في عام 2003 إبان الغزو الأنجلوأمريكي للعراق وما لحق بذلك من تدمير إنساني وتخريب متعمد لبنية النظام العربي، كنت أحد كتاب سلسلة مقالات لمركز بحثي خليجي استقطب كثيرا من الأقلام الشابة، أذكر من بين تلك الأقلام كاتبة مغربية نسيت اسمها بكل أسف لأنها كتبت فقط مقالين أو ثلاثة على الأكثر.
المقال الأول كان عن مسيرة التعليم لدى النظم الديكتاتورية ذهبت فيه إلى نظرية تقول إن التعليم مطلب ضروري للنظم المخاصمة للديموقراطية لأن هذه النظم في النهاية تحتاج لمن “يشغل لها النظام”، وأن ما تنفقه على التعليم بدرجة أو بأخرى هو في الأساس لصالح بقاء نظامها في حالة تشغيل، ولعل هذا ما يجعل هناك فرقا واضحا بين التعليم والثقافة، والتعليم في مجمله والتعليم الناقد على وجه الخصوص، التعليم المحفز على التفكير في مقابل التعليم التسليمي الذي يحفظ مجموعة آليات تنتهي إلى تكرار وتشغيل من دون وعي أو نقد أو تفكر وإبداع.
في المقال الثاني تناولت الكاتبة الشابة كيف أنها تشعر بالخزي والعار وهي تشاهد القتلى والجرحى في العراق بينما تتناول الكسكس والحلوى المغاربية.
الحقيقة أن بث نشرات الأخبار طيلة 24 ساعة جعل الناس تشاهد الموت والدماء على طعام الفطور والغذاء والعشاء حتى فقد الموت هيبته وتعرضت الكرامة لمسخ وتشويه.
ودعني أضيف لمقال الفتاة المهذبة أنه مع البث المباشر المتصل طيلة النهار والليل يتصادف أن يذهب الزوجان إلى فراش اللقاء والتلفاز يبث نشرة أخبار الدماء والخراب والقتل والتدمير.
كانت الكاتبة المغاربية الشابة التي نسيت اسمها تريد أن تقول في عام 2003 إن ما يحدث خطر كبير على الوعي العربي لأنه يجعل ما نراه أقرب إلى فيلم سينمائي أو مسلسل متعدد الحلقات وأننا بهذا نألف العدوان والظلم ولا نملك شيئا بل ونستسلم لما يحدث لأننا وكأننا نقول لأنفسنا أنه لا دخل لنا في مسيرة الأحداث ولا سيناريو التطور، فكما في المسلسلات والأفلام مبهرة الأضواء لا يمكن للمشاهد إلا أن يتفرج ويتابع ويقول “واو ” أو “ياحرام” أو على أقصى تقدير قد تفلت دمعة من عينه على فيلم مأساوي ثم يغير القناة على فيلم كوميدي فيسخسخ من الضحك. استعدت هذه الذكريات بعد متابعة مكثفة لمدة أسبوع لحرب روسيا في أوكرانيا وأنا أشاهد بعض الفضائيات العربية وهي تنقل نفس ما حذرت منه الكاتبة المغاربية الشابة.
الجديد بعد 20 سنة من مقال الكاتبة الشابة أننا اليوم شهود عيان على إضافة أخرى تزيد الأمر خطورة ذلك لأن الفتيات والسيدات الحسنوات الشقراوات الرشيقات الممشوقات اللائي يقدمن الأخبار يتنافسن بكل السبل لتشتيت أنظار وعقول وأفئدة المشاهدين عن الخبر الدامي ليبقى النظر فقط معلقا بهن: بآخر صيحات الموضة والرشاقة والماكياج كما لو كن ممثلات فاتنات يحترفن الإشارة الدالة والالتفاتة المثيرة.
أمام هذه الحالة من تشتيت عقل المشاهد عن الهدف الأساس لمضمون المحتوى، نسأل أنفسنا: ما الذي يهدف إليه الإعلام البصري في الفضائيات؟ أليس الهدف النبيل لتغطية الحرب هو إخطار وإعلام وإيلاغ وتبيان وتوضيح وتعليق وتفسير يسمو إلى “التضامن” الإنساني مع المظلومين؟ أليس هدف كل ذلك هو شحن الروح بضرورة رفض الحرب والقتل؟ هل نحن حقا نشاهد كارثة الحرب أم نتسلى ونتابع آخر صيحات الموضة وآخر برامج الجرافيك ديزاين والأنيميشن كما لو كنا في “جيم حرب” يتسلى بها الجالسون بلا عمل على آرائك العطالة؟
الإعلام الحقيقي في ظني لا يسعي إلى تسلية المشاهد بالتنافس على أكبر إبهار بصري في 24 ساعة متصلة ليل نهار فيفقد الظلم أثره ويفقد الموت هيبته ويفقد التضامن معناه ويختلط الوعي بالترفيه والدمار بالتسلية.
إن ما نراه في 2022 حرب كارثية وليست فيلما أو مسلسل أو لعبة من ألعاب الفيديو على الموبايل، تماما كما كانت حرب 2003 التي ما تزال آثارها باقية من تدمير أعمدة النظام العربي إلى اليوم وستبقى عقدين أو ثلاثة أخرى في المستقبل، وإذا صدق توصيفي فإن حرب عام 2003 بتدمير العراق سحبت معه تدميرا للنظام العربي لخمسين سنة تالية !
وجهة نظري أن الحرب حدث كارثي، يستلزم منا التواجد (أي التشارك الوجداني) ويستدعي منا الوعي واليقظة والشفقة على الضحابا ويستدعي رفض العدوان وليس التسلية والاستمتاع بالمشاهدة فائقة الألوان مثيرة الأداء خاطفة الأبصار.
منقول من صفحة الدكتور عاطف معتمد
خلاص يا عم الحاج ..نأتى بواحده ” ندابه ” تقرأ الأخبار السيئه وأخبار الحروب ولا تزعل ..لكن المشكله كل الأخبار سيئه ..هل لابد طوال اليوم أم نبحلق فى الندابه ؟ أعرف أن هناك حساسيه شديده عند الذين أمنوا من رؤية امرأه أنيقه ..يفضلونها كيس أسود مثل أكياس الزباله ومع ذلك لا تنجو من التحرش لأن الذكور والفحول والتيوس لديهم احتباس جنسي بهيمى .