أتابع الحرب من مصادر روسية فلا أجد سوى الرئيس بوتين في القصر المرمري يتكلم من وراء مكتب بالغ الأناقة. أما في الميدان فهناك متحدث باسم الجيش الروسي يحصي كل عدة ساعات ماذا تحقق على الأرض.
المتحدث باسم العمليات العسكرية يتكلم كأنه حاسوب آلي لا روح فيه ولا حياة، لا خطأ في حرف واحد، لا خروج عن النص الذي يطالعه من شاشة أمامه يراها هو ولا نراها نحن.
في هذه الحرب لا نسمع اسم أي بطل في المعارك، وهو أمر على الأرجح مقصود ومرتب لكي يبقى فرد واحد ورأي واحد.في الصورة المرفقة تجدون واحدة من أكبر كاتدرئيات روسيا في مدينة سان بطرسبرغ العاصمة الروسية القديمة.
كنت أجلس في حديقة هذه الكاتدرائية قبل ربع قرن بعد شراء آخر المراجع من منفذ بيع الكتب الشهير المسمى “دوم كنيجي” أو “بيت الكتب”.
غير بعيد أيضا مطاعم أجنبية وروسية في الشارع العظيم “نيفسكي برسبكت” وكنت زبونا دائما عند مطعم لساندويتشات التونة اسمه “مينوتكا” ويعني “في دقيقة واحدة” وهي الفترة السريعة التي يتم فيها تجهيز السندويتشات للطلاب أمثالنا.
في يسار صورة الكاتدرائية تجدون تمثالا لأحد أبطال التاريخ الحربي الروسي وهو الفيلد مارشال “ميخائيل كوتوزوف” الذي كان الند الروسي للقائد الفرنسي نابليون بونابرت في مطلع القرن 19، والذي كان بالتالي أحد أهم أبطال رواية “الحرب والسلام” التي أبدعها “ليو تولستوي”.
التمثال المهيب الذي تجدوه في كاتدرائية كازان يخلد بطلا من أبطال التاريخ الروسي خلافا لما نعيشه في العصر الحديث لحروب لا نجد فيها أبطالا من بني البشر بل عقولا إليكترونية وأشباه آلات تنطق عبارات محفوظة لا مجال فيها للعنصر البشري ولا الخطأ ولا الارتجال.
إنها حرب بلا أبطال، ولا أساطير ولا أنبياء !
إنها حرب لن ينتج عنها أعمال أدبية خالدة مثل “الحرب والسلام” ولن يولد من رحمها أدباء عظماء مثل ليو تولستوي ولا نحاتين مبدعين يجسدون قادة ميدانيين أمثال “كوتوزوف”.
منقول من صفحة الدكتور عاطف معتمد