القس أرنست نادي
في الحلقات السابقة من سلسة مقالات “أهداف مُحيية”تحدثنافي المقال الأول عن أهمية تحديد الهدفووضوحه، وفي المقال الثاني عن العلاقة بين تحديد الأهداف وإدارة الوقت، وفي المقال الثالث عن معوقات وضع الأهداف، وفي المقال الرابع ركزنا على بُعد جديد وهام وهو مواصفات الهدف الذكي (SMART GOAL).
وفي هذا المقال الختامي لسلسلة “أهداف مُحيية” نتناول الخطوات الأساسية في نهج حياة التغيير، ليُدرك الإنسان دوره في عملية التغيير، ومن ثم يسهم في تغيير مجتمعه نحو الأفضل.
بالرغم من كافة المعلومات التي أوردناها في المقالات السابقة، إلا أنني أحفز جميع الراغبين في اختبار الحياة المُحييّة والمُشبعة أن لا يكتفي بما قرأه، بل عليه التوسع والإبحار في هذه الموضوعات حتى يتمكن من تكوين اتجاه حقيقي داخله، وأن يملك الأدوات المناسبة التي تُعينه وسط كافة التحديات والصعوبات المتوقع مواجهتها في الطريق.
إن التغيير رحلة مستمرة فيها يجب على الإنسان أن يملك دفة إدارة حياته، الإدارة الفعَّالة والمؤثرة لحياته ويأخذ قرار التغيير الصحيح بحسب احتياجاته وأولوياته وأهدافه التي تحدثنا عنها سابقًا.
عزيزي القارئ تذكر أن النجاح ليس أمرًا طارئًا، بل هو عمل هادف يتكرر يومًا بعد يوم، وعليك التدرُّب المستمر مهما كانت النتائج، ربما تفشل مرة ومرتين، ولكن عليك بالإصرار والعزيمة تكرار المحاولة للوصول إلى النجاح. اسعَ في كل يوم أن تطبّق ما تعلّمته، كما يقول سمايلز: “إن الذين يتأخرون في أداء أعمالهم بحكم العادة، هم بعيدون عن النجاح بحكم العادة أيضًا”. فالمزايا والعادات أفعال متكررة، نكتسبها من خلال الممارسة العملية، فتؤثر في طريقة تفكيرنا وسلوكنا، ومع مرور الوقت تصبح عادات مترسخة داخلنا يصعب التخلي عنها، وتصبح العادات المتكررة تعبير عن شخصيتنا، وإنعكاس لثقافة ونهج حقيقي نمتلكه يتجسّد في نجاحنا العملي في مواقف الحياة المختلفة، وتأثيرنا الإيجابي على الوسط المحيط بنا، وكما يقول ستيفن كوفيStephen Covey في كتابه “”Principle Centered Leadership: “ازرع فكرة تحصد فعلًا، ازرع فعلًا تحصد عادة، ازرع عادة تحصد شخصية، ازرع شخصية تحصد مصيرًا”.
أن تكوين نهج أو ثقافة خاصة بك للتغيير عملية صعبة ولكنها ممتعة في كل مراحلها، فعليك أن تضع لنفسك شروطًا وقواعد خاصة تستنتجها من خبراتك وتجاربك الشخصية في المحيط الذي تعيش فيه. فما ذكرناه من قواعد ومبادئ ما هي إلا مجرد توجيه عام يمكن به فقط تجنّب الأخطاء وتتعلم من تجارب السابقين، وكما يقول الدالاي لاما: “تعلَّم القواعد لتعرف كيف تخالفها بشكل لائق Learn the rules, So you know how to break them properly”.
وهنا على الإنسان الذي يسعى للتغيير أن يبدأ الرحلة بأمرين هامين، أولهما، أن يُحدد الإنسان توجهًا واضحًا يؤمن به وبأهميته لتحقيق أهدافه
وثانيهما، أن يُدرك الإنسان ما يحدث من حوله داخليًا (أفكاره ومشاعره وإرادته)، وخارجيًا (المتغيرات الحادثة في البيئة المحيطة به من ضغوط وتحديات). بهذين الأمرين ينطلق الإنسان في رحلة فريدة لا شبه لها، متحديًا كافة المعطلات والظروف، ومستبدلًا إياها بأهدافه وخططه الخاصة، ومدركًا بأنه يصنع مستقبله بنفسه.
