الثلاثاء , نوفمبر 5 2024
الدكتور خالد منتصر والدكتور جمال البنا

الدكتور خالد منتصر يتحدث عن جمال البنا

عرفت المرحوم جمال البنا عن قرب وسجلت معه حلقات كثيرة حول كتبه وأفكاره وشخصيات المجددين فى الفكر الإسلامى، وكان رجلاً عف اللسان هادئ الطباع خفيض الصوت لا يجيد ألاعيب الخداع والمراوغة والنفاق

استغل بعض أشرار الإثارة الإعلامية طيبته وحسن نيته فى محاولة نصب فخاخ إعلامية له فى جريمة اغتيال معنوى لدغدغة مشاعر البسطاء الذين يأخذون الدين بالظاهر والطقوس والقشور، وكنت دائماً أحذره من هذه الفخاخ التى تعوقه عن مشروعه الفكرى الكبير وتثير قنابل دخان وزوابع غبار وتشويش ضباب عن أهم أعمدة بنائه التجديدى الفذ وتغرقه فى معارك جانبية خطط لها من يريدون قتل هذا المشروع لأنه يفضح تجارتهم بالدين وابتزازهم لمشاعر المسلمين بأفكار مغلوطة متطرفة

ولكن حسن نيته المزمن كان يوقعه فى شراكهم العنكبوتية، كان جمال البنا شوكة فى حلق من يريدون ابتلاع مصر سياسياً عن طريق تخديرهم بشعارات دينية الرب والإسلام منها براء.

جمال البنا كان التواضع يسير على قدمين، لم يكن يطمع فى متاع الدنيا، كان زاهداً فى كل أضوائها المبهرة التى يسيل لها لعاب الجميع وعلى رأسهم دعاة الفور باى فور المؤلفة جيوبهم الذين يتزوج كل منهم أربعة من الجوارى الحسان ويذهب مع رحلات بيزنس العمرة والحج ليعود بالقناطير المقنطرة والهدايا المغندرة ويحصد الملايين من برامج الفتة والفتنة ورنات أدعية المحمول وجلسات وعظ رجال الأعمال وصالونات الأرستقراطيات المخمليات!!

لم يكن من هذا النوع المتهافت على الدنيا أبداً، كان بلا زوجة وبلا سيارة، يسكن بيتاً متواضعاً تحتله الكتب فلا تجعلك تستطيع السير فى طرقاته، يطبع كتبه على حسابه حتى يستطيع أن يقول كلمته بدون ضغوط ناشر أو مؤسسة، كان يعيش كصوفى متبتل يحلم بالسكينة والراحة، وعلى عكس هدوئه فى الحياة كان عاصفة وبركاناً هادراً فى كتبه وأفكاره، صادماً يحرك البركة الراكدة الآسنة للفكر التقليدى الذى يرفض الاجتهاد والتجديد

كان تيار التزمت يكرهه ويعاديه بعنف ويسب ويشتم ويجرح فيه لأنه كان يخلخل نظام البيزنس الذى يرتزقون منه، كان يدعو إلى أن ننهل من النبع الصافى للدين قبل أن يكرس تجار الدين وتيارات التخلف لتحويله إلى مؤسسة احتكارية هم فقط الذين يملكون مفاتيحها وشفرتها وصكوك جنتها ويغسلون أدمغة البسطاء بأن المرور إلى الجنة لا بد أن يكون من خلالهم فقط، لذلك كانت محاولات الاغتيال المعنوى للبنا واختزاله فى سفاسف اقتُطعت من سياقها وشُوهت لإلهاء الناس العاديين عن النظر إلى أفكاره الأساسية العظيمة من تجديد التفسير وتجديد الفقه

وتجديد فهم الأحاديث والتعامل مع متنها لا مع سندها فقط وعدم الرعب من فزاعة «انت حتفهم أحسن من الفقهاء القدامى العظام؟»، فهم عظام نعم وعلينا احترامهم نعم ولكن ليست لهم قداسة وعصمة الأنبياء، وكما هم عظام على مقاس عصرهم فما هو متوافر بين أيدينا من إمكانيات علم ومناهج بحث يجعلنا نملك الجسارة على أن نبحث وننقب ونجدد. رحمك الله يا صديقى الذى واراه التراب جسداً ولم يوارِه فكراً.

شاهد أيضاً

نجيب محفوظ ومقهاه وخان الخليلي ووطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي جسد الروائي العالمي نجيب محفوظ العديد من أعماله الأدبية من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.