د.ماجد عزت إسرائيل
رحل عن عالمنا الفاني بألمانيا يوم الأربعاء الموافق(27 يوليو 2022م) الأستاذ مرقس بطرس القمص بولس، بعد صراع مع المرض في الآونة الأخيرة، وَلَد مرقس في(11 نوفمبر1932م) وتعلم بالمرحلة الابتدائة بمدارس القنطرة غرب-مدينة مصرية في الشمال الشرقي على جانبي قناة السويس، وتابعة لمحافظة الإسماعيلية،وتبعد160 كيلومترًا شمال شرق القاهرة و50 كيلومترًا جنوب بورسعيد-
حيث كان والده أحد كهنة ذات المدينة، والذي ظل يمارس خدمته بها حتى(5 يونيو1967م) أو ما يعرف بــ (نكسة1967) حيث تركها وذهب إلى مدينة القاهرة ليلتحق بأسرته التي قد سبقته بسنوات.
وقد تلقي مرقس تعليمه الثانوي بمدينة القاهرة.
ومن الجدير بالذكر كان أب اعترافه القمص مينا المتوحد( فيما بعد:القديس البابا كيرلس السادس1959-1971م).
وفي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي ذهب مرقس إلى بطريركية الأقباط الأرثوذكس بمدينة القدس لمعاونة مطرانها القبطي الأنبا ياكوبوس(1946–1956م).
وقد قضى بهذه المدينة المقدسة نحو ما يقرب من عامًا ونصف.
وفي أوائل الستينات من القرن الماضي قرر مرقس القمص بولس السفر خارج مصر والبحث عن فرصة لاستكمال دراسته.
فذهب إلى ألمانيا واستقر في بداية حياته بمدينة هَامْبُورَغ Hamburg- ثاني أكبر مدن جمهورية ألمانيا الاتحادية، وأكبر الموانئ فيها-وقد تحقق حلم مرقس حيث اِلْتَحَقَ بجامعة هَامْبُورَغ قسم المكتبات ونجح في الحصول على درجة الماجستير 1967م.
وعقب حصوله على هذه الدرجة العلمية عمل في جامعة بوخوم(الرور)- وهي تابعة لولاية شمال الراين-وستفاليا Nordrhein-Westfalen-هي إحدى ولايات ألمانيا الست عشر.
والولاية الأكبر من حيث السكان البالغ عددهم أكثر من 18 مليون نسمة، ورابع أكبر الولايات مساحةً.وعاصمتها هي مدينة دوسلدورف-وظل مرقس يعمل بذات الجامعة بمكتبة الفيزياء والفلك،وحقًا كان يساعد الطلاب العرب وغيرهم وأي إنسان يحتاج إلى مساعدته بغض النظر عن لونه أو دينيه أو مذهبه.
وفي أوائل التسعينات أُحِيلَ مرقس إلى التقاعد.
وعرف عن الأستاذ مرقس بطرس القمص بطرس حبه للخدمة والكنيسة، فكان دائما الذهاب إلى دير القديس الأنبا أنطونيوس بقرية كرفلباخ، بالقرب من فرانكفرت-ألمانيا.
وقد ارتبطت في ذات الفترة بالقمص ميخائيل البراموسي(حاليًا: نيافة الأنبا ميشائيل أسقف جنوب ألمانيا ورئيس دير الأنبا أنطونيوس) فعمل على تنظيم وأرشفة مكتبة الدير وكانت تعاونه زوجته.
وبعد تأسيس كنيسة السيدة العذراء والقديس البابا كيرلس السادس بمدينة بوخوم في عام 2018م تقابل الراحل مرقس بطرس مع صاحب النيافة الأنبا ميشائيل– متعه الله بالصحة والعافية- وتذكر كِلَاهُمَا مرحلة تكوين وتنظيم مكتبة دير القديس الأنبا أنطونيوس.
وهنا يجب أن نؤكد على أن مرقس بطرس ارتبط بشبكة علاقات اجتماعية بعائلته وخاصة أخيه طبيب الأسنان بالقاهرة وإنجلترا وأيضًا أحفاد شقيقته بمحافظة أسيوط وكذلك باقي أفراد عائلته سؤاء بمصر أو ألمانيا مثل أولاده أو أصدقائه.
وقد تميز مرقس بالتواصل بأصدقائه عبر وسائل الاتصال الحديثة بكل أنحاء العالم سؤاء بمصر أو إنجلترا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو ألمانيا أو غير. وحقًا كان الراحل شبكة معلومات مهمة وقيمة لمن يريد أن يسجل التاريخ.
وكان الراحل مرقس بطرس يواظب في السنوات الأخيرة على حضور اجتماعات كبار السن واللقاءات الشهرية للأسرة المصرية-جيل الستينات الذي هاجر واستقر بألمانيا سؤاء كانوا مسلمين أو مسيحيين- وأيضًا حضور القداسات الإلهية سؤاء بكنيسة السيدة العذراء بدوسلدورف أو القداس الشهر بمدينة بوخوم، وفي الفترة الأخيرة كان القمص “بولس شحاتة” راعي كنيسة السيدة العذراء بدوسلدورف-متعه الله بالصحة والعافية–أو أبونا القس” بطرس” أيضًا راعي ذات الكنيسة. حيث كان كلاهما يذهب إلى مرقس بمنزله ويناوله بصحبة زوجته.
