مختار محمود
لا يمكن الفصل بين ما أعلنه المثير للجدل إبراهيم عيسى مؤخرًا بشأن إعلانه عن مشروع لتفسير القرآن الكريم من ناحية، وبين ما تم تداوله على نطاق واسع من دعم أحد أجنحة الإدارة الأمريكية له من خلال برنامج “مختلف عليه” المعروض على قناة الحرة الأمريكية من ناحية ثانية.
هذه التقارير تتضمن أيضًا أسماء أخرى مثيرة للجدل والصخب مثل: إسلام بحيري وتوفيق حميد وطارق حجي.
وفي كل مرة..لم يجرؤ أيٌّ منهم على نفي ما تتضمنه هذه التقارير من معلومات مشينة. ويعلم القاصي والداني أن الهدف الذي يعمل كل هؤلاء وغيرهم تحت مظلته هو تخليق إسلام جديد ذي صفات خاصة، أو ما تم الاصطلاح على تسميته: “إنسنة الإسلام”، وقد كتبنا في هذه الزاوية عن هذه القضية غير مرة.
وبالعودة إلى مشروع إبراهيم عيسى لتفسير القرآن الكريم..فإنه بلا أدنى شك سوف يكون مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمشروع الأمريكي سالف الذكر، وساعيًا إلى تحقيق بعض أهدافه الخبيثة والمريبة، لا سيما بعد الفشل الذريع الذي مُني به مشروع الدين الإبراهيمي! لن يخرج التفسير المزعوم لإبراهيم عيسى بطبيعة الحال عن أفكاره التي يتبناها ورؤاه التي يطرحها بشكل عام في برنامجه ذي الهوى والتمويل الأمريكيين، وجميعها يتصادم ابتداءً وانتهاءً مع ما استقر عليه علماء أهل السنة والجماعة، ويتوافق مع أفكار الخوارج والخارجين عن صحيح الدين الخاتم.
في برنامج “مختلف عليه”..يحتفي إبراهيم عيسى احتفاءً خاصًا بكل صاحب فكر شاذ أو منطق متمرد أو طرح مارق أو اجتهاد فاسد، وربما كانت حلقته مع سيد القمني دليلاً عمليًا وواقعيًا على ذلك، وفي المقابل يهاجم بكل ما أوتي من مكر ودهاء تراث العلماء المتقدمين الثقات، كما لا يسلم الأزهر الشريف، شيخًا وجامعًا وجامعة وعلماءً، من شططه وتجاوزه؛ تنفيذًا لأسياده في البلاط الأمريكي.
تحولات إبراهيم عيسى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تؤكد أنه لا يقول إلا ما يُؤمر به من رؤسائه، وما يُوحَى إليه ممن يجزلون له العطاء، وما يتبناه ويدافع عنه اليوم قد ينقلب عليه غدًا ويتبنى نقيضه؛ ليس من باب المراجعة الفكرية مثلاً، ولكن من باب المراجعة البنكية والمادية، إبراهيم عيسى هو كل شيء والعكس! عبر برنامجه الأمريكي
نسف إبراهيم عيسى السنة النبوية وأسقط حديث أركان الإسلام، وطعن في الصحابة الكرام، حتى كاد لا يبقى لأحدهم مكرمة، وشوَّه الرعيل الأول من المسلمين، وأظهرهم مجموعة من المتحاربين والمتصارعين، لا همَّ لهم إلا الدنيا وشهواتها وملذاتها والاستئثار بالنساء والمال.
لم يسلم من تجريح إبراهيم عيسى الخلفاء الراشدون الأربعة، كما كان في صدارة المستأسدين لمنع تصوير مسلسل رمضاني عن بطولات سيف الله المسلول خالد بن الوليد.
وعبر برنامجه المصري.. سخر إبراهيم عيسى من الحجاب، وشكك في معجزة الإسراء والمعراج، وهاجم المواريث واحتجَّ على قاعدة: “للذكر مثل حظ الانثيين”.
وإن كان ما تقدم جزءًا أصيلاً من أفكار وقناعات إبراهيم عيسى، فإن تفسيره المرتقب للقرآن الكريم، لن يحيد عنه بكل تأكيد، ولن يهدف إلا لخلق حالة جديدة من الجدل والصخب والفتن والفوضى والسجال الفارغ والإلهاء المقصود. مشروع إبراهيم عيسى التفسيرى سوف يُفرِّغ القرآن الكريم من محتواه وأوامره ونواهيه؛ لأنه سوف يُحرِّف –كما هي عادته- الكلم عن مواضعه، وسوف يُعمل عقله غير الرشيد في كلام الله عز وجل، وقد أجمع أهل العلم الذي لا يثق فيهم إبراهيم عيسى على أن من قال في القرآن برأيه، فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمِر به؛ فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب.
سوف يبشرنا تفسير إبراهيم عيسى بدين جديد يُحلُّ كل شيء ولا يحرم شيئًا ولا ينهى عن منكر.
سوف يضع التفسير المزعوم معنى جديدًا للحجاب يمنح المرأة الحق في التحلل من جميع مظاهر الحشمة، وربما ينتهي به الأمر إلى التأكيد على أن الأصل في المرأة هو التعري.
كما لن يخلو التفسير الإبراهيمي من طرح تصور مغاير لهيئة الصلاة ومعناها ومبناها ومغزاها وتوقيتاتها، وكذلك الأمر للزكاة معنى ومضمونًا ومفهومًا. ولأن صاحب التفسير الجديد أعلن غير مرة أنه ليس مقتنعًا بفريضة الصوم..فسوف يجتهد في تحريف آياته الواردة في سورة البقرة ويؤولها تأويلاً فاسدًا يعفيه مشقة الامتناع عن الطعام والشراب في نهار رمضان.
الركن الخامس من الإسلام سوف يكون له نصيب موفور من التشكيك والطعن في التفسير الجديد، كما سوف يتم تحريف آيات الحج، لا سيما أن هذه الفريضة تتعرض في كل موسم للطعن والتشويه والتجريح.
التفسير المرتقب سوف يحتج بقوة على التأويلات القديمة لقواعد المواريث والطلاق والتعدد، ويستبدلها بتأويلات إبراهيمية عصرية لوزعية.
ولأن إبراهيم عيسى أعلن في مناسبات عديدة كراهيته لمنهج وفكر إمام الدعاة إلى الله الشيخ محمد متولي الشعراوي، ولم يخجل من وصمه بالتطرف..فإن التفسير الجديد سوف يكون مغايرًا بكل تأكيد لخواطر الإمام حول القرآن الكريم التي كتب الله لها الخلود والديمومة والانتشار في العالم الإسلامي.
من المؤكد أن التفسير المنتظر سوف يُطبق منهجًا تنويريًا في فهم سور وآيات القرآن الكريم، وكذا أسماء السور وترتيبها، وربما يعيد الروايات الساقطة والشاذة الخاصة ببعض الآيات والناسخ والمنسوخ وما لم يتم جمعه من القرآن الكريم .
ولن يكون غريبًا على إبراهيم عيسى الاستشهاد بالإسرائيليات والروايات الشيعية المتطرفة في تفسيره المدفوع مقدمًا.