ماجد سوس
كاتيكزم أو كاتيشيزم (بالفرنسية) هي كلمة أصلها يوناني، تعني التعليم المسيحي الشفاهي او الكتابي المقدم بطريقة الأسئلة والأجوبة للرد على كل تساؤلات الإنسان الدينية وهي بمثابة الجامع الشامل لإيمان الكنيسة وتعاليمها، شارحٌ لدستورها، وقوانينها، وطقوسها، ومجامعها.
منذ عدة عقود وكنيستنا القبطية وآباءها يراودهم حلم وجود كاتيكزم خاص بها، ليوضع في كل مكتبات العالم، ليقدم الكنيسة الرسولية الآبائية العريقة لكل المسكونة والساكنين فيها وليضعها على الطريق الصحيح للشهادة والكرازة.
لذا كان على روح الله القدوس أن يختار خادماً كنسياً يقوده روح الله، يجمعُ في شخصهِ بين العالِم في الآبائيات واللاهوتيات والكارز المختبر، رجلٌ كإلههِ لا يحابي الوجوه، غير محسوبٍ على تيارٍ بعينه، محبوبٌ من الكل، يحملُ الكنيسةَ في قلبهِ وفكرهِ بروح الآباء، رجلٌ كرجال القرن الرابع وضعه الرب في هذا الزمان كي يقدم فكر الكنيسة النقي.
كل هذه الصفات وأكثر وجدت فيمن وقع عليه اختيار الروح وهو قدس أبونا تادرس يعقوب ملطي، ليحمل لواء هذا العمل العظيم. ستون عاماً في الكهنوت المقدس، أولاده منهم مطارنة وأساقفة وكهنة ورهبان وخدام في كل أنحاء المسكونة، لذا فهو بحق أبو الآباء.
اختاره البابا شنودة الثالث ليكون أستاذ علم الآباء – الباترولوجي- في الكرازة. قام بتأليف مئات الكتب والنبذات والمقالات في كافة مجال الحياة الروحية. على سبيل المثال لا الحصر، تفسيرات لكل أسفار الكتاب، قاموس أبجدي ضخم لقديسي الكنيسة وكتب روحية لكل الفئات العمرية منها قصص للأطفال وشرح القداس لهم وصلوات للأطفال والشباب والكبار في وباء كورونا، كتب للكهنة وكتب للكرازة وحوارات مع العذراء والقديسين ويعكف الآن على عمل كاتيكزم للأطفال والشباب. كتاباته مترجمة بعدة لغات كل هذا بخلاف عشرات الآلاف من المحاضرات والعظات.
اختاره البابا شنودة ليمثل الكنيسة القبطية في كل المحافل واللقاءات والمؤتمرات المسكونية وشارك مع الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس السابق في العديد من الحوارات مع الكنائس الأخرى وكان نيافته يقول عن أبونا تادرس أنه أستاذي.
أرسله البابا شنودة إلى كل المسكونة ليؤسس مئات الكنائس في العالم حتى أن قداسته كان يقول عن عنه انه كاهن المسكونة الذي له أن يذهب في كل مكان بلا استئذان وقال عنه يوماً أنه رغم أنني ضد فكرة الاستنساخ إلا أن أبونا تادرس هو الوحيد الذي أتمنى لو أستطيع استنساخه وأرساله لكل إيبارشية في العالم.
وفي بداية خدمة الأنبا سيرابيون مطران لوس أنجلوس كان يطلب من أبونا تادرس أن يبقى معه في الإيبارشية ليؤسس الكنائس.
أبونا تادرس ليس محسوباً على تيارٍ بعينه، لم يكن يوما لا متاوياً ولا شنودياً بل محبوبا من الكل ومن يعرفه يجده دائما يفتدي الوقت لا يضيعه في إدانة أحد أو الاختلاف مع أحد، لو حاولت أن تتكلم عن أحد يمنعك وقد قالت لي تاسوني ميري زوجته، أخت أبونا القديس بيشوي كامل: “أننا في بيتنا مش بنجيب في سيرة حد، حتى لو المتكلم رتبة كهنوتية بنعتذر له ونقوله في بيتنا مش بنجيب في سيرة حد”.
