هذا تمثال شهير يغفل عنه الزائرون إلى الكرملين.
تخطفهم الألوان الحمراء فينسون هذا التمثال البرونزي، البليغ في دلالته، المهم في مغزاه ومرماه.
والزائرون معذورون في هذا النسيان، فاللون الأحمر ساحر وسط الأبيض الثلجي.
وقد قيل إن الميدان الأحمر ترجمة خاطئة لأن الأصل هو “الميدان الجميل” أو الميدان “البهي” أو “البديع”.
يدلل البعض على خطأ الترجمة من الروسية إلى الإنجليزية (ومنها لبقية اللغات) في اسم الميدان الأحمر بلفتة شهيرة في جمال الفتاة الروسية.
فمعروف أن لون بشرة الفتاة الروسية أبيض متوهج، وقد يبدو هذا لرجال الجنوب جمالا فتانا، لكنه لرجال الشمال جمالا مملا مكرورا.
فالفتاة تعد جميلة إذا امتزج بياضها مع مسحة من لون وردي أو أحمر.
وفي التراث العربي يذهب البعض أنك إذا وصفت فتاة بأنها “حميراء” فإن هذا وصف بليغ لأنه يعني أنها ذات مسحة من اللون الأحمر.
ولأن الميدان “الأحمر” ساحر وبديع وبه آلاف الصور التي تخطف العين، ينصرف الكثيرون عن فهم هذا التمثال البرونزي الذي يواجه “الكرملين”، والكلمة الأخيرة كما أوضحنا في مقال سابق تعني “القلعة المسورة” تتألف عناصر هذا التمثال البرونزي كما نرى من رجل عسكري يجلس منهكا يحمل سيفا ودرعا
لا شك أنه محارب وقائد عسكري، نعرف من التاريخ أن اسمه “بوچارسكي” وكان أحد أمراء روسيا في مطلع القرن السابع عشر .
أما الرجل الواثق الواقف بجواره فيشير هاديا بذراعه في الفضاء المجهول، وهو رجل مدني يعمل بالتجارة اسمه “مينين”.
ورغم أن المؤرخين يصنفون روسيا بأنها دولة عسكرية ويذهب بعضهم إلى وسمها بأنها “ولدت لتحارب” كما أشرنا في مقالات سابقة، إلا أنه قبل 400 سنة مضت كادت روسيا أن تصبح مستعمرة خاضعة للاحتلال البولندي ومقاطعة تابعة لها.
تعود القصة إلى عام 1612 حين وقعت روسيا في حرب أهلية وتناحر قادتها على السلطة. وخلال هذه الفترة الفوضوية من تاريخ البلاد طمع في عرش الكرملين كل مزيف وعميل، وهو ما سمح لاتحاد عسكري من بولندا وليتوانيا ومدعوم أحيانا من السويد باحتلال العاصمة موسكو وإذلال شعبها.
فشل كل العسكريين الروس في مواجهة الاحتلال وخارت قوة موسكو بعد أن قُتل ووقع في الأسر كل المبدعين أصحاب الهمم العالية والطاقة الخلاَّقة.
ومن مدينة بعيدة عن موسكو اسمها “نيچني نوفغورد” انبرى تاجر اسمه “كوزما مينين” وغير تاريخ روسيا إلى الأبد.جمع “مينين” الأموال من تجار مدينته واشتروا بها أسلحة من جديد وجيشوا مدافعين جدد من المدنيين الذين لم يكن لهم سابق خبرة بالحرب وأوكلوا الأمر إلى أمير من مدينتهم اسمه “دميتري بوچارسكي” للزحف إلى موسكو لطرد الغزاة، وهو ما تحقق في النهاية.
نقلا عن صفحة الدكتور عاطف معتمد