د.ماجد عزت إسرائيل
أصل اسم ودامون ومعناه التاريخي
الشهيد «ودامون» هو أول شهيد مصري استشهد لأجل السيد المسيح. وأصل اسمه التاريخي مستمد من الإله آمون ومعناه الخاص بالإله المصري آمون.
وكان آمون إله الشمس والريح والخصوبة؛أحد الآلهة الرئيسيين في الميثولوجيا المصرية القديمة-ديانة قدماء المصريين-ومعنى اسمه الخفي. وكان اسمه ينطق «أمن» أو«أَمِن».
وتاريخياً عند القدماء المصريين اعتبر آمون خالقاً لنفسه، إلا أن مدرسة هِرموبوليس(الأشمونين) اللاهوتية اعتبرته أحد الآلهة في الأجدود، الثامون المعروف باسمها.
ذهب البعض إلى أن آمون كان إلها حديثاً نسبياً في الديانة المصرية القديمة، حيث أن عبادته في طيبة- حيث توجد أقدم معابده- ولكنه في الحقيقة وجد مذكورا في متون الأهرام التي ترجع لعصر الملك «أناس»، الأخير في الأسرة الخامسة، والتي تظهره كرمز للقوى الخالقة، متوافقا مع دوره في ثامون آلهة هِرموبوليس، مما يعطي وجوده قدما أكبر.
ويحتمل أن عبادة آمون بدأت في هِرموبوليس، أو أنه في البداية كان إلهاً محلياً طيبة عندما كانت لا تزال بلدة غير ذات أهمية كبيرة.
مَوْلِدٌ ودامون
وُلدَ «ودامون» بمدينة أرمنت التابعة لمركز الأقصر؛ وهي من أقدم المدن المصرية، وقد ذكرها جوتييه في قاموسه باسمper Montou ومعناها مدينة الآله «مونتو».
وفي العصر القبطي عرفت باسم«Arment». ومنها استمد إسمها العربي«أرمنت».
وقد ذكرها أميليو في جغرافيته، أن إسمها Ermont وقد وردت في كشف الأسقفيات هكذا أرمنت. وبمدينة أرمنت وُلدَ «ودامون» ونسب اسمه إليها حيث عرف باسم «ودامون الأرمنتي» وبها تلقي تعليمه سواء بمدارسها أو على يد المعلمين والمخاتره أرباب الحرف.
وأيضًا اعتنق ديانتها الفرعونية ومارس الشعائر وقدم القرابين لآلهتها بها.
ودامون والعائلة المقدسة
ومع بداية العصر القبطي نالت مصر بركة كبيرة؛ وأهمية خاصة بعد ميلاد السيد المسيح، فذكر القديس متى الإنجيلى أن يوسف هرب بالطفل وأمه، من وجه هيرودس إلى أرض مصر.
كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: “…. إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ».” (مت 2: 13).
وفي ذات اللحظة أصدر هِيرُودُسَ أوامره بذبح كل طفل يبلغ من العمر أقل من عامين؛ ولكن في أثناء تنفيذ هذا القرار كان يسوع وأمه مريم والقديس يوسف النجار في طريقهم لمصر، وحقاً كما تنبأ إشعياء قائلاً: “وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.” (إش 19: 1).
وكان دخول السيد المسيح أرض مصر بركة كبيرة لأرضها وشعبها، فبسببها قال الرب “مبارك شعبي مصر” (أش 19 : 25)، وبسببها تمت نبوءة أشعياء القائلة: “فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا.” (إش 19: 19).
وهذا المذبح بكنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية بدير المحرق العامر، حيث مكثت العائلة المقدسة في هذا المكان نحو أكثر من ستة شهور كاملة، وسطح المذبح هو الحجر الذي كان ينام عليه المخلص الطفل يسوع.
ويقع دير المحرق في منتصف أرض مصر تماماً من جميع الاتجاهات، كما كثرت في أرض مصر على امتدادها الكنائس، خصوصاً في الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وباركتها.
على أية حال، في أثناء وجود العائلة بأرض مصر وبالتحديد في إقليم الأشمونين الذي كان يعد من الأقسام الإدارية القديمة ويعرف باسم أونو، وقاعدته خمونو(الأشمونين)؛ وكان هذا الإقليم يشمل مركز ملوى وديروط. والأشمونين حاليًا هي إحدى القرى التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا.
وقد قيل أن القديس «ودامون» كان ذات يوم كان جالسًا في بيته بمدينة أرمنت وكان عنده ضيوف من عبدة الأوثان. فقال بعضهم لبعض:”هوذا قد سمعنا أن امرأة وصلت إلى بلاد الأشمونين ومعها طفل صغير يشبه أولاد الملوك”، وقال آخرون: “هل هذا الطفل قد جاء إلى البلاد المصرية؟” وصار كل منهم يتحدث عن الصبي.
