هاني صبرى – المحامي والخبير القانوني
اليوم طالعتنا صحيفة المصري اليوم بنشر فتوي بعنوان ما حكم بيع الطعام في نهار رمضان للكافر ” واستندوا إلى فتوي شيخ سوري يكفر الجميع ويُزعم إن أىّ إنسان يفطر في نهار رمضان أياً كان ديانته فهو كافر ، هذا رأي المذكور في الصحيفة تجاوز الحد المسموح به فى الطرح ويصنف كهجوم مسيء ضد المواطنين ويعرض حياتهم للخطر ، يشكل جريمة ازدراء للدين الإسلامي والمسيحي ، مثل هذه الفتاوي المتطرفة لا تندرج ضمن باب الحريات بأىَ شكل من الأشكال.
ويجب عدم الإساءة إلى الآخرين المختلفين معنا ، ولابد أن يكون هناك توازن دقيق بين الحق فى حرية التعبير
وحق الأخرين فى حماية مشاعرهم الدينية وكرامتهم، وأن هناك خطوط فاصلة بين الحرية الشخصية
وبين مراعاة مشاعر الأخرين واحترام معتقداتهم، وأن تكفير الآخرين لا يدخل ضمن حرية التعبير
ولا ضمن الحرية الشخصية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل تريدون ما حدث في سوريا يحدث في مصر ، لم ولن يسمح لكم المصريين
وكافة مؤسسات الدولة بذلك.
مثل هذه الفتاوي المتطرفة والغريبة علي مجتمعنا تضر المجتمع وأمنه واستقراره.
جدير بالذكر إنه لا توجد عقوبة في القانون المصري تجرّم الفطرِ نهار رمضان ، ونتساءل من نصب
هؤلاء أولياء وأوصياء علي الناس ، ونؤكد أن الفطرِ في شهر رمضان ليس مجرما بالقانون المصري ،
والمصريون بيصوموا منذ أكثر من الف عام ولا توجد مشاكل فلماذا التحريض إذن على عقاب غير الصائم فالصيام
علاقة خفية بين الإنسان وربه ، فالعبادات في غالبها ممارسة بارزة وظاهرة، أما الصوم فهو سر بين العبد وربه
لا يعلمه ولا يراه إلا هو ، وقال القرطبي أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله ، والعذر في الصيام إنما هو أمر بين العبد وربه ولا يعلمه الناس كافة ، فلماذا يحاول البعض تنصيب أنفسهم أوصياء علي البشر للتحكم في ظروفهم وحياتهم والإطلاع علي أسرارهم لمعرفة هذا المسوغ
مقبول من وجهة نظرهم ام لا ، وهذا يجعل الكثيرين يتدخلوا في شؤون الآخرين وربما تحدث خلافات وصراعات بينهم نحن في غني عنها ، ناهيك عن وجود ديانات أخري ، واللادينيين لا يصوموا شهر رمضان.
إن الدستور أعلى قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة
في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل توكيدا لقيمتها
وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة القوانين.
ولا يجوز أن تفرض عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه فيعقاب لمجرد أنه تناول الطعام في نهار رمضان
التالي تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التي تكفل لكل شخص حدا أدنى من الحقوق التي لا يجوز النزول
عنها أو التفريط فيها.
إن النصوص العقابية، تصاغ في حدود ضيقة جرمها المشرع، وحدد ماهيتها، لضمان ألا يكون التجهيل بها موطئا للإخلال بحقوق كفلها الدستور للمواطنين.
إن الأصل العام كوّن التجريم والعقاب بيد السلطة التشريعية ، حيث إن الدستور المصري الحالي
ينص في المادة 95 علىّ “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا
بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.
” إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلاً ثابتاً كضمان ضد التحكم فآلا يؤثم القاضي أفعالا ينتقيها
ولا يقرر عقوبتها وفق اختياره إشباعا لنزوة أو انفلاتاً عن الحق والعدل، ومن ثم يكون التأثيم ،
عائداً إلى المشرع الذي اتخذ من ضمان الحرية الشخصية بنيانا لإقراره توكيده ، إلا أن هذه الحرية ذاتها
هي التي تقيد من محتواه ، فلا يكون إنفاذ هذا المبدأ لازما إلا بالقدر وفي الحدود التي تكفل صونها
ولا تفسرها بما يخرجها عن معناها أو مقاصدها .
