات للثانوية العامة هذا العام وجود خلل كبيرفى آلية ونظام التقويم المبنى على أسئلة الاختيار من متعدد والتي غلب على بعضها الغموض ، وعدم الوضوح بالنسبة للطالب بل وللمعلم أيضاً ، وقد التقيت بعدد من المعلمين في تخصصات مختلفة واعربوا عن انزعاجهم لعدم وجود وضوح لطريقة بناء السؤال والهدف منه
كذلك انتشار ظاهرة الغش الجماعى نتيجة “البابل شيت” وهذا الخلل يحتاج الى علاج وإعادة النظر في نمط الأسئلة وأنواعها والاتزان النسبى لها على ضوء طبيعة محتوى ونواتج تعلم كل مادة دراسية
ونحن في بداية عام جديد ، يسأل كل معلم ممن يقوموا على تدريس مقررات الثانوية العامة ، كيف ندرس ؟
وكيف نقوم ما ندرسه ؟ أسئلة منطقية تحتاج الى إجابة واضحة ، نعم كيف أدرس منهج لا اعرف نواتج التعلم الخاصة به ؟
كيف ادرس منهج اللغة العربية على سبيل المثال ؟ كنا سابقاً نعلم أن هناك موضوع تعبير سوف نكتب من خلاله ، ونعرف أن هناك قصة ضمن مكونات المنهج ،وأدب وبلاغة ونحو
وكان هناك وضوح في المحتوى وطريقة التدريس ومن ثم طريقة التقويم ، الآن لا يوجد وضوح لطبيعة المنهج بحجة أنه يقيس المستويات العليا للتفكير والتي للأسف الشديد تظهر في صورة أسئلة اختيار من متعدد يغلب عليها الغموض .
ومن المؤكد أن غياب نواتج التعلم وعدم الإعلان عنها للجميع ، أدى أيضا إلى غموض طريقة التدريس
ومن ثم غموض التقويم ، بل أن احد تعريفات التقويم يتمثل في قياس ما تم تحقيقه من أهداف ، وبالتالي عندما لا يعرف الطالب والمعلم أهداف المقرر والتي يجب أن تصاغ في صورة نواتج تعلم واضحة ، ومن ثم تحدد طرق التدريس المقترحة ، وآليات التقويم التي يمكن للمعلم أن يمارسها مع طلابه ، تكون النتيجة هي غياب الرؤية، وعدم ضوح آلية التقويم .
السؤال الذى يجب أن يطرح على متخذ القرار وعلى الرأي العام ويحتاج الى إجابة واضحة
هل من يحدد طريقة طرح المحتوى الدراسي وآليات التقويم لكل مقرر بالمرحلة الثانوية هي الكتب الخارجية ومن يقوموا على اعدادها ؟ اذا كانت الإجابة بالنفى ، اذا نحتاج الى تحديد الجهة المنوط بها توجية المعلمين والطلاب الى كيف يتم التعامل مع المحتوى الاليكترونى أو الكتاب الرسمي للوزارة .
واذا كانت الإجابة بنعم هنا تكون الطامة الكبرى وهى أن الجميع طلاب ومعلمين يخضعوا لهيمنة منظومة بعيدة تماما عن أشراف ومتابعة وزارة التربية والتعليم ، وأن مافيا الكتاب الخارجي هي التي تهيمن وتسيطر على واقع التدريس والتقويم للطلاب من خلال ما يباع ويتم تداوله من قبل المعلمين
وكل معلم يرشح الكتاب الخارجي الذى يرى أنه الأنسب له وللطلاب وفى النهاية كل كتاب خارجى يتعامل وفق نواتج تعلم مختلفة تترجم الى أسئلة تختلف من كتاب خارجى الى آخر .
ولكى يتم مواجهة تلك المشكلات يجب أن تعود الكورة إلى ملعب متخذ القرار وعلى وزارة التربية والتعليم أن تعلن بشكل واضح وصريح عن خارطة طريق تحدد من خلالها نواتج التعلم لكل مادة دراسية ، والمحتوى الدراسي ، وطرق التدريس ، والأنشطة التي يجب القيام بها في حال خضعت للتقويم
ثم آلية وطبيعة تقويم كل مادة حسب نواتج التعلم المعلنة .