هو توأم أبونا بيشوي كامل قديس الإسكندرية العظيم وتعلم منه الكثير وتشعر أنه أخذ روحين من روحه وأتصف بصفاته من روحانية وأبوة بجانب العلم والكرازة مع فيض من البذل والحب يفيض به على كل خليقة الله حتى أعدائه، إن وجدوا، وكان ابونا بيشوي أول من شجعه على الكتابة طالبا منه ألا يتوقف ابدا.
موضع احترام مجمع الكنيسة كله ولا يسعني الوقت لذكر الكثير من الأمثلة وقد رأيت بعيني نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب جالسا على كرسيه داخل الهيكل وهو يقف احتراما لأبونا تادرس، الذي دخل وجلس أرضاً، ونيافته يقول، كيف أجلس على كرسي وأستاذي يجلس على الأرض ونزل أرضا ليجلس بجانب أبونا تادرس.
وحينما تقابل مع الأنبا رافائيل أصر الأخير أن يقبل يده وبالطبع أبونا رفض. حكى لي أحد الأحباء في كاليفورنيا في إحدى الإجتماعات في بداية خدمة الأنبا سيرابيون وأثناء كلمة أبونا تادرس جلس نيافته أرضا وقال: ” لما ابونا تادرس يتكلم، نجلس على الأرض نتعلم”.
أما أبونا البطريرك صاحب القداسة الأنبا تواضروس الثانى فمحبته شديدة لأبونا تادرس وقد أستقبله في الكاتدرائية المرقسية بعد رسامته وباركه وبارك عمله وخدمته ولأن قداسته عمل من اليوم الأول الذي اختاره فيه روح الله ليجلس على كرسي الكاروز أن يقوم بالإصلاح والتجديد في كافة المجالات فقرر بناء أكبر مكتبة للكنيسة القبطية في العالم ليجمع فيها ذخائر الكتب وانشغل بالتعليم وتطوير كليات اللاهوت ” الإكليريكيات”.
وهنا نقف عند الأب البطريرك قليلا، فتبوأهُ سُدة القيادة الكنسية كان، لايزال، في وقت عصيب حيث الفيض اللامعقول من الأفكار المتضاربة والمتناحرة والمضللة أحياناً من كل من هب ودب في التعاليم الكنسية واللاهوتية على منصات التواصل الاجتماعي في فوضى فكرية غير مسبوقة في التاريخ، إمتدت بكل أسف، لتصل داخل أروقة الكنيسة وبعض رعاتها وبدا على السطح هناك من لبولس ومن لأبولس، وكان لابد أن يرسل الله لكنيسته وباباها من هو يحمل لواء التعليم بصفات، أسلفناها، جعلت من قداسته يجد في القمص تادرس يعقوب مبتغاه لوضع أول كاتيكزم للكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية.
إنها ليست مصادفة أن يخرج كاتيكزم الكنيسة في عهد هذا البطريرك الإصلاحي العظيم والذي قام قداسته بتقديم نسخ منه لرؤساء الكنائس في اجتماع مجلس كنائس الشرق الأوسط الأخير في مصر، وقد علق قداسة البطريرك مار أغناطيوس إفرايم الثاني بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة قائلا: ” أنا أفرح إنني تتلمذت على يد أبونا تادرس يعقوب ملطي وكنت أحضر محاضراته في الكلية الإكليريكية بالأنبا رويس نحن نحبه كثيرا ارجو توصيل سلامي لقدسه وأرجو زيارته ورؤيته وانا سعيد بمجلد الكاتكيزم”.
أحبائي مبارك لنا هذا العمل العظيم الذي طال انتظاره، شكرا لأبونا البطريرك وتعضيده، شكراً لأبينا تادرس يعقوب، شكرا للشماس بيشوي بشرى الذي ساعد في إعداد العمل والشكر والمجد أولاً وأخيراً للثالوث الأقدس الإله الواحد الذي أعانهم وباركهم، له كل المجد إلى الأبد.