فلما انصرف الناس ومضى كل منهم إلى بيته نهض«ودامون» وشدَّ دابته وركب حتى ووصل إلى مدينة الأشمونين، ولما أبصر الطفل يسوع مع مريم أمه سجد له. فلما رآه الطفل تبسم في وجهه وقال له: “السلام لك يا ودامون.
وقد تعبت وأتيت إلى هنا لتحقيق ما كنتم تتحدثون به داخل مجلسكم وأنتم جلوس تتكلمون من أجلي، فإني سأقيم عندك ويكون بيتك مسكنًا لي إلى الأبد».
فاندهش القديس «ودامون» وذكر قائلاً: “يا سيدي أني اشتهي أن تأتي إلى وتسكن في بيتي وأكون لك خادما إلى الأبد” .
فقال له الصبي: “سيكون بيتك مسكنا لي، أنا ووالدتي إلى الأبد لأنك إذا عدت من هنا وسمع عابدو الأوثان أنك كنت عندنا يعز عليهم ذلك ويسفكون دمك في بيتك فلا تخف لأني أقبلك عندي في ملكوت السموات إلى الأبد مكان الفرح الدائم الذي ليس له انقضاء وأنت تكون أول شهيد في بلاد الصعيد.
” فقام الرجل وسجد للسيد المسيح فباركه ثم انصرف راجعا إلى بيته. فلما عاد «ودامون» إلى مدينة أرمنت سمع عابدو الأوثان بوصوله وشاع الخبر في المدينة أن «ودامون» زار الطفل يسوع وأمه مريم. فجاءوا إليه مسرعين وقالوا: هل الكلام الذي يقولونه عنك صحيح؟
فقال لهم: “نعم أنا ذهبت إلى السيد المسيح باركني وقال لي: أنا أتي وأحل في بيتك مع والدتي إلى الأبد” فصرخوا كلهم بصوت واحد وأشهروا سيوفهم عليه.
ونال إكليل الشهادة. ولما أبطلت عبادة الأوثان وانتشرت المسيحية في البلاد قام المسيحيون وجعلوا بيته كنيسة علي اسم السيدة العذراء مريم وابنها الذي له المجد الدائم. وهذه الكنيسة هي التي تسمي الجيوشنه وتفسيرها ” كنيسة الحي”، بظاهر أرمنت وهي باقية إلى يومناً هذا.
وفي 18 من شهر مسري كل عام – تقريبًا ما بين (7 أغسطس إلى يوم 6 سبتمبر). تذكار استشهاد القديس «ودامون» الأرمنتي. بركة شفاعة سيدتنا القديسة مريم العذراء والدة الإله، وشفاعة هذا الشهيد ودامون المؤمن الطاهر. تبارك وتحفظ حياتكم.
وعلى اسم هذا الشهيد «ودامون» تم بناء الكائس والتي من اشهرها كنيسة السيدة العذراء مريم والشهيد ودامون، بالأشمونين، بمركز ملوي- محافظة المنيا، بجنوب مصر.
أي بذات المنطقة التي تقابل فيها ودامون بالطفل يسوع في أثناء وجوده بمصر. وهذه الكنيسة تابعة لإيبارشية ملوي وأنصنا والأشمونين وتوابعها.
وأيضًا كنيسة السيدة العذراء مريم والشهيد ودامون الأرمنتي بحاجر أرمنت، التابعة لمدينة الأقصر، بجنوب مصر. أو تعرف باسم دير العذراء مريم والشهيد ودامون الأرمنتي للراهبات بحاجر أرمنت بالاقصر.
أي بذات البلده التي نشأ بها الشهيد ودامون. وهذه الكنيسة تابعة لإيبارشية الأقصر وتوابعها.
وأخيراً؛هذه المقالة إهداء لأبونا الحبيب «شنودة الأقصري»الذي قام صاحب النيافية الأنبا دميان أسقف شمال ألمانيا وتوابعها ورئيس دير السيدة العذراء مريم والقديس موريس بهوكستر بألمانيا- بسيامته قساً في(مارس2022 م ) باسم القس «شنودة» على كنيسة القديس الأنبا أنطونيوس والأنبا شنوده رئيس المتوحدين- بمدينة برلين.
وحقاً تحدثنا معاً عن هذا الشهيد وشجع ضعفي لكتابة هذه المقالة فله مني كل الشكر والتقدير.
بركة أمنا السيدة العذراء والشهيد «ودامون» تبارك حياته وتحفظه لخدمة اسمه القدوس.