وهذا يحتاج الى توضيح
ترى ما الجهة المنوط بها الإعلان عن ذلك هل مكتب المستشار داخل الوزارة ؟
أم مركز تطوير المناهج ؟ أم مركز الامتحانات والتقويم التربوى ؟
أن الأمر يحتاج الى تلاقى الجميع بشكل سريع للتعرف على من تقع المسئولية ، وكيف يتم الإعلان عن خارطة طريق إجرائية واضحة مع بداية العام الدراسي
وقد غابت المدرسة لظروف كثيرة وغاب الفصل الدراسي لطلاب الصف الثالث الثانوى بسبب عدم وجود أماكن أحيانا وعدم كفاية اعداد المعلمين ، وأن من يخرج على المعاش لا بديل له، وأن من يدرس بدون مقابل لا يمكن أن تحمله مسئولية نجاح منظومة أو فشلها ،وبالتالي بقاء “السناتر” والتدريس المنزلى بالنسبة لطلاب الصف الثالث الثانوى حقيقة يجب أن يتقبلها الجميع ولو مؤقتا حتى يعاد النظر تدريجيا في المنظومة التعليمية
وفى اعداد المعلمين ، وأهمية الاهتمام بالمعلم ماديا ومعنويا كما أعلن عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” في خطابة أمام الأمم المتحدة فيما يخص التعليم باعتباره الهدف الرابع ضمن خطة التنمية المستدامة لإنقاذ العالم .
لكى يعود الطلاب إلى المدرسة وتعود المدرسة الى الطلاب والى المجتمع يجب أن يتعاون الجميع
يجب أن تعود الثقة بين الوزارة والمجتمع ، ويجب أن تجهز المدارس ، ويتم اعداد المعلم بشكل جيد معنويا وتربويا واكاديميا
وتضع الدولة المعلم في المكانة اللائقة له ماديا ومعنويا كما تفعل الدول المتقدمة مثل سنغافورة ، وفلندا وألمانيا ،
وهذا يحتاج الى وقت وخطة بعيدة المدى ولن يتم بين ليلة وضحاها، المهم أن تبدأ الوزارة وأن تعلن عن البداية .
يجب أن نشجع متخذ القرار وأن نساعده على اتخاذ القرارات التي تساهم في تربية وتعليم الأبناء بالمعنى الحقيقى
وأن نبتعد عن لغة السخرية والنقد دون أن نقدم حلول بديلة .
وعلى أولياء الأمور أن يعلموا أنهم جزء من المشكلة عندما لا يشاركوا في تحفيز الأبناء وترغيبهم في الدراسة
وعندما لا يشجعوا الأبناء على الانتظام والذهاب إلى المدرسة .
وفى المقابل على المعلمين ومدراء المدارس بذل الجهود المخلصة والتعامل مع الأبناء بحب ، وإلا يبخلوا على الأبناء بالشرح والتوضيح لكل معلومة ضمن محتوى المنهج
وعلى الموجهين أن يمارسوا دورهم الحقيقى في تدريب المعلمين وتوجيههم بشكل تربوى
ويأتي دور الوزارة ووزير التربية والتعليم أن يحفز الجميع نحو العطاء وتحمل المسئولية
وأن يساهم بدور فعال من خلال تبنى الحكومة قضايا المعلم ورعايته ماديا ومعنويا وصحيا باعتباره الركن الأصيل في تعليم وتربية الأبناء .
وأخيرا على الجميع أن يعى أن منظومة التربية والتعليم تحتاج إلى مشاركة فعالة من المجتمع ، ورغبة صادقة من قبل الوزارة في التطوير ، ومعالجة الأخطاء، ومصارحة الرأي العام
وأول ما يجب القيام به بشكل اجرائى مع بداية العام الإعلان عن خارطة طريق واضحة لنظام التدريس والتقويم لطلاب المرحلة الثانوية والمعلمين بعيدا عن الغموض الذى يهيمن على نظام الامتحانات الحالي
وأن البداية تكون مع توصيف واضح للمقرر الدراسي ،وتحديد لنواتج التعلم وطريقة إعداد وصياغة الاختبارات وفق نواتج التعلم المعلنة
وتدريب المعلمين على ذلك ومن هنا تكون البداية مع المعلم الذى يعرف ما المطلوب منه عندما يدرس وعندما يقوم ؟
احسنت يا دكتور . سدد الله خطاكم