عاطف معتمد
تعتبر شعيرة القربان أو الأضحية من أشهر الشعائر في الأديان بمختلف مواقعها ومواطنها.
الذين يداخلهم عدم ارتياح لقصة قربان إسماعيل (عليه السلام) الذي أنقذته السماء في اللحظة الأخيرة من سكين أبيه إبراهيم (عليه السلام)، عليهم أن يعودوا إلى تاريخ الإنسانية البائس الذي كانت عديد من دياناته تعتمد تقديم القرابين البشرية.
بعض الآلهة الوثنية في أوروبا والشرق الأدني لم تكن ترضى سوى بدماء الأطفال الصغار.
ولولا هذه الشعائر الدموية والقرابين البشرية في اسكندناوة وشرق أوروبا وفلسطين وغرب آسيا وروسيا ما وجدت المسيحية والإسلام ترحيبا كبيرا لدى عديد من شعوب العالم التي ارتاحت أخيرا من تقديم الأبناء والاطفال الصغار أضاحي للأوثان.
من المنطقي أن ترتبط فكرة الأضحية بالبيئة التي تنتشر فيها الديانة. دعنا نرى مثلا ملايين البشر الذين يؤمنون بالهندوسية في جنوب آسيا ويعتقدون في معبود شهير اسمه جانيشا.
يتألف اسم هذا المعبود من مقطعين “جانا” وتعني الجموع و “إيشا” وتعني الملك أو الرب ومن ثم فإن الاسم يعني “رب الجموع ” أو “ملك الجميع” .جانيش هو أول معبود هندي تتعرف عليه حين تزور الهند، فهو دوما يزين عربات “الريكشا” (التوكتوك).
يعرف جانيش بأنه إله تذليل العقبات وتحقيق الإنجازات ودعم الطلاب في دروسهم.
زيارة معبد هندوسي في مومباي أو دلهي تطلعك على تماثيل عديدة لجانيش تتلقى دوما النذور، خاصة لمن ربحت تجارتهم، ويعاد توزيع أموال هذه النذور على الفقراء المحتشدين أمام المعابد.
ما يلفت الانتباه في جانيش أنه إنسان بهيئة رأس فيل.
هناك تفسيرات وتأويلات عديدة لأصل هذا الرأس منذ أن نشات قصة جانيش قبل الميلاد.
واحدا من التفسيرات هي الأشهر وتحتاج إلى خيال يمكنه تصور وجود معبودين كبيرين في الديانة الهندوسية هما الزوجة بارڤاتي والزوج شيڤا:
“بارڤاتي” رمز الخصوبة والأنوثة والحب والأمومة (ولا عجب أن من أسماء هذه المعبودة في الهندوسية اسم Uma) فضلا عن دورها في الإنجاب.
الأب شيڤا رمز القوة والجبروت وخلق وتشكيل العالم وهو أحد كبار الإلهة في الهندوسية.
تقول الأسطورة إن شيفا عاد ذات يوم من سفر في الغابة ليجد الأم بارفاتي قد وضعت الطفل جانيش.
ساور الشك نفس الأب شيفا في زوجته وأنكر أن يكون جانيش ابنا له فسارع وقطع رأسه.
ما إن عادت بارفاتي حتى بينت للزوج المتسرع أن جانيش ابنه حقا وقدمت له الدلائل على ذلك.
وحين اقتنع شيفا وندم على شكوكه أراد أن يعيد الحياة إلى ابنه فخرج إلى جبال الهيمالايا عازما أن يأخذ رأس أول مخلوق يقابله ويعوض به جانيش.
في الهند لا توجد خراف كما في عالم الشرق في بلادنا، فليس عندهم بيئة الرعي والتجوال في الصحراء، بل كان “كبش” الفداء في الهميالايا هو “الفيل” الذي صار علامة على ثنائية علاقة الإنسان والحيوان وتخليد فداء الحيوان في شكل المعبود الهندي الشهير “جانيشا”.
فكرة القربان والأضحية حاضرة دوما في تاريخ البشرية، ومع تطور الزمن تحدث تعديلات جوهرية في دلالاتها الرمزية، والتي تدور دوما حول الفداء والعطاء والإنقاذ.