الأحد , ديسمبر 22 2024
صلاح عبد السميع
دكتور صلاح عبد السميع عبد الرازق

نحو إعادة الثقة بين المجتمع ووزارة التربية والتعليم (2)

صلاح عبد السميع يكتب للأهرام الكندي

تعد المدرسة بمثابة البيت الثانى للمتعلم بعد الأسرة، فيها يتعلم المهارات الحياتية إضافة الى مهارات القراءة والكتابة، وفيها يعرف معنى الانتماء للأسرة وللمجتمع وللوطن بل وللأمة والعالم أجمع ، في المدرسة يمارس الأبناء النشاط ، وتنمو معه قيم جميلة شعارها الحب والعمل الجماعي ، والعطاء ، والتسامح ، والشجاعة ، وقول الصدق ..الخ من القيم الجميلة التي لا يمكن اكتسابها او تنميتها بشكل جمعي الا من خلال البيئة المدرسية الفعالة.

كل ما سبق ليس الا جزء من كل يتشكل وينمو مع نمو الأبناء وانتقالهم من مرحلة الى أخرى داخل المدرسة التي تؤدى دورها كمؤسسة تربوية حقيقية، تنطلق من رؤية تعكس فلسفة تربوية معلنه تتبناها وزارة التربية والتعليم ، تلك الفلسفة لا تتأثر بتعيين وزير ورحيل آخر ، لأنها تهدف الى تحقيق رؤية واضحة لا تتغير بتغير الأفراد

من هنا فإن المدرسة تلعب دورا كبيراً  في تربية الأبناء ، ورعايتهم و تشكيلهم معرفيا ، ومهارايا ، ووجدانيا ، لكى يصبحوا نماذج تمتلك القدرة على البناء الحضاري ، انطلاقا من وعيهم بطبيعة دورهم في المجتمع ، وباعتبارهم عناصر فاعلة ومؤثرة  يجب استثمارها بشكل إيجابي لخدمة انفسهم أولا ومن ثم خدمة اوطانهم .

كل ما سبق يمثل ما يجب ان تكون عليه المدرسة الفعالة التي نريدها واقعا في مجتمعاتنا ، ولكن بالنظر الى الواقع

نجد ان المدرسة قد غابت منذ سنوات عن أداء دورها المنشود ، تحولت أماكن ممارسة الدروس الخصوصية والتي يطلق عليها ” السناتر “الى مدارس يتواجد فيها الطلاب والمعلمين بينما تغيب الممارسات التربوية وتغيب الإدارة المدرسية، ويغيب مفهوم المدرسة الحقيقي ، ليست الا شقق سكنية تحولت الى صفوف مدرسية مجهزة بشاشات عرض للتدريس

لا تتعجب إن رأيت عشرات الطلاب يجلسون في مكان واحد أمام معلم يشرح الرياضيات أو غيرها من المواد التطبيقية العملية  للمرحلة الثانوية العامة، قد يصل عدد الطلاب في حصة واحدة الى ما يزيد عن مائة طالب وطالبه، وكل معلم حسب شهرته، وكلما زادت الشهرة ، زاد عدد الطلاب داخل “السنتر”.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الذى يستفيده الطالب من كونه يتنقل من سنتر الى آخر ومن معلم الى معلم آخر طوال اليوم؟ هل بالفعل تحدث عملية التعلم التي تنعكس على فكره وتنمى مهاراته وتشكل وجدانه؟

عليك أن تسأل اى طالب أو طالبة انتهى من دراسة المرحلة الثانوية وعقب اعلان النتيجة، ما الذى استفدته بشكل حقيقي وانعكس على شخصيتك، وما أهم المعلومات التي بقيت في عقلك حتى الآن؟ الإجابة لا شيء، نعم تلك هي إجابات غالب الطلاب.

ملايين تصرف سنويا على الدروس الخصوصية من قبل أولياء الأمور، ولا يوجد عائدا حقيقيا عن تربية حقيقية وتعليم حقيقي.

فما الحل إذا كانت تلك ضمن المشكلات التي تحتاج الى حلول؟

المقترح الأول

أول مقترح يمكن القيام به يتمثل في إعادة الثقة بين الوزارة وبين أولياء الأمور من خلال مناهج تتناسب وقدرات الأبناء وفى الوقت نفسه تتفق مع طبيعة التطوير المنشود والرؤية المستقبلية، اما التطوير الذي يذهب الى تغيير المناهج الدراسية دون مشاركة حقيقية من قبل الرأي العام، وتعبير حقيقي عن فلسفة وقيم المجتمع، فهذا يعتبر خروج عن النص، وزيادة في فجوة العلاقة بين الوزارة والمجتمع.

