الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
الدكتور عاطف معتمد

هل حقا : الروس قادمون ؟!

عاطف معتمد

واحدة من أشهر أساليب الدعاية المضادة لروسيا وصفها دوما بالخطر المحدق ونشر الخوف والفزع مما تضمر من مخططات، الأمر الذي سمح بظهور مصطلح “الروسوفوبيا” ثاني أشهر مصطلح في الغرب بعد “الإسلاموفوبيا”.

يأتي التخويف في القرن الحادي والعشرين لأسباب أهمها استمرار روسيا في الصلابة العسكرية والاستعداد للحرب في الوقت الذي يريد فيه الغرب الراحة والدعة.

لماذا تستمر الأطروحة الغربية في صناعة مفهوم الروسوفوبيا؟

الاتحاد الأوروبي في موضع ضعيف ويمكن أن يتفكك وهناك معارضون له.

وخلافا لما نظن أن كل أعضاء الاتحاد على قدم المساواة هناك ترتيب طبقات وترتيب هرمي يصل إلى درجة الظلم وربما العنصرية.

ويعرف من زار دول أوروبا الوسطى والشرقية التي كانت سابقا في المعسكر الشيوعي أو متأثرة به أن هناك حالة حنق وغضب لدى البعض من فرض الاتحاد سياسات إلزامية لجعل هذه الدولة مجرد مقدمي خدمات زراعية للدول الغربية.

ومعروف أنه إذا تهدد الاتحاد الأوروبي وتفكك لأسباب عدة فإن روسيا ستكون المستفيد الأول واكبر مهدد لوحدة أوروبا.

مرت 30 سنة من المتاجرة بظاهرة الإسلاموفوبيا وتم خلالها تدمير عدد كبير بالفعل من الدول الإسلامية والعربية. وكان بعض منظري الاستعمار في الغرب قد حذر منذ عام 1991 بأن على حلف الناتو أن يبحث عن “سبب وجود” جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

تقوم هذه الأطروحة على أنه لكي تبقي القدرات العسكرية وتطوير الأسلحة مستمرا فلابد كل فترة من اكتشاف عدو محتمل أو “اختراع” هذا العدو إن لم يكن موجودا.

ويرى هؤلاء المنظرون الآن أن كثيرين حول العالم ينتقدون النظام العالمي القائم على تسلط النظم المالية التي تفرض القروض والديون وتتحكم في مصائر دول العالم الثالث.

ومن شأن مواجهة روسيا أو جعلها عدوا أن تخفف الضغوط عن انتقاد هذا النظام المالي والاقتصادي والسياسي الغربي.

لا️ يمكن وصف الحرب الحالية في أوكرانيا بأنها تعيد بناء النظام العالمي الجديد، أبلغ وصف لها أنها تمثل إعادة إحياء لبعض تجليات الحرب الباردة أو ربما تمثل آخر مشاهدها. الفارق الوحيد أن هذه الحرب لا تتم بالوكالة بين قوات يمولها الغرب وقوات تمولها روسيا بل بين الروس والأوكران وهم أبناء قومية واحدة وهوية واحدة ووطن واحد ومصير قديم مشترك.

وهذا هو أكثر عناصر الاختلال في الميزان حيث الضحايا كلهم من الأوكران ثم من الروس، والأخطر من الضحايا زرع الفتنة والكراهية بين شعبين شقيقين لعقود طويلة مقبلة دون أية خسائر في المعسكر الغربي.

الذين يرون أن روسيا تحاول تفكيك النظام العالمي وبناء نظام عالمي جديد يغفلون أن إعادة بناء النظام لا تقوم بها دولة واحدة، ولا يتحقق ذلك فقط بالحرب.

النظام العالمي تكتل مجموعة من الدول على أسس اقتصادية واستراتيجية ومصالح مشتركة، وتأتي مسائل الدفاع المشترك والحرب في ختام الأجندة.

وقد حاولت روسيا تشكيل هذا النظام لكنها لم تنجح.

فخلال 20 عاما مضت حاول بوتين مع كل من عالم الجنوب (البرازيل وجنوب إفريقيا والهند) ومع أكبر قوى اقتصادية في الشرق (الصين) وحاول مع دول الجوار (آسيا الوسطى وشرق أوروبا).

ولكن النتيجة لم تكن إلا شكليات دبلوماسية واحتفالية دون مشروعات على الأرض.