وقد ارتبطت الراحل مرقس بطرس القمص بولس بكاتب هذه السطور وأسرته.فكان مرقس دائما الاتصال تليفونيًا أو تتم بعض الزيارات بالتنسيق بين كلاهما.وكانت معظم الأحداث تدور حول أخبار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقداسة البابا كيرلس السادس(1959-1971م)،أو قداسة البابا شنودة الثالث(1971-2012م) أو قداسة البابا تواضروس الثاني. أو سؤاله الشهير ما هي أخبار الكنيسة في مصر؟ وما هي آخر الكتابات لك؟وبالطبع يدور الحوار والنقاش حول الكنيسة ومنهجية كتابة التاريخ. حقًا كان لدي مرقس شغف بالتاريخ وآخر الإصدارات سواء الكتب أو المجلات العلمية. والحقيقة التاريخية تعجز كلماتنا عن وصف إحساسنا عن رحيل مرقس فحقًا لقد رحل في صمت وبكل تأكد ترك فراغ كبيرًا. وكان الراحل في كل اتصالاته يردد هذه الآية قائلاً:”إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ،وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ” (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 14: 8).
وعن حياة الراحل مرقس بطرس الاجتماعية فهو متزوج من سيدة ألمانية انجبت له كل من مشيل وهو طبيب متخصص في علم الفيروسات جامعة هايدلبرج، ودانيال وهو مهندس طيران، والموسيقي متياس صموئيل”وهو اسم مركب نسبة للأب”متى المسكين”و”صموئيل” نسبة إلى نيافة الأنبـا”صموئيل”الذي تم أغتياله مع الرئيس السادات في(6أكتوبر1981م). وأيضًا للراحل ابنه تدعي آيرين. وكان لديه العديد من الأحفاد ويحرص على حضورهم إليه في المناسبات والأعياد الدينية. وقد حرص الراحل على تسمياتهم اسماء قبطية ربما لشعوره بالحنين إلى مصر.
والحقيقة ليس سهلًا على قلوب ارتبطت بالحب، أن تفترق، وبخاصة لو كان فراقًا بلا عودة إلى اللقاء، على الأقل على هذه الأرض…ولذلك نجد في هذا المجال أمثلة لقديسين وقديسات بكوا، بسبب هذا الفراق، ومن بين هذه الأمثلة: بكاء أبينا إبراهيم على سارة حيث ذكر “وَمَاتَتْ سَارَةُ فِي قَرْيَةِ أَرْبَعَ، الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَى إِبْرَاهِيمُ لِيَنْدُبَ سَارَةَ وَيَبْكِيَ عَلَيْهَا.” (تك 23: 2).وأيضًا قيل عن مريم أخت لعازر، بعد موته: إنها ذهبت إلى القبر لتبكي هناك”(يو11: 31). وقد بكت مريم المجدلية عند قبر السيد المسيح. وقيل عنها”أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ الْقَبْرِ خَارِجًا تَبْكِي.وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ،” (يو20: 11).حتى أن الملاكين قالا «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ ».ونفس العبارة قالها لها السيد المسيح (يو20: 13، 15).وكانت أرملة نايين تبكي على ابنها الميت.”فلما رآها الرب تحنن عليها، وقال لها لا تبكي” (لو7: 13).بل أن الشعب كله، بكى، لما قال لهم القديس بولس:لا ترون وجهي بعد..وهكذا يقول سفر أعمال الرسل:”وَكَانَ بُكَاءٌ عَظِيمٌ مِنَ الْجَمِيعِ، وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ يُقَبِّلُونَهُ مُتَوَجِّعِينَ، وَلاَ سِيَّمَا مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا: إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ أَيْضًا. ثُمَّ شَيَّعُوهُ إِلَى السَّفِينَةِ.” (أع 20: 37 – 38).
وعلى رجاء القيامة تدعو أسرة الراحل مرقس بطرس القمص بولس الأهل والأصدقاء ومحبيه لحضور صلاة الجناز يوم الأربعاء القادم الموافق (3أغسطس2022) الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت ألمانيا بدير الأنبا أنطونيوس بكرفلباخ ويرأس الصلاة صاحب النيافة الأنبا ميشائيل أسقف جنوب ألمانيا ورئيس الدير ولفيف من الآباء الكهنة والشمامسة والخدام والخادمات. حقا جاهد الراحل في حياته حتى رحل عن عالمنا وقد عبر معلمنا بولس في رسالته إلى تيموثاوس قائلاً: “قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ.” (2 تي 4: 7، 8) خالص العزاء لكل أفرد الأسرة الكريمة ومحبيه- الرب يعزي قلوبكم.