قبل نحو 200 سنة، وبالتحديد في عام 1826 أدخل محمد علي باشا لمصر وسيلة اتصالات ثورية لا تقل أهمية اليوم عن الإنترنت.
لم تكن تلك الوسيلة معروفة من قبل ألا وهي ربط المراكز السياسية والإدارية والحربية بين القاهرة والإسكندرية بخط من التلغراف المسمى “التلغراف الهوائي télégraphe aérien” الذي اخترعه قبل سنوات قليلة الفرنسي “كلود تشابي”.
كان اختراع التلغراف قد غير من مسيرة الحروب بفضل سرعة نقل الأخبار وخاصة خلال حروب نابليون في أوروبا.
جاء بونابرت إلى مصر والوسيلة المتبعة في نقل الأخبار بين المماليك هي الرسل التي تجري على الخيول من مدينة إلى أخرى، وقبلها كانت قرون طويلة من نقل الأخبار بالحمام الزاجل.
ما إن خرج الفرنسيون من مصر وصعد محمد علي للسلطة وبدأت الأمور تستتب له إذ به يوافق على اقتراح فرنسي اعتبر أهم ثورة بريدية في البلاد آنذاك وهي إقامة 19 برج إشارة بين القاهرة والإسكندرية.
تقوم فكرة تلغراف تشابي أو التلغراف الهوائي على إقامة أبراج تستخدم إشارات معلقة في الهواء بأذرع خشبية أو معدنية يعطي كل رمز من حركتها حرفا من الحروف التي تجمع معا لتكون كلمة أو عبارة.
متوسط المسافة بين كل برج وآخر نحو 10 كم.كانت العلامات والإشارات تنقل من برج إلى آخر عبر تليسكوب ينظر منه أحد العمال المختصين فيرى الإشارات والعلامات الرمزية فينقلها لزميله في ذات البرج فيعيد الأخير ضبط إشارات برجه لتنقل إلى البرج التالي الذي يتابع الرصد بنظارة التليسكوب أيضا.
الرسالة التي ترسل من القاهرة إلى الإسكندرية أو العكس كانت تستغرق 40 دقيقة فقط..وهو ما عد فتحا جديدا في وسائل الاتصال.إذا رجعت إلى الخريطة المرفقة في اول تعليق ستتعرف على مواقع الأبراج مسلسلة من (1) في القلعة في القاهرة حيث يقيم محمد علي وصولا إلى رقم (19) في الإسكندرية التي كانت نافذة مصر على كل ما يجري في أوروبا عبر عالم المتوسط:
أبراج الإشارة الـ 19 هي:
(1 القلعـــة (2) بولاق (3) أبو الغيط (4) زفيتة شلقان (5) كفر الفرعونية (6) سروة (7) منوف ( نادر (9) بشتامي (10) زاوية البحر (11) بيبان (12) جزائر عيسى (13) تلبان (14) دمنهور (15) القروي (16) بركة غطاس (17) الـكريون (18) البيضا (19) الاسكندرية.
حين كتبت هذه السطور قبل عامين كنت أقوم بعمل ميداني في محافظة البحيرة وقد توقفت أمام بلدتين كانتا تضمان البرجين 10 و 11 من بين مجموعة أبراج الإشارة الـ 19.
البلدتان هما “زاوية البحر” و “بيبان”. لم يتبق شيء من هذه الأبراج في المحطات ال19 والتي يمكن إن تم تأهيلها أن تكون بمثابة متاحف تابعة لوزارة الاتصالات ودليلا على جغرافية مصر وتاريخها قبل 200 سنة، وهو أحد الأهداف المهمة للتعليم والثقافة والوعي الأهلي.
نقلا عن صفحة الدكتور عاطف معتمد