في مثل هذا اليوم من ٥٢ عامًا (الجمعة الموافق ١٠ يوليو ١٩٧٠) أنتدب القديس العظيم البابا كيرلس السادس نيافة الحبر الجليل الانبا مكسيموس لسيامة الاستاذ الدكتو اديب عبد الله
( استاذ الرياضة البحتة بكلية العلوم جامعة القاهرة) كاهنًا بأسم القس مكاري عبد الله على كنيسة رئيس الملائكة الجليل ميخائيل بمنطقة طوسون بشبرا، وفي عيد سيامته عندما كان ابناءه وبناته يقدمون له بعض الهدايا الرمزية كالتونية البيضاء أو الصدرات كان يقبلها
ويقول “اسماءكم مكتوبة علي هذه الملابس مثلما كانت مكتوبة اسباط بني اسرائيل علي لبس هارون الكاهن”. والعجيب أن تكون نياحة أبونا مكاري في ٩ ابريل وهو يوافق تذكار نياحة هارون الكاهن 1 برمودة
سيامته
ترجع وقائع واحداث هذه السيامة الي مطلع السبعينات من القرن الماضي حينما كان يشغل الاستاذ الدكتور اديب عبداللة وظيفة استاذ مساعد للرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة، وكان متخصص في مادة “المتغيرات المركبة” Several Complex Variable”
ويعتبر من القلائل المتخصصين في هذا العلم اذ انه في غاية الصعوبة والتعقيد، وكان من محبي القديس العظيم البابا كيرلس السادس وكان دائم التردد عليه لنوال بركاته اذ ان الله قد تمجد معه ومع عائلته عدة مرات من خلال هذا القديس العظيم
ولذا كان الدكتور اديب يثق تمام الثقة بان البابا كيرلس قديس من قديسي كنيستنا في هذا الجيل، وفي احدي مرات قال له البابا كيرلس “انا عايز أعملك قسيس؟”
في بدء الأمر لم يعِر الدكتور اديب الأمر اهتماماً معتقداً انها مداعبة من البابا، ولكن قداسة البابا أعاد عليه نفس المطلب قائلاً له “المسيح دٓعيك” وإزاء هذه الدعوة ولاسيما انها من قديس عظيم كالبابا كيرلس
فلم يكن بد سوي الموافقة التي أذهلت وأدهشت الجميع من رجال الإكليروس والكهنة!!!
وصار نقاشهم “كيف وانت استاذ جامعي تترك وظيفتك المرموقة لتكون كاهن؟! وكم ستتقاضي من اجر؟ وكيف ستحافظ علي مستوي اسرتك المادي؟” الا ان كل هذه التساؤلات لم يكن لها رد من الدكتور اديب حين ذاك سوي ان الدعوة من الله وعلي لسان رجل من رجال الله الموثوق فيهم.
استقالته
وفعلا تقدم الدكتور اديب باستقالته للسيد الاستاذ الدكتور رئيس قسم الرياضيات، ولاختلاف الاّراء بينهما فلذا كان الدكتور اديب متوقع ان تنال استقالته الرضي والقبول وتكون الفرصة سانحة لرئيس القسم للتخلص منه، الا ان رئيس القسم خالف كل التوقعات ورفض قبول الاستقالة وقال للدكتور اديب
“انا معنديش بديل لك…. والامانة العلمية تفرض عليّٓ عدم قبول الاستقالة”
وعند علم قداسة البابا بأمر رئيس القسم قال للدكتور اديب “قول انا مش مسافر اشتغل استاذ بره.!!
رفض الأستقالة
أنا هاكون كاهن”، ولكن رئيس القسم اصر علي رفضه لقبول الاستقالة وعرض الامر علي كلاً من السيدين الأستاذين الدكتور عميد الكلية والدكتور رئيس الجامعة والذان اقتراحا بأنه لا مانع من حضوره للجامعة مرتديا زي الكهنوت، ولكن الدكتور اديب ابلغهم باستحالة قبول الكنيسة لهذا الاقتراح!!
وفي ظل هذه المناقشات وفي احدي زيارات الدكتور اديب لقداسة البابا سأله قداسته عما تم بموضوع الاستقالة؟! وعند علم قداسته باقتراح كلاً من عميد الكلية ورئيس الجامعة، كان رأي قداسته مخالفاً لكل التوقعات وإذ به يقول للدكتور اديب “اقبل يا ابني كله لمجد اسم الله”
الاستعداد للسيامة
وفي هذه الآونة كان الدكتور اديب قد بدء في الحفظ والاستعداد للسيامة، وكل ما كان البابا كيرلس يسأله “خلاص خلصت حفظ؟” تكون الاجابه “لِسَّه يا سيدنا” وتكرر هذا الموقف لعدة مرات
آخرهم كان في وجود المتنيح الانبا اغريغوريوس (اسقف البحث العلمي حين ذاك) والذي كان تعليقه لقداسة البابا “ده استاذ جامعة ياسيدنا … ودوّل بيحبوا الحاجة علي اكمل وجه”
وهنا حسم البابا الامر بتحديد موعد الرسامة يوم الجمعة الموافق ١٠ يوليو، وحتي هنا لم يكن الدكتور اديب يعلم أين كان سيخدم وهو كاهن او علي كنيسة سيُرسم!!
