كشف الدكتور عاطف معتمد استاذ الجغرافيا السياسية بكلية الاداب جامعة القاهرة، الملحق الثقافي المصري الاسبق في موسكو، الحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية سنة 2009م بأن الميناء الشهير “سيفاستوبول” الذى يتردد اسمه كثيراً في الحرب الدائرة حاليا بين روسيا وأوكرانيا
هو أهم معلم جغرافي منذ عام 2014 حين ضمت روسيا القرم.
فهذا الميناء يربض فيه الأسطول الروسي في البحر الأسود وهو مخرجه الأساسي إلى البحر المتوسط.
ويهدينا التقليب في المراجع عن العلاقات المصرية الروسية قبل قرن من الزمن إلى أن هذا الاسم كان محل أزمة سياسية على الأراضي المصرية.لقد افتتح مواطن روسي مطعما في مدينة الإسكندرية المصرية أعطاه اسم “سيفاستوبول” على اسم الميناء الشهير في القرم.
كان المطعم يستقبل البحارة والمسافرين الروس العاملين في التجارة والنقل. وكان كثير من هؤلاء ينتمون للحركة الشيوعية حتى عام 1902.
كان صاحب المطعم مواطن روسي اسمه “يوزوفيتش” عاش في الإسكندرية طيلة عشرين سنة.
ساهم هذا الرجل في دعم الاتجاهات الشيوعية سرا تحت الأرض للسعي إلى قلب النظام القيصري من خلال الشباب المثقف الثوري ومن بينهم البحارة.
زكان من أبرز المصادر المطبوعة التي كانت محرمة في روسيا صحيفة “إسكرا” التي كان يصدرها فلاديمير لينين.
تعني “إسكرا” بالعربية “شهاب” أو “شعاع نور وامض”.كان مطعم سيفاستوبول يعد محطة استقبال الأعداد الدورية من “إسكرا” ليطلع عليها الشيوعيون الروس الذين يترددون على ميناء الإسكندرية.
تقدم القنصل الروسي “سميرنوف” بتقرير إلى حكومة بلاده في روسيا يشتكي فيه أن انجلترا توفر حماية لهذا المطعم الذي يجتمع فيه البحارة الروس فيتعرضون لتأثيرات فكرية ضارة ببلادنا”، بنفس الطريقة التي توفر فيها حماية للمطبوعات المناهضة لتركيا من الشباب الثوري الهادف إلى إسقاط الدولة العثمانية.
لاحقا تسللت مجلة “إسكرا” إلى المجتمع المصري وصارت واحدة من أهم مصادر قراءات التيارات الشيوعية المصرية وافتتحت لها فروعا في القاهرة.
وخلال إعدادي للكتاب الذي أحضره عن المسيرة العلمية للجغرافي الرائد أ.د محمد رياض علمت منه أن بيته في منطقة لاظوغلي في القاهرة كان مواجها لمقر “إسكرا” في سن الصبى في ثلاثينيات القرن العشرين، وعرف منه كثيرا من الأفكار التي كانت تأتي لمصر من وراء البحار.
اسم سيفاستوبول Sevastopol مؤلف من مقطعين: “سيباست sebastós” من اليونانية بمعنى “المبجل الوقور” وكان وصفا يطلق على الإمبراطور الروماني، والمقطع الثاني “بول pólis” بمعنى مدينة، أي أن الميناء الشهير كان يعني “المدينة المبجلة”.
ورغم أن هناك جذورا أثرية للميناء من عصور ما قبل الميلاد في علاقته بالحضارة اليونانية إلا أن اسمه الحديث “سيفاستوبول” عرف مع زيارة الإمبراطورة الروسية يكاترينا الثانية وكان برفقتها الإمبراطور النمساوي جوزيف الثاني.
وذلك في عام 1787.
خلافا لما نظن من بُعد المسافات، تبدو الأماكن في الحقيقة قريبة جدا وذات علائق مترابطة، وليست سيفاستوبول في القرم ببعيدة عن سيفاستوبول الإسكندرية ….وأثرها في التيار الفكري المصري مسجل في عديد من مؤلفات المفكرين المصريين في النصف الأول من القرن العشرين!