القس أرنست نادي
أهداف مُحيية (1)
قالوا قديمًا: “بلا رؤيا يجمح الشعب”، وبالفعل صدُقت هذه المقولة عبر التاريخ البشري، وأظهرت الدراسات والأبحاث الميدانية حقيقة أن غياب الهدف عن البعض يُصيبهم باليأس والإحباط والخوف والنظرة التشاؤمية للأحداث، ومن ثم الرغبة في الانسحاب والتعرض لحالات اكتئاب عنيفة، وعلى الطرف الآخر أن ما يُنقذ بعض الناس – بالرغم من تعرُّضهم لظروف قاسية – من الكوارث والمصائب ويُبقيهم على قيد الحياة هو أن لديهم أهدافًا مازالوا يسعون لتحقيقها، أو قضية تهمُّهم ورسالة يناضلون من أجلها.
وما من شك على الإطلاق أن جميعنا يسعى لتحقيق أهداف ما – سواء يدركها أو لا يدركها – والفارق هنا بين شخص وآخر هو مستوى هذه الأهداف، ودرجة إدراكنا لها، والتخطيط الجيد الفعاَّل لتحقيقها، مما يمنح البعض القوة والمثابرة والإرادة والإدارة حتى يصل إلى مبتغاه، وعندئذ يشعر بالراحة والسلام والفخر والاعتزاز بما وصل إليه متخطيًا كافة الصعوبات والمعوقات التي قابلته في رحلة الحياة.
وللأسف عندما ينتهي الإنسان من تحقيق أهدافه بدون أن يحاول أن يخلق أهدافًا جديدة، يعيش في حالة من الملل والكسل وفقدان الغاية من الوجود، وتنحسر فعَّاليته، لأنه لا يجد مبررًا لاستمرار حياته، فلا أهداف أخرى يسعى إليها.
يُقال إن أحد رواد الفضاء أُصيب بحالة من الاكتئاب الشديد بعد عودته من رحلته إلى القمر على الرغم من النجاح الباهر الذي حققه، فلم يكن لديه أي هدف آخر في الحياة إلا أن يصل إلى القمر، وكان يقول: “لقد نسيت أن هناك حياة بعد القمر”.
عندما نفقد السيطرة على أنفسنا وحياتنا، نكون كائنات تائهة في مضمار هذا الكوكب العجيب، نتحرك ونتنفس ونأكل ونشرب ونعمل ولكن بدون تأثير أو فاعليَّة، ونفقد متعة الحياة والاستمتاع بالخليقة المحيطة بنا والتي أوجدها الله لخيرنا وسعادتنا.
لذا علينا بذل الجهد لاتخاذ قرارات وخيارات أفضل والعثور على طريق يصل بنا إلى وجهتنا، وكما يقول الفيلسوف جون بول John Paul: “يجب معرفة الهدف المرجو الوصول إليه قبل تحديد الطريق إلى تحقيقه”.
ويقول الكاتب نابليون هيل Napoleon Hill: “يوجد ميزة هامة يجب أن يمتلكها الإنسان لكي يربح، وهي تحديد الهدف ومعرفة ما يريده والرغبة الشديدة في امتلاكه”.
لذا تبدأ رحلة النجاح بوضوح الهدف، والقدرة على صياغته وكتابته وترديده باستمرار، ومشاركته مع الآخرين، وتذكير النفس دائمًا به مع كل عقبة أو صخرة تقف أمام استكمال الطريق.
فعندما لا تعرف ما تريده بالظبط، لن تتمكن من تحديد وجهتك، وبالتالي لن تصل إلى أي مكان، أو تصل على المجهول.
أن وجود الهدف هو أحد مصادر السلام الداخلي للإنسان، بِهِ نقدِّر قيمة الحياة التي نعيشها ونصنعها بأنفسنا، وينعكس ذلك على الحيوية والنشاط في سلوكنا اليومي وعاداتنا، والانشغال الحقيقي بالواجبات والمهمَّات الهامة، والفعاليَّة في إنتاجنا.
فليس هناك أقسى على الإنسان من غياب الهدف والملل الذي يصاحبنا عندما لا نُدرك ما يجب أن نقوم به في أيامنا القادمة.
الهدف هو كلمة السحر والسر في حياة الإنسان الفعَّال، فالإنسان مخلوق ومدعو ليعيش بطريقة ديناميكة حيَّة، وأعطاه الله منذ الخلق – في آدم وحواء – القدرة على السيادة والسلطان، وفوّضه الله لإخضاع الخليقة بكل ما فيها حتى يحافظ عليها ويطورها ويجعلها في أفضل حال، لذا نجد الإنسان يسعى للعلم والتقدم والمعرفة في كل فروع العلوم المختلفة، ويستفيد من تراكم الخبرات عبر السنين، ويجتهد حتى يستفيد منها بل يبذل الجهد لترك إرث جديد للأجيال القادمة، وبالتالي يمتلك الإنسان الهدف الحقيقي للحياة والتطور والنمو، هدفًا صالحًا له ولغيره، وعندما يفقد الإنسان أو يتناسى هذا الهدف نجده يمر في حالة من التعاسة والتعب والتوتر العصبي، ولذلك من السهل ملاحظة أن من بين أكثر الناس تعاسة هم أولئك الذين لا يهمُّهم شيء في الحياة، أو أن لهم أهدافًا ضبابية غير محددة.
فالذين يقولون إن حياتهم غير ذات قيمة إنما يعبِّرون عن حقيقة فقدان أهدافهم. عزيزي القارئ .. إن الإنسان بلا هدف يفقد اتجاهه، ويضيِّع غايته من الوجود، وتصبح حياته عبثًا واعتباطًا ويأسًا، ويحكم على الحياة أنها فارغة ومملَّة، ولا يُدرك أنه هو نفسه الذي أصبح فارغًا وخاويًا.
أنها دعوة الآن لك أن تحدد أهداف حياتك التي تسعى إلى تحقيقها الآن وفي المستقبل، وأن تصرف الوقت في التفكير الجيد حتى تمتلكها داخليًا وتتحول إلى قناعات تُولد فيكَ الرغبة والإرادة القوية للسعي إلى تحقيقها وتجسيدها لتكون واقع معاش يفيض بالخير عليك وعلى الآخرين. وللحديث بقية