مختار محمود
بعيدًا عن حالة النجاح التي يحققها الجزء السادس من مسلسل “الكبير” على مستوى الصياغة الدرامية والمواقف الكوميدية والإفيهات المضحكة..فإن هناك إشارات مهمة تتصل بحالة المسلسل وبالبطل متعدد الشخصيات أحمد مكي، يجدر الوقوف عندها والتعاطي معها بحُسن نية؛ بعيدًا عن حالة التربص التي تكتنف الجو العام في السنوات الأخيرة.
الإشارة الأولى: تخلى “الكبير”، باعتباره عمدة المزاريطة عن كثير من بطشه وعنفه في التعامل مع معاونيه ومساعديه من ناحية، ومع رعيته من أهل القرية من ناحية ثانية. لم يعد عمدة المزاريطة يلجأ إلى تعذيب خصومه وإذلال معارضيه من خلال إجبارهم على “إمساك السلك المكهرب”، بل بدا أكثر هدوءًا وتسامحًا، ومن ثمَّ أصبح محبوبًا من الجميع.
الإشارة الثانية: لم يعد “الكبير” ينفرد بالرأي والقرار وحده لا شريك له، أويتعامل مع مقاليد الأمور باعتباره العالم الوحيد ببواطن الأشياء وظواهرها، كما كان يفعل في الأجزاء الأولى، بل أصبح يسمع لآراء المقربين منه وغير المقربين.
يمنح عمدة المزاريطة الفرصة للخفير “أشرف” بأن يدلى برأيه، ولم يعد يقاطعه أو يزدريه أو يقول له ساخرًا: “إنت فاهم الكلام اللي بتقوله ده؟”.
كما يتعامل مع خفيره الثاني “فزاع” بشيء من الأريحية، ويتبادل معه النكات ويستعين به في فهم ما يستعصي عليه، متجاهلاً أنه كان زوجًا سابقة لوالدته المتأمركة “سامنتا”.
الإشارة الثالثة : ظهرت على المزاريطة ملامح نهضة اقتصادية واجتماعية واضحة، فتلاشى كثير من ملامح الفقر التي كان تتوطن أرجاءها وتسكن وجوه أبنائها، وامتلكت المزاريطة وحدة صحية حديثة ومركز شباب وغاب السجن، ما يعنى أن العمدة كان يسير في خطين متوازيين وهما: الاهتمام بالبشر والحجر معًا، ولا ينحاز لواحد دون الآخر.
الإشارة الرابعة: امتدت ديمقراطية “الكبير” إلى عدم رهبة أبناء المزاريطة من وجوده بينهم، فأصبح يترجل في شوارع القرية دون موكب، ودون أن يرافقه خفير أو اثنان، ولم يعد أهالي المزاريطة يفزعون منه ويفرون فور رؤيته، بل أصبحوا يتبادلون معه السلام والحوار دون خوف.
الإشارة الخامسة: إعمالاً لمنهج الديمقراطية..فإن “الكبير” لم يمانع من عقد مؤتمر موسع أمام “الدوار”؛ ليستمع إلى مطالب سيدات المزاريطة، ووجه أزواجهن بتلبيتها، كما وافق على تخصيص يوم لهن لدخول مركز الشباب المزاريطي، وجرى الحوار في أجواء عائلية، ولم يندس أحد من أتباع الكبير لإفساد المؤتمر أو تلاوة قصائد المدح الزائفة، أو طرح أسئلة موجهة.
الإشارة السادسة: الحياة لا تتوقف عند غياب شخص ما، أيًا كانت أهميته، والدليل أن وجهًا جديدًا مغمورًا تمكن من تعويض غياب بطلة المسلسل خلال أجزائه السابقة. أسقط المسلسل أسطورة الشخص الذي لا يمكن تعويضه، ولا تسير الحياة بدونه.
الإشارة السابعة: لم يحرص عمدة المزاريطة على أن يكون موجودًا في كل مشاهد المسلسل، ولا جميع تفاصيل حياة أهل القرية، بل إن غيابه كان يطغى على حضوره في كثير من المواقف.
لم يعد “الكبير” في الجزء السادس حريصَا على تقمص دور ” الرجل الأوحد”؛ ربما لأنه اقتنع بعد كل هذه السنوات أن قناعته كانت خادعة وزائفة.
الإشارة الثامنة: أسقط مسلسل “الكبير” الحسابات سابقة التجهيز، وكشف أصحاب التنبؤات الوهمية، حيث أجمع المتابعون على الفشل الذريع للمسلسل قبل إذاعته.
والأغرب من ذلك كله أنه أذيع بالتزامن مع برنامج المقالب الأشهر في السنوات الأخيرة، وتمكن من كسب الرهان وسحب البساط منه..كذب النقاد الفنيون ولو صدقوا.
الإشارة التاسعة: أية منظومة تنطلق مع الإخلاص في العمل، واختيار العناصر المناسبة، وتغليب الكفاءة على الثقة، قادرة على تجاوز جميع التحديات الجسيمة وتحقيق المستحيل.
الإشارة العاشرة: في الحلقات الأولى من هذا الجزء، وبَّخ عمدة المزاريطة خفيره “فزاع” الذي كان ينافقه ويزيف له الحقيقة أثناء جولة تفقدية بالقرية، قائلاً له: ” أهو التطبيل ده اللي هيجيب المزايطة لورا”؛ ربما لأنه أدرك أن ثالوث: الكذب والتضليل والتدليس أسقط دولاً وضيَّع أنظمة وغيَّب حضارات كانت يومًا شامخة.