بقلم: أنطوني ولسن- سيدني، أستراليا
رمضان له ذكريات خالدة في حياتي منذ صغري، فما أن يطل هلاله؛ حتى استيقظ مبكرا وأخرج الى الشارع لأطوف مع المسحراتى وهو يضرب بقطعة من الجلد فوق طبلة صغيرة ليوقظ الصائمين للصلاة وبداية الصوم.. وظللت في كل عام، أرنو إلى وقت مجيء “ المسحراتى” لاستيقظ وأهم بالخروج الى الشارع للسير معه الى أن صارت علاقة طيبة بيني وبينه في الفجر. بعدها سمح لي أن أمسك بتلك الطبلة الصغيرة، وأبدأ بإيقاظ الناس للصلاة!
لم تمنعني أمي “رحمها الله” من الاستمرار فيما أفعل مع “المطبلا تى”. وفي بداية أول أيام العيد كان المطبلاتى يمر على المنازل ليأخذ العدية، وكانت أمي تحضر طبقا من “الكعك والبسكويت، مع قرشين صاغ وتعطيهما له.
استمر هذا الحال الى فترة زمنية كبرنا فيها وتغير “المطبلاتي ” ولم أعد أخرج في فجر كل يوم في رمضان كما كنت أفعل.
لكن كانت عندي عادة في شهر رمضان أن أذهب الى خالتي مريم “رحمها الله” التي كانت تعيش في حى البراد، الحي الذي ولدت فيه ولمدة أربعة أيام، ثم أنتقلت الأسرة الى 18شارع السندوبي بشبرا أمام “مخزن الترام”.
الغريب في الأمر والذي لا ولن أنساه حتى وأنا في هذه السن وأنا في طريقي الى خالتي في شهر رمضان، كانت العربات “الكارو” التي يركب عليها الأطفال بنين وبنات وهم يصفقون ويقولوا “العيد عيدنا والنصارى كلابنا واقفين على بابنا يمسحولنا الجزمة”.. والكثير مثل هذه الألفاظ ضد النصارى المسيحيون في مصر.
مع ذلك لم تنفصم العلاقة بيننا “كأبناء الحي” وبعض من عائلات شارع السندوبي.
لم تحدث أحداث مسيئة الينا نحن أقباط مصر ولا الى بعض العائلات اليهودية وكانت احدى العائلات تقطن في نفس الشارع وكانت علاقتي بأحد أبناء الأسرة علاقة طيبة نلتقي بها ويشاركنا اللعب نحن ابناء شارع السندوبي مع مشاركة ابن عم عبد الله “البقال” حتى مجيء أسرة فلسطينية وانضم ابنهم الينا والحلم مازال يراودني لتلك الذكريات الجميلة والمؤلمة لأندثارها ونهايتها. لأن تلك العلاقة لم تتوقف عند شارع السندوبي بل استمرت بدءا وأنا في مدرسة “الأمير فاروق” بالترعة البولاقية الى مدرسة “التوفيقية الثانوية” تكونت بيننا علاقة صداقة متينة “محمد عبد الله الخولي.. أحمد فؤاد.. ناحوم رياض ..وأنا”. هذه العلاقة استمرت طويلا الى رحيل البعض إلى السماء مبكرا ومع ذلك مازلت أتذكرهم اخوة واخوات مسلمين الى اليوم الحزين الذي أصاب مصر المحبة بوعكة صحية لم يجد أطباء الإنسانية وحب بعضنا لبعض كما كنا علاجا لها فقد خرجت طيور الظلام
وعششت وتغيرت مصر من مصر الأمان والمحبة الى مصر الأضطهاد العلني ضد المصريين المسيحيين الأقباط الذي استمر حتى يومنا هذا!
في صباح هذا اليوم المبارك عقدت العزم على تهنئة أصدقاؤنا المسلمون في أول أيام رمضان كالعادة.. لكني فوجئت بهذا الحدث المؤلم الذي راح ضحيته أكثر من 29 شهيدا أكثرهم من الأطفال غير الجرحى الذين نقلوا الى المستشفيات مساء أمس الجمعة
وكان من الطبيعي أن أعرف الخبر في الصباح المبكر، فحزنت حزنا شديدا ليس على الشهداء “كما نؤمن” لكن لهذا الفعل الدنيء الذي اصاب مصر في مقتل، لأن ما يحدث للمسيحيين الأقباط سيحدث أيضا للمسلمين بدون شك حتى تنتهي مصر من خريطة العالم ولن تعود مصر الى ما كانت عليه حتى في عهد عبدالناصر.
فخامة الرئيس محمد عبد الفتاح السيسي.. متى يمكن لمسيحي مصر أن يعيشوا في أمن وأمان ويواظبون حياتهم كمواطنين شرفاء يحبون أمهم مصر ويحبونكم فخامة الرئيس؟
متى فخافة الرئيس؟؟؟ لقد هاجرنا لبعد نظرنا وتحملنا مشقات الغربة، ومع ذلك فخامة الرئيس لم ننسى مصر!. كانت فرحتنا كبيرة عندما توليتم سُدة الحكم وكان أملنا في الله وفيكم.
لكن وآه من لكن هذه فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي!. الجرح غائر ومؤلم ولم يتوقف سلسال الدم المسيحي الذي يراق على أيدى سفاحين وقتلة يرتكبون الجرائم ولم يحاكم واحدا منهم لا من هم في السجون أو من هم يعيثون في الأرض فسادا وخرابا وأضطهادا للمسيحيين؟
متى فخامة الرئيس محمد عبد الفتاح السيسي سيشعر المسيحيون في مصر بقيمتهم والشعور بأمنهم فعلا أبناء مصر العاملين بكل الحب لوطنهم مصر الساهرين على مصلحة مصر، كل ما يحتاجون اليه فخامتكم هو ترك كل ما هو بيدكم من أعمال مهما كانت أهميتها وتبدأون بأقتصاص العدل والحكم السريع للذين في داخل مصر وسجونها وكل
من تسول له نفسه بقتل الأبرياء؟