ولكن ازاء هذا الموقف أفصح البابا كيرلس عن نيته وان قداسته كان ينتوي ايفاده للخدمة بالولايات المتحدة الامريكية وقد صدر خطاب من وكيل عام البطريركية بخصوص هذا الشأن، وقبيل الرسامة توجها الأبوين الفاضلين المتنيحين القمص جرجس ابراهيم ، والقمص مرقس غالي طالبين من قداسة البابا سيامة الدكتور اديب كاهناً علي كنيسة الملاك ميخائيل بطوسون، فوافقهما قداسة البابا
وقد اقترحا عدة اسماء لزميلهم الكاهن الجديد المُختار وقدمها للبابا كيرلس
وفي اليوم المحدد للرسامة تم انتداب المتنيح الانبا مكسيموس مطران بنها لسيامة كلاً من الدكتور صيدلي عدلي حبيب باسم القس باخوم لكنيسة الانبا انطونيوس بشبرا، والدكتور اديب باسم القس مكاري
( ولم يكن هذا الاسم ضمن الأسماء المقترحة) لكنيسة رئيس الملائكة الجليل ميخائيل بطوسون، وبقداس السيامة كانت مصادفة عجيبة وهي ان انجيل القداس يتحدث عن الراعي الصالح والامين
وقد ألقي العظة المتنيح القمص جرجس ابراهيم والذي كان اسلوبة في غاية الروعة والجمال
وللذي لم يعرف القمص جرجس فهو واعظ فصيح وكانت الكلمة عن انجيل القداس
والذي يوافق المناسبة وانظروا من يختارهم قداسة البابا للرعاية، وبالقداس قد صلي القس باخوم الآواشي وصلي القس مكاري المجمع باللغة القبطية، وعقب السيامة صعد الآباء الكهنة الجدد والقدامى لنوال بركات البابا
وما ان رأي البابا القس مكاري الا وقال له “وبتقول لي محفظتش…. ده مجمع جبلي”، اذ ان قداسة البابا كيرلس كان يتابع صلوات القداس الالهي من خلال سماعة بحجرته الخاصة، وعندما وقف الآباء الكهنة القدامى والجدد وبعض الاراخنة لالتقاط الصور التذكارية مع قداسه البابا فكان القس مكاري يقف بعيداً عن البابا ليفسح المكان للأب الأسقف وللاباء الكهنة القدامى، وإذ بالبابا ينادي عليه قائلاً “تعالي أقف جنبي هنا يا حبيب ابوك… عارف انا سميتك مكاري ليه؟ لأنك هتكون طوباوي”
البابا كيرلس السادس يترك لكل كاهن حريته فى اختيار الدير
وكان البابا كيرلس يترك لكل كاهن حرية ان يختار الدير الذي يقضي به فترة الأربعين يوماً
وقد اختار ابونا مكاري دير الشهيد العظيم مارمينا العجائبي بمريوط ونظرًا لان الطريق للدير لم يكن مُمَهداً
كما هو الحال الان، فقد كان الجرار يذهب لمحطة القطار مرتين أسبوعين لاستقبال الزائرين
فلذا وبحسب تعليمات البابا ظل ابونا مكاري مقيم لعدة ايام ببيت المطارنة المجاور للمقر البابوي
بمنطقة كلوت بك لحين الابلاغ والترتيب مع الدير.
وصوله للدير
وما ان وصل ابونا مكاري للدير الا وتابعه بعض من الصحفيين لإجراء حوارات مع اول استاذ جامعي يدخل الحرم الجامعي ويحاضر مرتدياً زي الكهنوت المقدس
وخلال فترة قضاء ابونا مكاري لمدة الأربعين يوميا بالدير أُعلن عن فوزه بجائزة الدولة التشجيعية
وكذا وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي تقديرا لأبحاثه العلمية، وكان مقرراً استلامهما خلال فترة الأربعين يوما، فسمح له البابا بالنزول لاستلامها والعودة للدير مرة اخري، الا ان الموعد أُرجاء لما بعد مرض الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
وحينما تولي الرئيس السادات الحُكم عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر اسند تسليم الجوائز والأوسمة للسيد الاستاذ الدكتور وزير البحث العلمي نيابة عنه
وقد استحوذ هذا الحدث الفريد علي العديد من وسائل الاعلام كالصحف والمجلات والتلفزيون وشاشات السينما اذ انه في هذه الآونة كان يتم عرض العديد من الاخبار الهامة والتي تستحوذ علي الرأي العام بجميع دور العرض قبل بدء جميع الحفلات
واعتبر ابونا مكاري حصوله علي الوسام خبر عالمي لا يشغل به البابا واكتفي بإبلاغ قداسته فقط، ولكن في ظهر احد الأيام اذ بالأستاذ خاليليو المصور الخاص بقداسة البابا يتصل بابونا مكاري تليفونيا ليبلغه بان البابا في انتظاره ومعه الوسام، وكام كانت فرحه البابا بالوسام وبأبونا وقال لابونا مكاري “تعالي يا حبيب ابوك… وري ابوك الجائزة”.