هناك على ما يبدو أزمة ثقة، وتتطلب هذه التحالفات متابعة وجدية وتفكير خلاق واستثمارات كبرى ومواجهة الدول الغربية وهو ما لا تتقنه روسيا بشكل كاف، أو هو في نظري أكبر من قدراتها وطاقتها في المحافل الدولية لغياب القدرات الخلاقة وضعف أسس تطوير الحريات وتجميد الإبداع في الإدارة والمبادرة الفردية، وتراجع النقد الذاتي وغياب الصحافة الحرة والاكتفاء الروسي الذاتي دون الانخراط بشكل واضح في شبكة العولمة الجهنمية.

في الوقت الذي يطرح فيه النظام الغربي الإمبريالي مجموعة من الشعارات البراقة مثل الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة واتقان النشر بلغاته التي يتعلمها أبناء القارات المختلفة، لا تحترف روسيا أي شعار أو أيديولوجية أو تهتم فعليا بنشر لغتها بشكل جاد واحترافي وتترك أمر القوى الناعمة في يد مجموعة من الهواة النمطيين الموظفين وليس المحترفين ذوي التفكير الخلاق.

ليس لدى موسكو أي أطروحة روحية ولم يسمح بوتين لأحد من حوله بتأليف أطروحة جديدة منذ سقوط أطروحة الشيوعية والاشتراكية.

وحتى لا أطيل أود التنويه إلى أن الروسوفوبيا والتخويف منها يتجدد كل بضعة عقود. ففي الحرب الباردة ظهر مصطلح “الروس قادمون”، وهو مشتق من أساليب القرنين 18 و 19 اللذين شهدا التوسعات العسكرية الروسية في الجهات الأربع من خريطة ورسيا وحروبها التوسعية في كل جبهة.

في الكتاب الذي ألقيت عنه محاضرة قبل يومين عن الجغرافيا زمن رفاعة الطهطاوي قبل ما يقرب من 200 سنة عرضت وصفا لروسيا من زمن الطهطاوي تسمى فيه باسم “مملكة بني الأصفر” هذا وصف غريب لأن الروس ذوي بشرة فاتحة أقرب لأن يكونوا من “بني الأبيض” مثلهم مثل الأوروبيين، لكن وصفهم بأنهم من بني الأصفر يمكن تفسيره بتأثير جغرافية القرون الوسطى على قراءة رفاعة الطهطاوي.

ففي شطر مهم من العصور الوسطى وحتى القرن 15 كانت روسيا تخضع للاحتلال المغولي الذي يوصف بأنه الجنس الأصفر.

هذا الوصف وثيق الصلة أيضا بجذور مفهوم الروسوفوبيا، فعبارة الروس قادمون تشير بطريقة أخرى إلى أن “المغول المدمرون المخربون قادمون”.

ودعونا نختم بالعبارة الشهيرة التي انتشرت في اللغات الأوروبية من أصل فرنسي والتي تقول:”إذا كشطت جلد الروسي ستجد أسفله المغولي الأصلي”Scratch at the Russian and underneath you will see the Tatar.

وهذا يعني أن الخوف من روسيا والتخويف منها مستمر منذ قرون عدة تعود جذورها الغزوات المغول والتتار.من بين الأسباب الدعائية تلك الخريطة المرفقة التي تجدها بجودة عالية في أول تعليق.

يقال إن هذه الخريطة سمها طالب جامعي ياباني معبرا عن خوف بلاده من العدوان الروسي في عام 1904.في هذه الخريطة التي أصبحت رمزا للروسوفوبيا يتم التعبير عن روسيا باعتبارها أخطبوطا ضخما يمد أذرعته إلى كل مكان:-

️يؤسس ميناء روسيا على حدود اليابان فينتزع من الصين في الشرق الأقصى ميناء روسيا مفتوحا في المحيط الهادئ.-يحاول أن يخطف التبت من الصين.- تصده الهند (الاحتلال البريطاني) بعيدا عنها – يخنق إيران من رقبتنها- يشل حركة الإمبراطورية العثمانية من الأقدام والوسط ويستولي على القرم- يدمر كلا من بولندا وفنلندا.

هذه الخريطة التخويفية التي مر عليه نحو 120 سنة يعاد إنتاجها عبر العصور وهو أمر ليس بجديد من حيث آلية الصدام بين القوى الآسيوية والغربية ومن مصلحة الغرب ترويجه، ويجب على روسيا المستقبل تفكيكه وتنويع أطروحاتها لمواجهة شبكة التأثير الأخطبوطية الدولية الحديثة التي قد تستهدف البيت الروسي ذاته او تشغله بذاته وتوقع العداوة بينه وبين دول الجوار وتعزز مخاوفهم من روسيا لعقود أخرى مقبلة.

الروس قادمون

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!

كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.