ولا مد نطاق التجريم ، وبطريق القياس ، إلى أفعال لم يؤثمها المشرع. ويجب التعامل بكل حزم مع أىّ فتاوي
تصدر ضد القانون.
نحتاج إلى ضبط الأداء الإعلامى، والتدقيق فيما يقدم للقراء واحترامهم، والالتزام بميثاق الشرف الإعلامى
ومدونة السلوك المهنى، والبعد عن الأمور التى تحدث أى إثارة أو بلبلة، أو تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
إن الدستور المصرى الصادر فى 2014 فى المادة 211 منه أناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسئولية
وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الأعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها
والحفاظ على مقتضيات الأمن القومى، وأوجب عليه القانون رقم 180 لسنة 2018 اتخاذ الإجراءات المناسبة
اللازمة لبلوغ تلك الغايات، وخوَّله من الاختصاصات والسلطات، وأتاح له استخدام العديد من التدابير
وتوقيع ما يراه ملائماً من الجزاءات المعينة له فى هذا المقام ، لذلك يجب التعامل بكل حزم
وفقاً للقانون مع مثل هذه التجاوزات. وطبقاً للمادة 211 من الدستور الصادر عام 2014 والمادة (94)
من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
واللوائح الصادرة تنفيذاً له، فإن هذه الفتوي قد خالفت ميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى فى
باب أولاً المبادئ العامة فى فقراتها أرقام (2، ، 4، 6، 9) والتى نصت على التالى:
1- الفقرة رقم 2 على احترام القيم المجتمعية وآداب وتقاليد المهنة.
2- الفقرة رقم 6 احترام الكرامة الإنسانية وعدم الإساءة إلى أى فئة من فئات المجتمع.
3 – احترام الوحدة الوطنية 4 الفقرة 9 تنص، على احترام حقوق الجماهير مستمعين ومشاهدين وقراء.
كما تنص الفقرة الثانية فى باب الواجبات، على عدم مخالفة الالتزام بالموضوعية فى التناول، والتوازن فى
عرض وجهات النظر، وعدم تغليب المصالح الخاصة على الاعتبارات المهنية ناهيك عن إن المقال الصادر عن صحيفة المصري اليوم المصري يعد جريمة ازدراء للدين المسيحي والإسلامي المعاقب عليه بالمادة ( 98 و)
إن ما يدَّعيه أصحاب هذا الرأي يمثل جرائم استغلال الدين للترويج لأفكار غير صحيحة بقصد إثارة الفتنة
وازدراء الدين المسيحي والإسلامي ، والإضرار بالوحدة الوطنية وتعكير السلم والأمن العام.
وفي تقديري هذا يعد جريمة ازدراء أديان مكتملة الأركان وهذا ثابت من خلال النشر والتعدي بالقول وبطريق العلانية علي الدين المسيحي والإسلامي.
ويستفاد ذلك من نص المادة ( 98 و) من قانون العقوبات تنص علي “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين
في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية”.
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية
منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن، ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، وأن الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير
أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في الديانات الإبراهيمية، أو الأعتداء علي قدسية الاعتقاد الديني والإساءة
للدين ، ومهاجمة العقيدة ، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل
وهي الصورة الأكثر انتشارا.
أن حرية الإعتقاد والرأي مكفولة بمقتضى الدستور، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان
أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه، فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد
وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون.
بناء عليه نطالب المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام إيقاف رئيس تحرير صحفية المصري اليوم
والصحفي المسؤول عن نش الفتوي عن العمل ، وأحالتهما إلى نقابتهم المختصة للتحقيق معهما ، وتغريم الصحيفة والإنذار بإيقافها حال تكرار هذه المخالفة.
ونناشد السيد الاستاذ المستشار النائب العام بصفته صاحب الاختصاص الأصيل في تحريك الدعوي
الجنائية إحالة رئيس تحرير المصري اليوم ، والمحرر الصحفي الذى نشر الفتوي للتحقيق ، وإحالتهما
إلى محاكمة جنائية عاجلة بتهمة ازدراء الدين المسيحي والإسلامي وفقاً للمادة ( 98و ) من قانون العقوبات.
كما نطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨م مواجهة مثل هذه الدعاوي التي تنال من سلامة واستقرار الوطن لمنع حدوث حالة من الاحتقان تضر
بالمجتمع ومواجهتها وقفاً للقانون بكل حزم للمحافظة علي الوحدة الوطنية وسلامة وأمن البلاد.