الأحد , ديسمبر 22 2024
سوسن إبراهيم عبد السيد

هكذا حاكموا أبى في الكنيسة

بقلم سوسن ابراهيم عبد السيد

هكذا حاكموا ابي في الكنيسة والموضوع له شقان

الأول: فيما يخص المحاكمات الكنسية.

والثانى: يتعلق بقوانين الكنيسة.

وسأبدأ أولاً وأروى لأول مرة تجربتى الشخصية فيما يتعلق بالمحاكمة الكنسية لوالدى لتتضح الصورة كاملة أمام القارئ عما يحدث فى هذه المحاكمات.

لقد تم استدعاء أبى من قبل الأنبا بيشوى فى يوليو سنة 1992 إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وتم إبلاغه شفاهة بأنه فى أجازة مفتوحة دون إبداء أسباب ودون إجراء أية تحقيقات معه ودون تحديد لمدة هذه الأجازة.

ولقد انتاب أبى ـ رحمه الله ـ ذهولاً كاملا حتى أنه عاد إلى المنزل دون أن ينطق بكلمة واحدة.

وبعد شهور من الصدمة وملازمته الفراش لمرضه من جراء ما حدث تجرأت وفتحت معه هذا الموضوع لمعرفة الأسباب، ودهشت حينما أخبرنى بأنه لا يدرى ما حدث أو ما فعله استوجب هذا العقاب

وكان حديثى معه فى أواخر شهر ديسمبر من نفس العام ومع اقتراب عيد الميلاد المجيد

عز علىَّ ألا يقيم أبى صلاة قداس العيد فى كنيسته، فعرضت عليه أن أتوسط لمقابلة البابا شنودة

ومحادثته فلم يمانع.

وذهبت إلى اجتماع معهد الرعاية يوم الثلاثاء مساء وتقدمت نحو البابا شنودة

لمعرفة إياه بنفسى فاقتضب جبينه وسألته عن سبب منح أبى هذه الأجازة فأجابنى:

إن أباكى لا يحضر جلسات المجلس الإكليريكى المخصص لمحاكمته فنفيت له ذلك ـ صادقة ـ

إذ لم يحدث أن اُستدعى أبى إلى جلسة واحدة من هذه الجلسات وتخلف عنها..

وعرضت عليه تحديد موعد لإحدى هذه الجلسات وسأكون مسئولة أمامه على حضورها

فحدد لى اليوم التالى أى يوم الأربعاء صباحا، وعدت إلى المنزل لأبلغ أبى بما حدث مؤكدة

أن ما يصل إلى البابا شنودة معلومات مغلوطة عن عدم حضوره لجلسات المجلس الإكليريكى

وعليه ذهبنا فى اليوم التالى وفى الميعاد المحدد لنا، وتوجهت مباشرة إلى المقر البابوى

منتظرة البابا شنودة لأبلغه بحضور أبى فى موعده وكان برفقته الأنبا بيشوى فهمس البابا فى أذنه

عدة عبارات ثم أمرانى بالتوجه إلى المبنى الآخر المقرر فيه اجتماع المجلس الإكليريكى

بصحبة أبى وهناك مكثنا عدة ساعات دون ان نستدعى من أحد ؟

وكانت تناقش هناك عدة قضايا أحوال شخصية بحضور الأنبا بولا والقس داود تادرس.

ثم طلبت مرة أخرى مقابلة الأنبا بيشوى وبعد عدة ساعات أخرى خرج الأنبا بيشوى متسائلا عن والدى

الذى كان يجلس فى سيارته منتظراً استدعاءه، ثم فوجئت بتوجه الأنبا بيشوى صوب سيارة أبى

طالباً منه فتح شنطة السيارة وقام بتفتيشها ثم دخل إلى السيارة وبدأ بتفتيش التابلوه

وحتى تحت الدواسات فى مشهد تجمع عليه المارة فى أنحاء الكاتدرائية متسائلين عما يحدث

وللحق فلقد أصبت بانهيار حاد وشعرت بدوار وكدت أن أقع أرضاً لولا أن تلقفتنى إحدى السيدات

الحضور لمشاهدة هذه المهزلة، ولم يتوقف الأنبا بيشوى عما كان يفعله إلا بعد سماعه لصراخى

وبكائى وبعد أن تأكد أنه لن يجد شيئاً يستطيع أن يدين به أبى داخل سيارته.

