الجمعة , نوفمبر 8 2024
القس أرنست نادي

سلسلة مقالات “حياة أفضل تُعاش”

   القس أرنست نادي

أهداف مُحيية (2)

في المقال السابق كان التركيز على أهمية تحديد الهدف ووضوحه، وفي هذا المقال سنتناول موضوع العلاقة بين تحديد الأهداف وإدارة الوقت.

عندما يُدرك الإنسان أهدافه الحقيقية والواقعية في رحلة هذه الحياة، يعمل على استثمار كل دقيقة في تحقيقها، والسعي أن تتجسّد هذه الأهداف وتتحول إلى واقع يحقق من خلاله احترامه لذاته، ويمنحه السعادة والسلام والتقدم. والعلاقة القوية السليمة بين إدارة الوقت وتحقيق الأهداف هي التي تساعدنا لنعيش حياة تتسم بالفعَّالية والإبداع والنجاح.

وهناك نوعان من البشر، الأول هم أولئك الذين يعيشون بعشوائية في فراغ لا نهاية له، لا أهداف لهم ولا يعرفون إلى أين يتجهون، هؤلاء يعانون من الملل ويشكون من ثقل الأيام، ويتمنون انقضاء الوقت بأي طريقة، وبحسب الدراسات الميدانية والاستبيانات يمثل هذا النوع أكثر من 80%.

أما النوع الآخر فهم الذين يثمنِّون قيمة الوقت ويشعرون بأهميته ويقدِّرون كل دقيقة فيه، هم من وضعوا لأنفسهم أهدافًا واضحة ومحددة، وبالرغم من نتائج إحدى الاستبيانات التي أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية التي أظهرت أن 14% لهم أهداف شفهية غير مكتوبة، إلا أن نسبة من لديهم هدف مكتوب محدد 3% فقط، وبالطبع نستطيع أن نتخيل نتيجة مثل هذا الاستبيان في بلاد أخرى وانعكاسه على الحاضر والمستقبل.

وكما قال أحدهم: “إدارة الوقت تعني إدارة الحياة”، وبالفعل أننا نرى ونميز نوعية حياة هؤلاء الذين يمتلكون أهدافهم ويسعون لتحقيق غايتهم، فإنهم يُجيدون إدارة الوقت بشكل منظم ودقيق، وبطريقة سلسة وسهلة، فيحققون أفضل النتائج، ويشعرون بالسعادة والرضا.

فكّر بتلك الأيام التي كانت ثقيلة عليك ومزعجة ومتعبة، ومع كم الجهد الذي بذلته فيها كنت محبطًا دون تحقيق أي إنجاز، كيف شعرت عندما انتهى يومك؟ وكيف ضاع دون فائدة؟ وكم شعرت بخيبة الأمل والتعب والغضب، وانعكس ذلك على تصرفاتك مع نفسك أولًا، ومع أسرتك، وأصدقائك؟.

وبالمقابل فكّر في يوم وضَعْتَ فيه خطة محددة واضحة قبل أن تبدأ يومك، عرفْتَ ما الذي تريد أن تصل إليه وتحققه، وأعددتَ كل ما يلزم لإنجازه، ثم بذلت جهدك بإلتزام وإصرار وعزيمة ومثابرة، وعندما وصلت إلى مبتغاك، وحققت أهدافك – حتى وإن كانت محدودة -، وعدت سعيدًا واثقًا بنفسك، تمتلك داخلك خبرة النجاح، التي تُمكّنك من المُضي قدمًا نحو هدف آخر .. نجاح يتبعه نجاح، تشعر وقتها بالاستقرار الداخلي الذي يجعلك متزنًا في تصرفاتك وانفعالاتك، محتفلًا مع عائلتك وأسرتك، وأنت تستعد لمغامرة جديدة بكل شغف وإقدام.

هل تعلم عزيزي القارئ، أنك في اليوم الذي لا تخطط فيه جيدًا لوقتك، وتُسلم نفسك للمعطلات ومضيعات الوقت الكثيرة، فإنك تبذل جهدًا كبيرًا وتشعر بالتعب والإرهاق الشديد، عكس ذلك اليوم الذي تُجيد فيه التخطيط، وتضع كل نشاط في مكانه الصحيح، وتعطيه وقته اللازم، فإنك تشعر بالراحة والهدوء والاستمتاع.

إن من أعظم هبات الله للإنسان هو الوقت، فقد منحنا جميعًا مع كل يوم جديد 24 ساعة، وإحدى العلامات المميزة للشخصية الناضجة والناجحة هي “افتداء الوقت” أي استثماره بعناية. فالإنسان الحكيم يُدرك أن حياته الزمنية هي ثروته الحقيقية من جهة كونها تحدد مصيره ونوعية حياته، لأن الأيام قد تخدع الإنسان وتجذبه بمغريات كثيرة وتضعه تحت ضغوط لا نهاية لها، مما تجعله مقيَّدًا غير قادر على تحقيق أهدافه وأحلامه. فعلينا باليقظة والبصيرة والحرص في التعامل مع عطية الوقت.

لنتذكر جيدًا أن الهدف الواضح – الموضوع في خطة زمنية محددة – هو أفضل محرك للنفس الإنسانية، وهو مصدر الإبداع والعمل والتأثير الفعَّال، وفيه قدرتنا على الحلم، والانطلاق بخيالنا لتطوير وتحسين نوعية حياتنا التي نحن عليها الآن إلى ما نأمله، فنبني على خبرات الماضي، ونتجاوز الواقع بكل تحدياته وصعوباته، لنرسم مستقبلًا أفضل، متكلين على نعمة ومعيّة إلهنا معنا، الذي يكافئنا ويبارك في ما نفعله مخلصين أمناء، لتحقيق الخير لنا ولغيرنا، لبشرية تحيا حياة أفضل.

ولا يمكننا أن نغفل أهمية القيادة الإلهية لنا، الذي يقودنا في طريق الحق والخير والعدل والسلام، وعندما نختبر أهدافنا في قيّمه السامية، ونمتلك دوافع داخلية مقدسة، عندئذ لا تكون فلسفتنا “أن الغاية تبرر الوسيلة”، بل تتغير أفكارنا الداخلية، ونُدرك بأن الهدف الصحيح السليم يلزمه طريقًا صحيحًا سليمًا، فتكون فلسفتنا الأصيلة “الغاية الصحيحة تتحقق من خلال وسيلة صحيحة”. وعندئذ نجد الله متطلعًا إلينا، متحدثًا في داخلنا بصوته الحنون، قائلًا لنا “أُعلمك وأُرشدك الطريق التي تسلُكُها. أنصَحُكَ. عيني عليكَ”. أي أنه سيُعطينا فهمًا صحيحًا لذواتنا، وتقدير لقيمة الوقت وأهميته، ويُلهمنا بالأفكار الصحيحة وبالخيال الخصب والإبداع الحياتي المميز، فنختبر روعة هذه الحياة في مخافته في علاقة أبوية مميزة، علاقة الآب الذي يراقب ابنه، فيرشده ويعلمه وينصحه، لكي يقودنا لاختبار حياة أفضل تُعاش هنا والآن.

وللحديث بقية

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

صناعة الانحدار !!!

كمال زاخر الخميس ٧ نوفمبر ٢٠٢٤ من يحاربون البابا الحالى هم تلاميذ من حاربوا البابا …

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.