وفي نوفمبر ١٩٧٠ حينما توفي بطريرك جاثليق الحبشة اناب البابا وفداً لتقديم واجب العزاء نيابة عن قداسته وقد ضم الوفد كلاً من المتنيح الانبا إسطفانوس مطران ام درمان وعطبرة والمتنيح الانبا اغريغوريوس والقس مكاري عبدالله.
حضوره اجتماع الكنائس العالمى
وفي بداية عام ١٩٧١ شكل البابا كيرلس وفدا لحضور اجتماع مجلس الكنائس العالمي المنعقد بفندق وندسور بالقاهرة بخصوص التربية الكنيسة وقد ضم الوفد كلاً المتنيح الانبا اثناسيوس مطران بني سويف ومثلث الرحمات المتنيح الأنبا شنودة والذي كان أسقفاً للتعليم حين ذاك ، والمتنيح القمص انطونيس أمين راعي كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة ، والقس مكاري عبدالله والمتنيح الاستاذ كمال حبيب ( والذي اصبح فيما بعد الأنبا بيمن أسقف ملوي).
حصوله على درجة الأستاذية
وفي سبتمبر عام ١٩٧٣ حصل ابونا مكاري علي درجة الاستاذية، وفي عام ١٩٧٦
شغل منصب رئيس فسم الرياضيات لأكثر من دورة، وفي سبتمبر ١٩٨٨ عُين استاذ متفرغ، وشغل منصب عضوا بمجلس كلية العلوم لأكثر من مرة، ومنذ عام ١٩٨٨عُين عضواً بلجنة الرياضيات بالمجلس الاعلي للجامعات
وكذا في عام ١٩٩٨ عند انشاء أكاديمية السادات أُختير عضواً باللجنة العلمية الدائمة لأكاديمية السادات، وله العديد من الأبحاث المنشورة بأكبر المجلات العالمية ومعرف علي مستوي رواد الرياضيات العالمين باسم “بروفسور فضل الله”، وبطبيعة عمله بالجامعة فقد سافر للعديد من البلدان
ولفترات طويلة تارة كدارس تارة كمحاضر او ممثلا لمصر في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية
فلذا قد منحه البابا شنودة تصريح دائم بالصلاة وإقامة القداسات للمسيحين المقيمين باي بلد يحل به لانه في هذه الاوانة
فقد أقام ابونا مكاري بفرنسا لأكثر من العام وكان يصلي القداسات وأقام أسبوع الآلام وكانت هذه نواة الكنيسة القبطية بباريس وكان يسافر منها بصفة دورية للعديد من البلدان المجاورة لإقامة القداس الالهي
وقد تردد عليها فيما بعد لعدة مرات، وكذا سافر لالمانيا وكان دائم التردد عليها اذ انه حاصل علي درجة الدكتوراه من جامعة جوتنجن بالمانيا الغربية عام ١٩٦٢ وقد صلي بأماكن عديدة بها، وكذا سافر لحضور العديد من الموائمرات والندوات بكلاً الدنمرك وبولندا وسويسرا وإيطاليا واليونان والمغرب والعراق والسنغال
وكذا قد سافر للسودان لمرات عديدة لالقاء المحاضرات بفرع جامعة القاهرة بالخرطوم
وقد شغل منصب مشرف علي امتحانات جامعة القاهرة بالخرطوم وكان المتنيح الانبا دانيال مطران الخرطوم مهتماً جداً بدعوته للصلاة بالعديد من كنائس ابروشيته.
ترقيته لدرجة القمصية
وفي الأحد الموافق ٥مارس ٢٠١٣ تمت ترقية ابونا مكاري لرتبة القمصية (اي بعد قرابة الـ ٤٣ سنة من خدمته الكهنوته) وذلك بيد صاحب القداسة والغبطة البابا تاوضروس ليكون اول كاهن يُرقي لدرجة الايغومانيسية في عهد البابا تاوضروس.
وفي يوم السبت الموافق ١٦ مارس ٢٠١٣ تم تكريم ابونا مكاري بقاعة ابن سينا بكلية العلوم بجامعة القاهرة كأحد رواد الرياضيات المصريين لإنجازاته وأبحاثه العلمية وقد نٌشرت أصداء هذا الاحتفال بالصحافة المصرية والدولية..