د.ماجد عزت إسرائيل
ولد يهوذا بن سمعان في قرية قريوت التى تقع جنوب مملكة يهوذا،واحد تلاميذ السيد المسيح الأثني عشر،وأطلق عليه هذا الاسم لتميزه عن يهوذا تداوس – احد تلاميذ المسيح أخو يعقوب بن حلفى حسب إنجيل لوقا – وهو الوحيد بين تلاميذ المسيح الذي لم يكن من الجليل.
وورد ذكره عند اختياره تلميذًا في الكتاب المقدس حيث ذكر قائلاً:”يهوذا الإسخريوطي الذي خانه”(مت 4:10؛مر؛لو 16:6).
أما إنجيل معلمنا لوقا فذكر قائلا:”وَاقْتَرَبَ عِيدُ الْفَطِيرِ،الْمَعْرُوفُ بِالْفِصْحِ وَمَازَالَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَسْعَوْنَ كَيْ يَقْتُلُوا يَسُوعَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الشَّعْبِ. وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الْمُلَقَّبِ بِالإِسْخَرْيُوطِيِّ، وَهُوَ فِي عِدَادِ الاِثْنَيْ عَشَرَ.فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ حَرَسِ الْهَيْكَلِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. فَفَرِحُوا، وَاتَّفَقُوا أَنْ يُعْطُوهُ بَعْضَ الْمَالِ. فَرَضِيَ، وَأَخَذَ يَتَحَيَّنُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ بَعِيداً عَنِ الْجَمْعِ” (22: 2 -6).
هو الذي أسلم المسيح، مقابل ثلاثبن من الفضة، وقد تم انتخاب متياس الرسول بديلًا له لاحقًا(أع 26:17).
وقد عاصر يهوذا الإسخريوطي السيد المسيح وكان ضمن تلاميذه قبل خيانته، وبيلاطس، وهيرودس الملك، والتلاميذ الأحد عشر الآخرون.
واتصف بأنه كان شكاكاً، وطماعاً ، وخائناً ومحباً للمال(يوحنا12-6)، لدرجة وصلت إلى أنه اعترض على المرأة التى دهنت يسوع بالطيب كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً:” فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ، وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا، فَامْتَلأَ الْبَيْتُ مِنْ رَائِحَةِ الطِّيبِ.
فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ، الْمُزْمِعُ أَنْ يُسَلِّمَهُ: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هذَا الطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟» (يو 12 :3-5). كما كانت نهايته الانتحار بدلا من أن يطلب المغفرة والتوبة عن أعماله وخطيته.
على أية حال، قبل إلقاء القبض على يسوع كان في بستان بجبل الزيتون قرب وادي قدرون مع تلاميذه، وهم بطرس ويوحنا ويعقوب ابني زبدي وقَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ».”… (لو 22: 40-46)
وانفرد عنهم للصلاة؛ قَائِلًا: “يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ”.
وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.
ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلاَةِ وَجَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ. فَقَالَ لَهُمْ: “لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ”(إنجيل لوقا 22: 42- 46). وَقَالَ لَهُمْ: “… قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ.” (مر 14: 41)، وفي الحال تقدم يهوذا الاسخريوطي يرافقه فرقة من الجند الرومان- في الغالب كانوا يقيمون خارج القدس القديمة وربما استقدموا للمدن في إطار حفظ الأمن خلال عيد الفصح – من المسؤولين عن القبض على المتهمين،وبالطبع هم منفصلين عن اليهود الذين كانوا يعشون داخل أسوار المدينة.
وحسب ما ورد فى إنجيل معلمنا يوحنا حيث ذكر قائلاً:””وكانَ يَهُوَّذا مُسَلِّمُهُ يَعرِفُ المَوضِعَ. لأنَّ يسُوعَ إجتَمَعَ هُناكَ كَثيراً معَ تلاميذِهِ. فأخذَ يَهُوَّذا الجُندَ وخُدَّاماً من عندِ رُؤساءِ الكَهَنَة والفَرِّيسيِّين وجاءَ إلى هُناكَ بِمَشاعِلَ ومصابِيحَ وسِلاحٍ.”(يوحنا 18: 1-2)، “فخرجَ يسُوعُ وهُوَ عالِمٌ بِكُلِّ ما يأتي عليهِ وقالَ لهُم من تَطلُبُونَ؟ أجابُوهُ يسُوعَ النَّاصِريّ.
قالَ لهُم يسُوعُ أنا هُوَ. وكانَ يَهُوَّذا مُسَلِّمُهُ أيضاً واقِفاً معَهُم. فلمَّا قالَ لهُم إنِّي أنا هُوَ رجَعُوا إلى الوراء وسَقَطُوا على الأرض. فسألَهُم أيضاً من تَطلُبُون؟ فقالُوا يسُوعَ النَّاصِريّ. أجابَ يسُوعُ قد قُلتُ لكُم إنِّي أنا هُوَ.
فإن كُنتُم تَطلُبُونَني فدَعُوا هَؤُلاء يَذهَبُون. لِيَتِمَّ القَولُ الذي قالَهُ إنَّ الذين أعطَيتَني لم أُهلِكْ منهُم أحداً.”(18: 4- 9).
وبالحق كان هناك اتفاق ما بين يهوذا(المخبر في عصرنا الحالي) وقائد الفرقة(المأمور حاليًا) وقد اتفق مسلموه مع الجند على أن الذي يقبله هو يسوع، فبعد أن قبله قال له يسوع: “يا يهوذا أبقبلة تسلّم ابن الإنسان” (لوقا 48/22).
وبالطبع دافع بعض التلاميذ عن معلمهم ومن بطرس كما ورد في إنجيل يوحنا (يُوحَنَّا 18: 1- 11) حيث ذكر قائلاً:”ثُمَّ إنَّ سِمعانَ بُطرُس كانَ معَهُ سَيفٌ فإستَلَّهُ وضربَ عبدَ رَئيسِ الكَهَنةِ فقطعَ أُذُنَهُ اليُمنى.
وكانَ اسمُ العَبدِ مَلخُس. فقالَ يسُوعُ لِبُطرُس إجعَلْ سَيفَكَ في الغَمدِ.
الكأسُ التي أعطاني الآبُ ألا أشرَبُها؟” وآخرون من التلاميذ هربوا أما يسوع فذهب مع الفرقة الرومانية ناحية باب الإسباط .
الخلاصة…. يهوذا الإِسْخَرْيُوطِيِّ كان مريض بـــ “الطمع المرّ” الذي يقول عنه الرسول بولس “أصل كل الشرور،وإذ سعى بعضهم إليه، ضلوا عن الإيمان،وطعنوا أنفسهم بأوجــــاع كثيرة” (1تي 6: 10) ذلك المرض الذي كان قد هزمه.
والحقيقة التاريخية على قدر خيانة يهوذا ألا أنه قدم لنا دراساً عمليناً لمن يريد أن يتعلم، حيث دفعناً يهوذا لنفكر مرّة أُخرى في التزامنا لله ووجود روحه القدوس في داخلنا، فهل نحن تلاميذ وأتباع حقيقيون ليسوع المسيح، أم مجرد ادعياء كاذبين، نستطيع أن نختار الطمع والجشع والشك واليأس والموت،أو أن نختار التوبة والغفران والحياة الأبدية.
ها هي الفرصة أمامنا، فهل نقبل عطية الله المجانية والمسيح في حياتنا ؟ أو نُسلّمه كما سَلّمه يهوذا؟.