تبدأ الرحلة بحالة صراع داخلي، بوقفة صادقة مع أفكارنا ودوافعنا الداخلية، وأن نحدد نقاط القوة والضعف، وأن نعترف بأخطاءنا وأفعالنا السابقة التي أدت إلى وصولنا إلى هذا الحال الحالي، وأن يصاحب هذا الاعتراف ندمًا بنَّاءً الذي يؤدي إلى النمو، وأن يتمرد الإنسان على نمط حياته، وأن يقرر تعديل المسار والاتجاه حتى يستطيع الوصول إلى الهدف الجديد الذي وضعه لنفسه، ثم يبدأ الإنسان في التحرر من سلطة الأفكار السلبية التي قد تشده وتجذبه إلى الاقتناع بما وصل إليه، والاحتفال بإنجازات محدودة، والشعور بالرضا والقناعة الزائفين، وهنا يتسلل الخوف داخله حتى لا يسعى لتحقيق نجاحات مختلفة لئلا يفشل، ثم ينتهي هذا الصراع الداخلي بقرار إرادي واعي بأهمية تغيير فكر الحياة من خلال ذهن جديد وفكر جديد مختلف، تغيير طريقة التفكير الذي سيؤثر بدوره على تغيير وتجديد للإرادة “تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم”.
وكل هذا سينعكس بكل تأكيد على أفعالنا وأقوالنا، لنبدأ سلسلة من التصرفات والسلوكيات الجديدةالمختلفة التي تتناسب مع التوجه الجديد، مما يجعلنا نختبر واقعًا جديدًا، فيه نحقق أحلامنا وأهدافنا، ونجني ثمار مختلفة متوافقة مع خططنا.
نعم، أتفهم ما تفكر فيه الآن، أن التحول من المعرفة إلى التطبيق يزداد صعوبة في واقعنا الحالي بظروفه المؤلمة وتحدياته المتغيرة ومبادئه الغائبة، وأن الواقع قد يكون سيئًا لدرجة محبطة عندما نرى أن نماذج النجاح هي للجاهل أوالمخادع أو الفاسد، في نفس الوقت الذي يفشل فيه المفكر والعالم والمثابر والمستقيم والمخطط.
أتفهم ذلك، فقد يحصل بعض الشذوذ في النتائج التي لا تتناسب مع الجهود والمقدمات، ولكن في النتيجة النهائية سوف تحصل على نتائج تتناسب مع ما أعددت نفسك له، وتذكّر أن ما يحكم هذا الكون هو قانون الزرع والحصاد “لا تضلوا، الله لا يُشمخ عليه (لا يُخدع). فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا”.
إن الحياة صعبة بالفعل .. إنها حقيقة لابد من قبولها وإدراكها، والاستعداد لها يجعلنا قادرين على تغيير الواقع إلى الأفضل، فالتغيير ليس عملية سريعة، لكنها عملية تحتاج إلى الممارسة وقبول الفشل وخيبات الأمل كواقع طبيعي، ولكن علينا العودة للمحاولة من جديد، والاستمرار رغم المعوقات والمفشلات المحيطة بنا، إلى أن ننجح ولو جزئيًا أو في مواقف صغيرة محددة، مما يجعلنا أن نختبر خبرة النجاح، ثم نبدأ مرة أخرى فيزيد رصيدنا الشخصي من الثقة والإيمان بأنفسنا وقدراتنا وإمكانياتنا، فنمتلئ بالقوة ويزداد حماسنا وشغفنا لمتابعة الطريق، وتحقيق الأهداف المُحيية، لنختبر واقعًا جديًا، وحياة أفضل تُعاش.