د.م/ محمد منير مجاهد نائب الرئيس التنفيذي لهيئة المحطات النووية للدراسات سابقا
شكل يوم الأربعاء 20 يوليو 2022 علامة هامة من علامات طريق برنامج محطات القوى النووية في مصر، ومن ثم علامة بارزة في تاريخ مصر نفسها
ففي هذا اليوم تمت الصبة الخرسانية الأولى للوحدة الأولى من الأربعة وحدات التي تشكل المحطة النووية الأولى بالضبعة.
وقد أسعدني وأثار مشاعري أن أتلقى دعوة كريمة من رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية بحضور احتفالية بدء العمل في إنشاء المحطة النووية ومشاهدة أعمال الصبة الخرسانية الأولى.
كانت هذه هي زيارتي الأولى لموقع المحطة النووية منذ تركت منصبي كمهندس مقيم لمشروع المحطة النووية بالضبعة عام 2007 كي أتولى منصب نائب الرئيس لهيئة المحطات النووية حتى خروجي للمعاش في إبريل 2010.
مر أمامي شريط طويل من الذكريات وأنا أقف أمام موقع العمل بدءً من مشاركتي في تحليل عروض إنشاء المحطة عام 1983، وتوقف المشروع بسب ضغوط أمريكية عام 1986، وتذكرت الجهود التي قام بها فريق العاملين في الموقع من دراسات للموقع كانت الأساس الذي تم البناء عليه للحصول على ترخيص قبول الموقع ودعم البنية الأساسية رغم ضعف الإمكانيات والظروف الصعبة، وتذكرت محاولات الاستيلاء على موقع الضبعة كوسيلة لإلغاء البرنامج النووي المصري عام 2004، والغضبة العلمية والشعبية التي شرفت بالمشاركة فيها ونجحنا في الحفاظ على الموقع ثم المشاركة في إحياء المشروع مرة أخرى في عام 2007 وإعداد المواصفات الفنية ووثائق طرح المناقصة التي كانت جاهزة للطرح في يناير 2011
إلا أن قيام ثورة 25 يناير أدى لتأجيل المشروع. وخلال الفوضى الأمنية التي صاحبت الثورة تم اقتحام موقع المحطة النووية بالضبعة من قبل عناصر مسلحة مدعومة من أعداء البرنامج النووي المصري وتدميره بالكامل في 15 يناير 2012، ولكن في 30 سبتمبر 2013 تسلمت القوات المسلحة موقع إنشاء محطة توليد الكهرباء النووية
بعد التوصل لاتفاق برعاية المخابرات الحربية مع الأهالي.
الآن تم إصلاح أخطاء الماضي والمشهد رائع، فقد لاحظت أنه قد تم بناء سور أمني جديد للموقع من الخرسانة المسلحة وتتولى حراسته قوات من الشرطة مزودة بمركبات حديثة ويتم دخول الموقع عبر إجراءات صارمة.
لم أتمكن من التجول في الموقع كما كنت أود ولكن لاحظت خلو الموقع تماما ممن كانوا يحتلونه بغير حق منذ تخصيصه بالقرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 ، كما لاحظت أن الموقع الآن يعج بمئات المعدات الهندسية المختلفة ومئات العاملين من موظفي الهيئة والعاملين بالشركات الروسية والمصرية المشاركة في المشروع ومع بدء التنفيذ من المتوقع أن يتزايد هذا العدد ليصل إلى الآلاف ومنهم من سيكون مصحوبا بعائلاتهم، وقد علمت أن الروس قد استأجروا أحد المباني في المدينة السكنية كي يكون مدرسة لأطفالهم.
كانت المساحة الأصلية للموقع نحو 15 كيلومتر بموازاة ساحل البحر بعمق 3-4 كيلومتر اقتطع منها كيلومترين خصص جزء منهما للأهالي أنشأت لهم فيه القوات المسلحة بيوت على الطراز البدوي، أما بقية المساحة المقتطعة فقد أنشئت بها المدينة السكنية للعاملين في المشروع من المصريين والأجانب
وقد ذهلت لرؤيتها فهي تعتبر حي حديث جدا لمدينة الضبعة شمال الطريق الساحلي فالتصميم الخارجي مبهج (لم أشاهدها من الداخل) وكل شقة مجهزة بتكييف هواء، أما مدينة الضبعة نفسها فقد لاحظت أن الدكاكاين البدائية التي كانت بها قد تحولت إلى محلات حديثة ورصفت الشوارع وسمعت أن المستشفى قد تم تحديثه.
كل هذا يؤكد صحة نتائج دراسة الآثار الاقتصادية الاجتماعية المتوقعة على المستوى المحلي والتي خلصت إلى أن المستفيد الأول من مشروع المحطات النووية هم سكان مدينة الضبعة والمناطق المجاورة سواء بطريقة مباشرة بإتاحة العديد من فرص العمل في المشروع نفسه أو بطريقة غير مباشرة عن طريق الأنشطة المصاحبة لمشروع المحطات النووية وذلك من خلال:
توفير فرص عمل فى الصناعات المكملة والمساعدة لمختلف انواع الورش (حدادة – كهرباء – سباكة – نجارة …. ).
انشاء مراكز لتأهيل العمالة الفنية (مدارس صناعية / معاهد فنية …..) للالتحاق والعمل مباشرة بالمحطة النووية بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم لإمداد المحطة بالكوادر المطلوبة، وقد (تم بالفعل إنشاء المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الطاقة النووية بالضبعة).
حدوث رواج اقتصادي بالمنطقة من خلال فتح اسواق جديدة اثناء عمليات الانشاء والتشغيل متمثلة فى تدبير احتياجات المعيشة اليومية (مأكل – ملبس – أدوية …….) لعدد لا يقل عن 5000 شخص يوميا.
الاستفادة من بناء العديد من الاسواق التجارية لتوفير احتياجات العاملين بالمشروع ولسكان مدينة الضبعة.
الاستفادة من تطوير البنية التحتية من مرافق مياه وكهرباء وطرق واتصالات التى تتناسب مع أهمية المشروع والاستثمارات به.
الاستفادة من تطوير الخدمات الصحية (مستشفى متطور – خدمات اسعاف …) والتعليمية (مدارس متطورة لمختلف الأعمار السنية) والترفيهية (حدائق – متنزهات – دور للسينما …). سبق أن كتبت وكتب غيري عن الأهمية الاستراتيجية لبرنامج المحطات النووية ولكنني سأركز في عجالة على نقطة واحدة هي الآثار التدويرية على الصناعة المصرية عن طريق إحداث طفرة تزيد من قدرتها التنافسية وتخرج مصر من الأزمة الخانقة التي تعيشها وذلك من خلال برنامج مخطط لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء يتصاعد بنسب التصنيع المحلي – طبقا للمعايير الصارمة للصناعة النووية – في كل محطة وصولا إلى التصنيع الكامل لهذه المحطات – كما فعلت الهند وكوريا الجنوبية، وبالطبع فإن المصنع الذي سينتج منتج معين بمعايير جودة عالية للاستخدام في محطة نووية سيحافظ على مستوى الجودة عند إنتاج نفس المنتج للصناعات العادية مما يزيد من قدرته التنافسية ويسمح له بتصدير إنتاجه.
أثلج صدري أن أعلم بتشكيل اللجنة المصرية الروسية المشتركة لتوطين التكنولوجيا النووية التي تهدف إلى توطين المشاركة المحلية لمشروع المحطة النووية المصرية الأولى ب