الأحد , ديسمبر 22 2024
الدكتور أحمد صالح

حجر رشيد ( الجزء الخامس )‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ الديموطيقية أول خطوات فك شيفرة اللغة المصرية

في مراحل فك شيفرة حجر رشيد تم اختيار اصعب نص في بداية فك شيفرة اللغة المصرية وهو النص الديموطيقي ، فقد كتب بأحرف صعبة ومركبة ، ولم يكن معروفا فيما لو ان الثلاثة نصوص بحجر رشيد تمثل ترجمة دقيقة لنص واحد ام لا ؟! وكانت خطة فك الشيفرة تعتمد علي عملية حسابية ورياضية وهي البحث اولا عن الحروف المكررة في النص اليوناني ثم البحث عن أماكنها في النص الديموطيقي.

والديموطيقية هي خط من خطوط اللغة المصرية القديمة ظهر بعد مرحلة اللغة المصرية في العصر المتأخر وتطور عنها وهي تسبق اللغة القبطية ، ومصطلح ديموطيقي مشتق من الكلمة اليونانية ” ديموس” اي شعبي ، وكان اول من استخدم هذا المصطلح هو هيرودوت ، ومن المعروف ان المصريين استخدموا هذا الخط حوالي الف سنة ، وكان يقرأ ويكتب من اليمين لليسار ، وفي زمن كتابة نصوص حجر رشيد وهو العصر البطلمي اطلق علي الديموطيقية المنتشرة في هذا العصر ” الديموطيقية الوسطي ” وهي ازهي عصور الكتابة بالخط الديموطيقي.

بدأت حكاية فك الرموز بالنص الاوسط وهو ما يطلق عليه النص الديموطيقي ( ١٨٠٢ – ١٨١٠ ) ، لانه نص مكتمل ، اما النص الذي يعلوه ( الهيروغليفية ) فهو غير مكتمل ، والنص الديموطيقي بحجر رشيد هو ٣٢ سطر ، وتعرض الجزء الايمن من النص لبعض التلف.

ويعد الفرنسي جان جوزيف مارسيل هو أول شخصية تعاملت مع النص الديموطيقي ، وكان يري ان الخط الديموطيقي هو “حروف متصلة للغة المصرية القديمة” اي انه اشبه بحروف الرقعة ، وهو يشبه حروف رآها في نصوص شبيهة علي البردي ، وتعاون مارسيل مع فرنسي اخر يدعي لويس ريمي رايج في مقارنة النص الديموطيقي بالنص اليوناني ، وخمن الاثنان مواقع أسماء الاعلام في النص الديموطيقي بناءًا على مكان هذه الأسماء في النص اليوناني ، وتمكنا من تحديد حرفي ب و ت باسم بتلميوس (بطلميوس ) ، لكنهم لم يحرزا أي تقدم إضافي.

كان الشخصية الثالثة التي ركزت علي النص الديموطيقي هو اللغوى الفرنسي أنطوان إسحاق سيلفستر دي ساسي ، وربط دي ساسي النص اليوناني بالنص الديموطيقي .

وبناءً على بلوتارخ ، افترض أن هذا النص يتكون من ٢٥ علامة صوتية. وبحث دي ساسي عن أسماء علم يونانية داخل النص الديموطيقي وحاول تحديد العلامات الصوتية داخلها ، وعرف شكل كتابة اربعة كلمات في النص الديموطيقي وهي :”بطلميوس” و “ارسينوي” و”الاسكندر” و”الإسكندرية”.

وأدرك دي ساسي أن هناك أكثر من ٢٥ علامة في الديموطيقية وأن النص الديموطيقي ربما لم يكن ترجمة قريبة للغة اليونانية ، مما يجعل المهمة أكثر صعوبة ، وبعد نشر نتائجه في عام ١٨٠٢ توقف عن العمل على الحجر.

والشخصية الرابعة هو دبلوماسي سويدي يدعي ديفيد آكربلاد والذي تمكن من تحديد جميع الأسماء الصحيحة في النص الديموطيقي في شهرين فقط ، واستطاع أيضًا قراءة كلمات مثل “يوناني” و “معبد” و “مصري” ، واكتشف قيمة الصوت الصحيحة من ١٤ علامة ديموطيقية من أصل ٢٩ علامة ، لكنه اعتقد خطأً أن الحروف الديموطيقية هي أبجدية كاملة وظل اكربلاد اسيرا لهذا الخطأ حتي النهاية.

ولكن جهود آكربلاد في مقارنة الديموطيقية بالقبطية ستعتبر فيما بعد مفتاحًا لشامبليون في فك رموز للخط الهيروغليفي واللغة المصرية القديمة ، وفي عام ١٨١٠ ، أرسل آكربلاد إلى دي ساسي لنشر عمله ، ولكن للأسف تأخر نشره ، ولم يتم نشره الا عام ١٨٣٤ . ويبدو ان هذا التأخير لاعتبارات سياسية أو شخصية.

ومن الشخصيات الغامضة في هذه المرحلة من فك رموز حجر رشيد هو الفرنسي دي ساسي ، وهو كان استاذا لجان فرنسوا شامبليون ، وهو الذي شجعه علي ابحاثه في اللغة ، ولكن العلاقة فيما بينهما كان يشوبها التوتر بسبب المواقف السياسية ، دي ساسي كان نبيلا مؤيدا للملكية الفرنسية بينما شامبليون كان متعاطفا مع الثورة الفرنسية ونابليون.

وكان لدي ساسي طالبا اخر نشط ايضا في مجال التاريخ واللغة المصرية اسمه مارك كواترمير وكان متنافسا مع شامبليون ، وحدثت مشكلة بين الطالبان المتنافسان، وادعي كواترمير ان شامبليون يسرق افكاره وينشرها ، وكان الاستاذ دي ساسي مناصرا وداعما لادعاءات كواترمير ، وايضا عندما كان هناك تعاونا بين شامبليون والانجليزي توماس يونج حدث بينهما لاحقا فتور ربما تسبب فيه دي ساسي، ووقف الاستاذ دي ساسي ودعم توماس يونج وطلب منه الا يتعاون مع شامبليون ونفذ يونج نصيحة دي ساسي ، وحتي عندما قدم شامبليون قواعده اللغوية والقاموس القبطي للنشر عام ١٨١٥ ، عارض دي ساسي هذا أيضًا.وهكذا ، فإن فك رموز الهيروغليفية المصرية كان يعوقه الاعتبارات السياسية والشخصية.

( الصورة المرفقة هي محاولات اكربلاد في التقريب بين الديموطيقية والقبطية )

محاولات اكربلاد في التقريب بين الديموطيقية والقبطية

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.