حتّى أوائل القرن التاسع عشر لم تكن هناك سوى دولتين في منطقة الخليج العربي بالمعنى السياسي وهما فارس وسلطنة عمان.
ومع مرور السنوات بدأت تظهر بجوار هاتين الدولتين قبائل أصبحت ذات شأن، ولعل أهم تلك القبائل هي قبائل العتوب والقراصنة.
وقبيلة العتوب ظهرت أول ما ظهرت على سواحل الخليج عام “1716” بعد الجفاف والفقر الذي اصاب الجزيرة العربية في ذلك الوقت، ولم تكفِ هذه القبيلة المدينة التي استقرت فيها على ساحل الخليج والتي لم تكن تتعدى ميناء لمدينة لبناء السفن فانتقل من هذه القبيلة فرعان هم آل خليفة والجلاهمة إلى شبه جزيرة قطر سنة 1766، وبانتقال الجلاهمة وخليفة أصبح لقبيلة العتوب سيطرة على الجزء الساحلي من الكويت حتّى قطر وعلى جزر البحرين.
وأصبح لقبيلة القراصنة ومنهم القواسيم سيطرة على المنطقة الممتدة من قطر حتّى شمال سلطنة عمان.
وقد أيقظ الموقع الجغرافي لتلك الجزر أطماع الأسر العربية في حكمها، وجاءت أول الفرص إلى آل خليفة بعد وفاة حاكمها كريم خان الزندي فطلب محمد ابن خليفة من الشاه توليه حكم هذه الجزر
فقبل الشاه هذا العرض على أساس أن يدفع له الحاكم العربي جزية سنوية ولما عادت الفوضى والاضطرابات إلى بلاد فارس صادف ذلك حكم شخص طموح من آل خليفة هو أحمد بن محمد والذي استولى على البحرين في يوليو “1783”.
وحدد أحمد بن محمد الحاكم الجديد استراتيجية منذ البداية على أساس الالتصاق بالقوى الكبرى بشرط ألا تحل محله في الحكم.
لذا فبمجرد ظهور بريطانيا كقوة في الخليج العربي وقع معها معاهدة تحالف عام “1784”.
ولم تكن القبائل العربية التي ظهرت والتي خرجت من بطن قبيلة العتوب متماثلة في حظوظها، فعرفت بعض القبائل حياة الفقر والقحط، الأمر الذي دفع بعضها إلى الالتجاء إلى أعمال القرصنة لكي تستطيع أن تعيش
قبيلة القواسم
وكان أبرز تلك القبائل هي قبيلة القواسم والتي ظهرت كقوة مناوئة للملاحة في الخليج في منتصف القرن الخامس عشر، ولم تكن توجد وقتها قوة تستطيع فرض احترامها على سفنها.
ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ منحى قبيلة القواسم ونجمها يصعد إلى أعلى بحيث أصبحت القرصنة إحدى وسائل القبيلة لفرض سيطرتها على القبائل الأخرى.
تحالف القواسم والوهابين
ومع عام 1803 تحالف القواسم والوهابين ووجد القراصنة مبرراً لأعمالهم واعتبروا أن أعمالهم تدخل ضمن أعمال الجهاد وغلفت بمبرر شرعي، واعتنق القواسم العقيدة الوهابية والتي كانت بمثابة دافع قوي إليهم لدرجة أن قوتهم البحرية بلغت “93” سفينة من الحجم الكبير و800 سفينة من الحجم الصغير، وهي قوة بحرية لا يستهان بها في ذلك الوقت.
التفوق البحرى للقواسم
وأغرى هذا التفوق البحري القواسم للإغارة على الدول الكبرى في الخليج مثل سلطنة مسقط وقتل حاكمها لدرجة أن النزاع قد دب بين أهل السلطنة حتّى اضطر أحد المتنازعين على العرش أن يعلن تبعيته إلى ابن سعود.
وقد حدد القواسم استراتيجيتهم منذ البداية على تجنب التعرض للسفن التي تحمل العلم البريطاني وكانت تكتفي بالاستيلاء على السفن الصغيرة ولكن بمجرد التحالف مع الوهابيين تشجعوا على مهاجمة السفن البريطانية لدرجة أن المعتمد البريطاني في منطقة الخليج أرسل إلى حكومة الهند الشرقية ينبه إلى خطر القواسم.
الإنجليز يريدون التخلص القواسم
وفي عام 1808 حدثت واقعة جعلت الإنجليز يصممون على ضرورة التخلص من القواسم فأثناء رحلة الجنرال ملكولم إلى فارس استولى القواسم على طرّادين كانا في الرحلة، الأمر الذي اعتبرته بريطانيا تهديداً لدور الشرطي الذي قررت أن تلعبه في منطقة الخليج، لذا فقد تقرر تجهيز حملة بحرية بقيادة الأدميرال وتيرايت وحددت له أهدافاً معينة وهي تدمير مراكز القرصنة والبحث عن أنسب جزيرة لإقامة قاعدة بريطانية ثابتة.
وبدأ تنفيذ المخطط في أكتوبر “1809” حيث خرجت من بومباي ثلاث سفن بحرية وثلاث معدات وبدأت تطوف مراكز القراصنة، وهذه الحملة أدت إلى اختفاء القراصنة لمدة عامين من منطقة الخليج ولكن سرعان ما عاد القواسم مرة أخرى عام “1811” ولكن تحت شعار الجهاد، وقرروا تخطي مرحلة الإقليمية والإغارة على ممتلكات بريطانية حتّى وصلوا إلى الساحل الباكستاني ومهاجمة السفن البريطانية على بعد 60 ميلا من بومباي.
وقد أحس البريطانيون بقوة القواسم عقب تحالفهم مع الوهابيين وتجنبوا منذ البداية التعرض للوهابيين، ولما فشلت رحلة السيد بروس للتفاهم معهم عام “1816”، تقرر وبشكل جدي استخدام القوة للتخلص نهائيا من القواسم.
وفي عام “1818” كانت بريطانيا قد تمكنت من إخضاع اتحاد المهراتا بعد حرب طاحنة في شبه الجزيرة الهندية عام 1818 ووضعت اختيارات وبدائل القضاء على القواسم.
وكان أهم هذه الاختيارات هو الاكتفاء بتدمير مراكز القرصنة وعدم التدخل في الشؤون السياسية إلى قائل بضرورة رسم خريطة جديدة للخليج.
وفي أبريل عام “1819” استقر الرأي على المبادئ الآتية:
1 ـ احترام الأوضاع السياسية الداخلية في الخليج فلا تتدخل بريطانيا لصالح أحد الرؤساء إلا إذا طلب منها ذلك.
2 ـ لا يجب على الهند تشجيع الأتراك على بسط نفوذهم في منطقة الخليج بعد أن استولى إبراهيم باشا على نجد وجميع البلدان التابعة للوهابيين.
وعلى ضوء هذه القرارات خرجت حملة بحرية كبرى من بومباي في 3 نوفمبر سنة “1819” لتنفيذ التوصيات، ووصلت الحملة إلى هدفها الأول في رأس الخيمة في أوائل ديسمبر سنة “1819” بتدمير قوة القواسم ووقعت معاهدة مع شيخ القواسم صالح بن صقر جاء فيها:
1 ـ يتعهد شيخ القواسم بتسليم السفن الحربية الموجودة في رأس الخيمة أو في الشارقة وأبو ظبي.
2 ـ يتعهد الإنجليز بألا يدخلوا أحياء القبائل بغرض تخريبها.
3 ـ يرد العرب مالديهم من أسرى من الرعايا البريطانيين، ورغم ذلك لم يكن في وسع