لطالما حضرت كمترجم في العديد من مقابلات طالبي اللجوء إلى بريطانيا من دول المناطق التي مزقتها الحروب في الشرق الأوسط كسوريا والعراق واليمن.. مقابلات تشهد أحداث أقل ما توصف بأنها مُبكية ومفزعة. قصص درامية ومرعبة واجهتها تلك العائلات في بلادها قبل أن تلوذ بالفرار من الحروب وويلاتها.
جاءت هذه العائلات لكي تحتمي من فزع الحروب وذعر الأوطان.
ضحّت بكل شيء لتضع مستقبلها ورهانَ حياتها على هذه المجازفة والمخاطرة التي ستقرر حياتها وحياة أبنائها من بعدها إلى بلاد أيضًا تعُج بالفتن والتحديات.
كنت بالأمس في إحدى تلك المقابلات، وفي نهاية المقابلة، سألت موظفة الهجرة والطبيبة النفسية إحدى الأخوات اللاجئات من سوريا بعد أن قصّت لهما ما تعرضت له هي وعائلتها جرّاء الحرب في سوريا
وكيف أنها لم ترى اثنين من أولادها طيلة خمس سنوات: ماذا تريدين، كيف أساعدك؟
قالت لها بدون تردد أو تفكير، أريد منكِ حذف ذاكرتي إن كنت تستطيعين القيام بذلك، أُريد أن أنسى كل شيء، ثم انفجرت في البكاء هي وابنتها التي لا يتجاوز عمرها السادسة عشر عامًا!!
مواقف شبيهة أخرى ليس بمقدور المرء نسيانها والتغافل عنها لا يتسع المجال لذكرها، منها موقف لست أنساه لسيدة يمنية طاعنة في السن يتجاوز عمرها السبعين عامًا تحاول تقبيل يد أحد المحامين وموظف من موظفي الهجرة في المقابلة إعتقادًا منها بأن ذلك من شأنه أن يعزز من موقفها في طلب اللجوء والاحتماء في بلاد العم سام من غدر الأوطان التي دمرتها الحروب.
الأمر المثير حينما يُعلن الموظف المختص قبول طلب العائلة للجوء، وتنهمر دموع الفرح وتنطلق كلمات الشكر والامتنان وكأنهم حصلوا على أرفع الأوسمة أو دخلوا جنّات عدن.
ما يحتويه فكري ويجول في صدري في تلك اللحظات هو السؤال الذي لا مفر ولا مكر منه: لو أن هذه العائلات كانت آمنة مطمئنة في أوطانها، هل كانوا سيركبون البحر ويغامرون بأهليهم وذويهم لمصير مجهول؟؟!! بالطبع لا.
صدق رسول الله ﷺ في قوله« مَنْ بَاتَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا»ورحم الله من قال” لا تقتلوا أسود بلادكم فتقتلكم كلاب أعدائكم”ربنا ينتقم من الظالمين عاجلًا غير آجل ويجنب بلادنا الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن ويقيها سوءآت الحروب ويفرج عن كل مكروب في هذا العالم المقيت.