ثم دلف إلى داخل المقر البابوى مستدعياً إياى مرة أخرى… وفى إحدى الغرف الواسعة

متعددة الكراسى جلس وبجانبه أحد القساوسة ممسكا بيده قلماً وأوراقاً وبدأ فى التحقيق معى!!!

نعم فى التحقيق معى أنا وليس أبى.

وكانت أسئلته غريبة لا تتعلق من قريب أو بعيد بقضية أبى، وكان الكاهن الجالس معنا

يدون الأسئلة والإجابات.

أما عن هذه الأسئلة فكانت من نوعية أين تسكنين؟

وهل عقد شقتك تمليك أم إيجار؟

وما هى طبيعة علاقتك بزوجك؟ وأسئلة أخرى يعف قلمى عن ذكرها مرة أخرى.

ثم قام بإمضائى على هذا التحقيق ومضى مسرعاً.. فجريت وراءه مرة أخرى للكى أساله عن وضع

أبى وبعد وقت طويل من الانتظار خرج ممسكا بورقة بيضاء قائلا: اذهبى لوالدك وقولى له أن يوقع

هذه الورقة فإذا تم ذلك سأقوم بإعادته مرة أخرى إلى كنيسته!!

وللحق فلقد كنت قد أنهكت قواى من الجرى وراءهم طوال اليوم تاركة ابنة لى رضيعة مع أمى

والأخرى لم تتعدى السنتين، وذهبت إلى أبى ومعى الورقة مخبرة إياه بما يريده الأنبا بيشوى أن يفعله

فنظر إلى أبى نظرة أسى لن أنساها طوال عمرى قائلا: يا ابنتى من فعل جرماً لا يوقع عليه

فما بالك بى ولم أفعل شيئاً، هل تريدين أن أوقع على ورقة بيضاء؟ لا لن أفعل.

وعدنا إلى المنزل فى ذلك اليوم الأسود دون إحراز تقدم يذكر ولم نتجرع سوى المهانة التى لحقت بنا.

هذا هو واقع المحاكمات الكنسية التى يتكلم عنها الأنبا موسى واصفاً إياها بأنها عادلة

ولا توجد بها تجاوزات، ومع ذلك فلقد طالب أبى أكثر من مرة بعد ذلك بإقامة أية جلسات لمناقشة

وقفه عن خدمته ولم يُجب طلبه ورفض تماماً.

ويأتى الشق الثانى من القوانين الكنسية وليسمح نيافته ويأتينى بنص واحد من قوانين الكنيسة

يسمح بالتحقيق مع أبناء الكاهن وتفتيش سياراتهم على مرأى ومسمع من كثيرين بصورة مهينة مثلما حدث معنا.

لا أظن أن الابن الضال الذى عاد إلى أبيه أجبره أبوه على الاعتراف بخطاياه، ولا المرأة الزانية

التى ضبطت فى ذات الفعل وشهد الجميع على زناها وأدانوها، ولا المرأة السامرية

ولا حتى بطرس الرسول الذى أنكر سيده استكتبهم السيد المسيح إقرارات ضماناً لتوبتهم

«إن المحبة تستر كثرة من الخطايا».

ثم جاء فى رد نيافته: أن أبى كان موقوفاً ولم يتراجع عن «أفعاله»، وهذه العبارة تفتح المجال للتفكير

أمام الكثيرين لتقييم هذه الأفعال التى استوجبت عدم السماح بالصلاة عليه.

فما هو الجرم العظيم الذى ارتكبه ولم يتب عنه؟

ومن هو الذى يدين على الأرض مهما بلغت مكانته أو درجته ؟

من ذا الذى يضع نفسه فى مكانة الديان العادل الذى يعرف خبايا النفوس والقلوب؟

ثم كيف للمرء التثبت من توبة غيره ويرده الى أحضان كنيسته ؟

أين هو هذا الجهاز العجيب الذى يقطع بتوبة إنسان عن خطيته أو استمراريته فيها ؟

لقد استكثر نيافته تعاطف الناس معنا فى ألمنا وأرجعه إلى العاطفة موضحاً بذلك قسوة القرارات

التى تتخذ بلا عاطفة ولكنها تعبر فقط على نفسية متخذيها.

إذ إنه لا رحمة لأحد حتى لو بلغه الموت.

إبراهيم عبد السيد

شاهد أيضاً

المغرب

مهرجان الفوضى الخلاقة ؟

نجيب طـلال كــواليس الفـوضى : ما أشرنا إليه سلفا حول المهرجان الوطني للمسرح (؟)(1) اعتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.