إذا يجب أن يكون تطوير المناهج الدراسية على ضوء أسس بناء المنهج، ومن خلال مشاركة جادة من قبل كل فئات المجتمع ومشاركة المتعلمين والمعلمين بشكل فعال، بعيدا عن التطوير المزعوم داخل الغرف المغلقة أو بعيداً عن الرأي العام.

المقترح الثانى

ثاني المقترحات يتمثل في ضرورة تدريب المعلمين على مهارات التدريس الفعال، وكذلك تدريبهم على آليات التقويم الشامل ،وان يصبح التدريب قيمه أساسية وفلسفة مستمرة يتم من خلالها تقويم أداء المعلمين ، وكذلك اعتبار التدريب ضمن متطلبات الرخصة المهنية للمعلم، والا يسمح بممارسة التدريس داخل أو خارج المدرسة الا لمن يحمل تلك الرخصة وفق دورات معتمدة تنفذ في المحيط الجغرافي للمعلمين ، أو عبر المنصات الاليكترونية، يمنح في نهايتها المتدرب شهادة اجتياز برنامج تدريبي، ويتم تقويم أداء المعلم وفق معايير واضحة ومعلنة للتعرف على مدى امتلاكه لمهارات التدريس الفعال.

المقترح الثالث

ثالث المقترحات: قد يكون صعب التنفيذ في الوقت الحالي نتيجة عدم توفر الأعداد الكافية من المعلمين، ولكن يجب أن يعود الأبناء تدريجيا الى المدرسة، وان تعود المدرسة الى الأبناء، من خلال تقديم أنشطة حقيقية تترجم الى درجات يحصل عليها الأبناء ، والقاعدة تقول مدرسة بلا نشاط حقيقي يمارس ليست مدرسة “، وطالب لا يحصل على تعزيز يترجم الى درجة تضاف الى المجموع لا يمكن ان يتفاعل ولا ان يشارك بشكل فعال.

المقترح الرابع

رابع المقترحات: في غياب توصيف المقرر الدراسي وتراجع الكتاب المدرسي عن المشهد، فإن الحديث عن مافيا الكتب الخارجية وشارع الفجالة بالقاهرة الذي أصبح هو البديل عن قطاع الكتب في الوزارة، حيث يتسابق الطلاب واولياء الأمور الى شراء الكتب الخارجية بمئات الجنيهات لكل مقرر دراسي.

ولقد قامت الوزارة بتوزيع ” تابلت على كل طالب ” الهدف منه ان يستخدم في الاطلاع والمذاكرة والبحث، ولكن للأسف الواقع يشير الى غياب توظيفه بشكل فعال من فبل الطلاب والمعلمين، وهنا يطرح السؤال ما البديل اذا؟

الإعلان عن توصيف المقررات ويصبح كل طالب وكل معلم على علم مسبق بأهداف المقرر، ثم يدرب الجميع على صياغة الأهداف ومن ثم صياغة الأسئلة والاختبارات بشكل فعال، وان يعود دور مركز الامتحانات والتقويم التربوي من خلال تكليف لجان متخصصة على درجة عالية من الكفاءة العلمية والتربوية ، وعلى وعى تام بمحتوى المادة الدراسية ، بالمشاركة في  اعداد بنوك الأسئلة التي تتناسب مع نواتج التعلم لكل مادة، إضافة الى اعداد كراسة الأنشطة وتتاح إلكترونيا للمعلمين وللطلاب. على ان تعقد ورش عمل لتدريب المعلمين والموجهين على صياغة الأسئلة واعداد الاختبارات بشكل فعال.

المقترح الخامس

خامس المقترحات: تفعيل دور المنصات التعليمية الاليكترونية وكذلك القنوات التعليمية في شرح المقررات الدراسية، من خلال انتخاب نخبة من المعلمين المتخصصين والأكفاء في مجال التخصص وكذلك مهارات التدريس الفعال ،على ان يتم شرح المنهج وفق نواتج التعلم المعلنة ، وان تعكس طرق التدريس أهداف المادة ، وان تكون هناك نماذج من بنوك الأسئلة يتدرب الطالب عليها ، بل تكون أيضا ضمن متطلبات تدريب المعلمين ،ومن المهم هنا الإشارة الى ضرورة تفعيل دور السبورة الذكية من خلال تدريب المعلمين على استخدامها بشكل فعال.

وللحديث بقية نحو إعادة الثقة بين المجتمع ووزارة التربية والتعليم.

لقراءة الجزء الأول تابع اللينك

شاهد أيضاً

المغرب

مهرجان الفوضى الخلاقة ؟

نجيب طـلال كــواليس الفـوضى : ما أشرنا إليه سلفا حول المهرجان الوطني للمسرح (؟)(1) اعتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.